لحظتنا الاسلامية، دلالتها الكونية في تاريخ العالم

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله لحظتنا الاسلامية

سألني أحد الأصدقاء: كيف تصف الحقبة الحالية التي بدأت بما سمي بثورة الربيع العربي فتنزلها في تاريخ الأمة وخاصة في مرحلة التحرر من الاستعمار؟

عسر الجواب مضاعف:

  1. تاريخ الأمة عديم التحقيب ذي دلالة فلسفية بينة

  2. الحقبة التي سميت بالثورة ما تزال في حبو متعثر لم تقف على قدم واثقة

سأحاول تحديد معايير تحقيب قابل للقراءة بمنظور فلسفة التاريخ قبل أن اقترح منزلة لهذه الحقبة الحرجة من تاريخ الامة ودور المنشئين والمحافظين.

ذلك أن ما نسميه تاريخ الامة المدركة لكونها أمة واحدة له بداية ونهاية معلومتان:

  1. بدأ بالخلافة العربية

  2. وانتهي بالخلافة العثمانية.

وفيه مسلمتان.

  1. الأولى أننا في مرحلة جل النخب في الداخل والقوى الاستعمارية في الخارج تسعى لإلغاء الوعي المشترك بالأمة حتى صارت كل محمية تسمي نفسها أمة.

فالأمة لم تتفطن لتغير أدوات الصراع بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية

  1. وشروع الغرب في تغيير قواعد اللعبة رغم صمود الخلافة العثمانية العسكري. فحروب الاسترداد والاحاطة بقلب دار الإسلام بالاكتشاف العالم الجديد والممرات التي أخرجته من الدورة الاقتصادية العالمية هي علامة هذا التغير.

ولن أدخل في تحديد هذا التغير في الغزو المغولي إلا سلبا بمعنى أنه ساهم في نجاح الغرب بإنهاك قوة المسلمين ولكنه لم يكن له دور في تغير طبيعة الصراع.

ومثله الصمود العثماني فهو لم يكن ذا صلة بتغير قواعد الصراع: فالغرب لم يحقق هذا التغير إلا بما لاحظه ابن خلدون: شروع الغرب في النهضة العلمية.

وخروج المسلمين وخاصة من هذا السباق ولم يبق لهم إلّا وميض قوة روحية وعسكرية مكنت العثمانيين من الصمود دون تفطن للنهضة العلمية في دول الغرب.

لذلك وبهذا المعيار يمكن أن أقسم تاريخ الامة الحضاري إلى حقبتين كبريين: الفاصل بينهما هو ظهور مفعول هذا التغير الكيفي في أدوات الصراع الحديثة.

والأدوات تعود إلى العلوم وتطبيقاتها في تنظيم الدول والحروب وطرق المواصلات التجارية العالمية وفقدان الأمة القدرة على المنافسة فيها جميعا.

وسأعتبر بتقدير غير دقيق بأن اللحظة الفاصلة هي نجاح حرب الاسترداد في اوروبا الغربية والحوض الغربي من البحر المتوسط رغم فتح الخلافة البلقان.

فأوروبا تجاوزت القرون الوسطى والمسلمون ناكصون إلى ما دونها ففقدوا ما كانوا يتميزون به عنها وورثته منهم: قوة العلم والسيطرة على العالم.

ورغم صراع فرنسا مع شارل الخامس فحالت دون وحدة أوروبا إلا أن هذا التنافس شمل السياسي والمعرفي وغزو العالم القديم والجديد: الاستعمار الغربي.

والأولى كانت السيطرة فيها للمسلمين والثانية للمسيحيين والأولى أطول لكن الثانية ما تزال مستمرة. لكن كلا منهما قابلة للقسمة إلى مرحلتين.

فكلتا الحضارتين ردت الفعل على الثانية بنفس الطريقة: الصمود الدفاعي ثم الهجوم. فالحقبة الأوروبية الاولى تنقسم إلى ما قبل الصليبية وما بعدها.

والحقبة الكبرى الثانية اوروبا هي الاقوى فكانت في مرحلة الهجوم وهي بدأت في رد الفعل منذ بدأت مقاومات التحرير عند المسلمين.

وبذلك يمكن القول: حقبتان كبريان الأولى ذات مرحلتين نحن المهاجمون وهم المدافعون أولا ثم انعكس التوجه والفاصل هو الصليبيات. والثانية العكس.

لكنها أوروبا خرجت منتصرة من المعركة في الحقبة الاولى. لكننا نحن لم ننتصر بعد لأن المعركة في الحقيقة لم تعد بينهم وبيننا بل أصحبت عالمية.

لكن لما كانت هي الاقرب لقلب دار الإسلام أي العرب والأتراك فإن توطيد المرحلة الثانية من الحقبة الثانية يعني أنه علينا أن نغير قواعد اللعبة.

ينبغي أن نأخذ منها ما تتميز به علينا أي العلوم وتطبيقاتها النظرية والعملية وأن نفوز بما نتميز به عليها: وما نتميز به عليها هو ما فقدته أوروبا.

وما نتميز به عليها لأن أوروبا فقدته هو العنفوان البايولوجي والشباب في مقابل الذبول البايولوجي والشيخوخة. وهم واعون بذلك: سر الإسلاموفوبيا.

وإذن فالمعركة ليست بيننا وبينهما بل بيننا وبين شروط حسم المعركة الجارية وهي ليست مع أوروبا بل مع ما يحول دون المسلمين واستئناف دورهم.

فلا يمكن أن نأخذ من الغرب ما يتميز به علينا إذا لم تتوفر شروط القدرة على أخذه ليس عنوة بل بأسبابه المنعدمة في دويلات هزيلة هي محميات.

وهذه المراحل الأربعة المتناظرة فعلا وانفعالا يوحد بينها أصل لم يبق موجودا رغم قلب الامة (العرب الاتراك) وأوروبا ما زالوا يتوهمونه موجودا.

لم يفهم الأوروبيون والعرب والأتراك أن الإقليم المشترك قلب دار الإسلام وأوروبا لم يعد لهم المنزلة التي كانت تجعلهما يتصارعان ولا الوزن.

فمذ ما يقرب من خمسمائة سنة قبل الميلاد إلى الحرب العالمية الاولى كان هذا الإقليم الواحد حول المتوسط مركز العالم فلم يتوقف قطباه عن الصراع.

وبالنسبة إلينا في تونس الأمر بدأ منذ الحروب البونيقية بين قرطاج وروما إلى سقوط الخلافة العثمانية وقد عشناه فأنا فقدت اختي وخالي وابن عمي.

فقدتهما في الحرب العالمية الثانية وسخر والدي في الحرب العالمية الأولى. لكن الإقليم بطرفيه يعيش الصراع لأنهما يتوهمان أنهما مركز العالم.

الإقليم كله بطرفيه العربي التركي تمثيلا للشرق والأوروبي تمثيلا للغرب أقل وزنا ديموغرافيا وحتى علميا وتقنيا من عمالقة العالم في دولة واحدة.

فإذا لم يفهموا ذلك فستدوسهم الارجل: أوروبا مثلنا صارت تابعة وحتى لو فرضنا أن لها القدرة على الرعاية فهي عاجزة عن الحماية وسيادتها منقوصة.

والغريب أن اليمين الأوروبي وكاريكاتور الحداثة العربي كاريكاتور الأصالة العربي وإسرائيل وإيران كل هؤلاء يسعون إلى فرض صراع تجاوزه العصر.

فلا نحن (العرب والأتراك) ولا هم (قوى الغرب القديم) بقينا مركز العالم ولا مبرر للصراع بيننا لأننا مجرد وقود لمعركة العماليق في نظام العالم.

وليس من الحكمة مواصلة معركة لم يعد لها وجود ولا معنى. الشرقي والغربي القديمان لن يستردوا دورهم في نظام العالم من دون التفطن لوحدة المصير.

والتعاون بين ضفتي الابيض المتوسط بات ضرورة لنأخذ منهما سر قوتهم ويأخذوا منا سر قوتنا فنكون عملاقا يمثل حضارة واحدة عملاقا بين العماليق.

وهنا أنزل السنوات السبع من الثورة التي بدأت من تونس وعمت مركز الإسلام العرب والأتراك: ففيها اكتشف الشباب وحدة القيم الأصيلة والحديثة بيننا.

إنها لحظة فريدة في التاريخ العالمي: شباب الإسلام أصبح أكثر شباب العالم طلبا للقيم الدينية والفلسفية المشتركة. فهموا وحدة الفطرة الإنسانية.

لكن كاريكاتور الحداثة يحارب الإسلام بحلف موضوعي مع يمين الغرب المتطرف لكأنهم من أحفاد الصليبيين مثله بوهم التنوير وفلسفة يمضع كليشيهاتها.

وكاريكاتور الأصالة يرد عليه فيحيي نفس المعركة التي لم يعد لها وجود إلّا في ذهن الكاريكاتور الأول واليمين الغربي فيكون حليفهم في تأجيل الحل.

وإيران وإسرائيل من مصلحتهما ألا تتصالح سنة الاقليم العربية والتركية قوة الإسلام الحقيقية وقلبه النابض بالأولين نشأت دولته وبالثانين صمدت.

إنهما السند الفعلي والموجه الحقيقي للكاريكاتورين والمخترقين للإرهابين المادي (دعوى التأصيل) والرمزي (دعوى التحديث) ضد السنة وأوروبا.

والأنظمة بنوعيها القبلية والعسكرية ليست إلا دمى بيد إيران وإسرائيل والمافيات الاستعمارية التي تحمي استبدادهم وارهابهم حتى لا تحدث نهضة.

لذلك اعتبرت ثورة الشباب الذي أدرك وحدة القيم العليا للوجود الإنساني وكونيتها قد قلب الموازين وألغى كل أوهام الزاعمين الدفاع خصوصية الأمة.

فما يطلبه الشباب هو جوهر ثورتي الإسلام: الحرية الروحية بنفس الوسطاء والحرية السياسية بنفي الاستبداد والفساد. وهما كونيتان: جوهر الحداثة.

ويكفي أن يرى الشباب التأسيس الفلسفي لهذه القيم الكونية التي بدآ بهما الإسلام ثورته ونكص المسلمون عنها بسبب ما وصفنا: هم يأصلون ويحدثون.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي