لبننة تونس الممكنة، أو غياب الحكمة في سوء تقدير المتعجلين

**** لبننة تونس الممكنة أو غياب الحكمة في سوء تقدير المتعجلين

قد يفهم كلامي على شرط قبول الرئيس للتحوير باعتباره أحد مقومات شرعيته أني موافق على مناورات الرئيس وحزبه. فهذه مسألة ثانية، وقد سبق أن عبرت عن رأيي فيها. لكن ما ظل الرئيس موجودا فلا يمكن تجاوزه حلا لتجاوز مناوراته. فهذه مسألة حزبية وتلك مسألة دستورية: قصدي عدم إصلاح خطأ بخطأ أكبر. والخطأ الدستوري -موافقة الرئيس شرطا لشرعية الحكومة كما بينت علل ذلك-أخطر: • أولا لأنه خطأ دستوري • وثانيا وهو الأهم لأنه لن يحل مشكل الخطأ الحزبي بل هو سيعقده بل وسيضع الحزب الثاني في التوافق أمام مأزق لا علاج له: فالحكومة هذه حتى لو ظل تمثيله رمزيا ستحسب عليه بالكامل. ذلك أنه كان يمكن للنهضة أن تقول إنها كانت تعمل بالتوافق مع حزب الرئيس. ولا أحد يمكن أني يدعي أن الأحزاب التي انضمت للحكومة الحالية متوافقة مع النهضة أولا أو لها ثقل سياسي يجعلها تبرر الاحتجاج بالتوافق لمواصلة الحكم برئيس حكومة فقد ثقة الحزب الذي عينه مع فقدان ثقة رئيسه الفعلي. ولما كان هذا المأزق مستحيل العلاج بغير العودة إلى التوافق ومن ثم سقوط الحكومة الحالية، فإنه سيطول. وإذا طال، فسيزداد الوضع تعفنا فيكون العجلون بحمق لا نظير له قد دفعوا البلاد إلى الحل الذي يطالب به من يطالب بالبيان رقم واحد أو بحل على طريقة ابن علي عزلا للرئيس وفرضا لحكم الأمر الواقع.

لست غافلا عن كون الكثير من “التكتاكين” في السياسة يتصورون كلامي هذا مجرد استنتاجات “نظرية” لا مفعول لها في المسرح السياسي. لكني أذكرهم بأن أغلب ما حذرت منه حصل أو هو بصدد الحصول وأهم من ذلك كله موقفي من الدستور الذي يدل على سذاجة سياسية لدى صائغيه توهم أصحابه أن تونس تحكم برلمانيا مثل انجلترا. غاب عنهم أن انجلترا مرت بتجربة بدأت منذ القرن السابع عشر فضلا عن الشروط الموضوعية لبقاء اللحمة الوطنية فيها ولم تمر بعهد استعماري جعل هويتها ذاتها محل جدل ما يعني أن الكسور التي عبت على المرزوقي استعمالها في حملته ما تزال جروحا غير مندملة ويعسر بالعجلة مساعدتها على الاندمال. وقد أسكت على أشياء كثيرة إذا كانت لا تمس الجوهر مهما كان حجمها. لكن الأمر الآن يمس الجوهر: ذلك أن أقصى الممكن هو نجاح الإسلاميين في الوصول إلى الحكم بهذه الطريقة الاستعجالية. فهل سيكون ذلك بغير شروط النظام السابق بل وبأكثر منها من حيث التبعية في كل شيء؟ فإذا كان ما سينتج لا يختلف عما سبق فأي معنى للثورة أولا وأي معنى لحكم الإسلاميين: والشروط واضحة وقد ذكرتها منذ مشاركتي في المجلس. وأهمها شرطان: 1. التطبيع التام مثل كل الأنظمة العربية وبصورة علنية بعد اقدام الثورة المضادة عليها 2. عدم المس بالاستعمار الثقافي والاقتصادي الفرنسي وهو يزداد تغلغلا بل كاد يتحول إلى ترابط بنيوي. أعلم أنه سيعترض علي بعض المتثائرين أو العجلين في استثمار السوانح بالقول لكن إذا كان ما تصف مستحيل التجاوز، فهل معنى ذلك أنك تطلب الابقاء على الحال لأن تحليلك يوحي بأن تغييرها مستحيل؟ طبعا هذا تقويل لم اقصده: قصدي أن ذلك ممكن بشرطين: 1. تمكين الانتقال الديموقراطي من تحقيق غايته بنسقه التوافقي الطويل والعسير 2. والغاية منه تحقيق وحدة شعبية تستأنف ما يستكمل شروط الاستقلال الفعلي. فتونس قبل الاستقلال الصوري كانت قادرة على مقاومة الاستعمار وقد فعلت. لكن ما حدث بعد الانفصالين بين بورقيبة والثعالبي ثم بين بورقيبة وبان يوسف أنتجا ما نراه اليوم من تفتيت الوحدة الوطنية حول مسألة الهوية وهو أمر خطير لأنه جعل السياسي يتحول بسببه إلى صراع قد يتحول إلى حرب أهلية.

ويكذب من يتوهم أن تونس ليس فيها طائفية. ذلك أن تونس أصبحت تعاني من طائفيات وليس من طائفية دينية، فحسب وهي الكسور التي تكلمت عليها وقد أضيف إليها طائفية عميقة وخطيرة بدأت تعم المغرب العربي كله وهي محركة من الخارج (إسرائيل وإيران وفرنسا) هي العرقية والثقافية بين العربي والأمازيغي. وكل هذه الأمراض التي أحيتها الصراعات السياسية بين نخب مستعدة لهد الهيكل الجمعي من أجل مطامعها وحساباتها ضيقة الأفق أزالت ما يمكن أن نسميه لحمة وطنية أو وحدة شعبية. وكل تعجل في الحسم في الانتقال الديموقراطي قبل تجذر قيم التوافق على الحد الأدنى من الوحدة الوطنية يعرض البلاد لللبننة والانهيار.

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي