لإيقاف الخداع والفساد لا بد من اسقاط ورقة التوت الأخيرة


سأعتمد مبدأين مع تقديم هذه الملاحظة التي ألحقتها بالمحاولة:
فما أخشاه هو أن التونسيين قد لا يدركون طبيعة الخطر الذي يتهدد الوطن فيتصورون إصراري على اعتقادي على أ نه أخطر من كورونا قد يكون الفوت قد فات إن لم يكن قد فات بعد. فيا الله أنقذ تونس مما يحاك لها من المخلدين إلى الأرض. فقد يكون المآل ما نراه في العراق وسوريا ولبنان وليبيا لا قدر الله.

  1. الأول سأتكلم على نفسي فرضيا -وبأسلوب إياك أعني وافهمي يا جارة-ولا أبالي إذا رد أحد بأني أبالغ في الكلام على معايير النظافة. والهدف هو ما أدين به للدولة باعتباري موظفا أنال أجرا محددا مقابل عمل محدد هو نوع العقد بيني وبين الدولة:
    • التدريس
    • والبحث العلمي (بعدما صرت جامعيا).

  2. الثاني سأضع بين قوسين المعايير الكيفية واكتفي بالكمية ليسر اعتماد الثانية وعسر اعتماد الاولى وخاصة لأن المشكل يتعلق بنظافة اليد. فالجامعات تحدد المعيار الكيفي بالنشر في المجلات المحكمة وخاصة الأجنبي منها والمعيار الكمي بعدد المنشورات.

درست سبع سنوات في الثانوي. لم أكن مطالبا بالبحث العلمي إداريا.
لكني كنت مطالبا بالتعلم المستمر بمقتضى تطور المادة واحترام نفسي إذ كم من مرة يجد الاستاذ نفسه أمام طلبة طلعة وأذكياء يدفعونه لمواصلة التعلم.

رسميا إذن كان أجري الذي اناله لا يدخل فيه هذا الجهد الشخصي سواء قمت به زيادة أو لم أقم به نقصا. لكن الأجر المعنوي الذي يكون عادة في شكل سمعة طيبة وثمرة علمية عند التلاميذ يعوضني عن ذلك.

سنة 1981 انتدبت مساعدا بعد حصولي على شهادة التعمق في البحث حول منزلة الرياضيات في العلم الأرسطي. وقبلها شهادة الكفاءة المتممة للأستاذية في مفهوم السببية عند الغزالي.

وكانت الرسالتان كلتاهما بالفرنسية واحدة في باريس مع أحد كبار المستشرقين والثانية في تونس مع أستاذ المنطق التشيكي. وبقيت خارج الجامعة ثلاث سنوات رغم ذلك. لأني لم أكن “قوادا” للنظام.

لما دخلت للجامعة لم يكن عندي حصص في الفلسفة فدرست مناهج علم الاجتماع في مدرستيها الفرنسية والألمانية سنتين وكتبت في ذلك ثم عينت في تدريس الفلسفة فتخصصت في أرسطو إلى التقاعد سنة 2007. يعني 27 سنة. وكانت اجرتي ككل زملائي ثلثها للتدريس وثلثاها للبحث العلمي.

وقد كتبت الكثير من البحوث بعضها بالفرنسية وبعضها بالعربية وبعضها بالإنجليزية وبعضها ترجم إلى الالمانية والكثير منها نشر في مجلات محكمة تونسية وعربية واجنبية ألمانية وماليزية.

وترجمت الكثير من أمهات الكتب الالمانية وكذلك ميتافيزيقا أرسطو عن ترجمتها الالمانية الأوثق حتى من ترجمة دواد روس بعد أن من الله علي فأتممت دراسة الألمانية مع القانون والاقتصاد في باريس.

سأفترض الآن أني اكتفيت بالتدريس. ولم اقم بما يثبت أني قمت بالبحث العلمي.
ألا أكون قد أديت ثلث واجبي الذي أنال مقابله اجرا مثل أي زميل قام بذلك؟
وإذن سأفترض أني إذا لم أكن قد فعلت فلم أقدم شيئا.

فإذا كنت لم أنشر شيئا بصرف النظر عن القيمة العلمية لاقتصارنا على الكم دون الكيف الا أكون قد حصلت على ثلثي أجري بدون عمل مقابل فأكون لصا وإن ادعيت الطهرية والنظافة؟

ولأفرض الآن أني عملت 35 سنة مساعدا أو استاذا مساعدا ولم أرتق في سلم المهنة لأني لم أقدم رسالة ولم أنشر بحوثا أيا كانت قيمتها العلمية لأننا وضعنا الكيف بين قوسين.

وقد عملت بين العالي والثانوي 34 سنة ونصف رغم أني بدأت العمل في سن 23 سنة بعد تخرجي من دار المعلمين العليا بسبب انقطاعي للدراسة في باريس. أما سنوات ماليزيا فقد حسبت لأني دفعت مقابل الرعاية الاجتماعية.

بكم أكون مدينا للدولة التي دفعتلي أجرا كاملا في حين أني لم اقم إلى بما يقابل ثلثه أي التدريس وأيضا مع وضع الكيف بين قوسين؟ فمن السهل الجواب عن هذا السؤال ولو بتقدير تقريبي.

سأفترض أن ذلك يقابل تقريبا 400 دينار شهريا (معدل التدرج غير النسقي بين 200 إلى 1000) إذ كان معدل اجر المساعد راوح بين 300 و1500. فإذا ضربتها 12 شهرا في 35 سنة فكم يكون ما حصلت عليه دون عمل أنا مطالب به فأصبح بخلاف ما أدعي سارقا لأجر لا استحقه ولا يحق لي أن ادعي النظافة والطهر؟

حسبتها بقيمة الدينار الحالية فإنها تكون بـ”شيفر رون” 400 شهر في 400 دينار مع معدل المقابل بالدولار قبل أن يطيح قدر الدينار (دينار وثلث للدولار: ذلك ما كان عليه الدينار قبل تقاعدي سنة 2007) تكون 400 في 300 دولار =120000 دولار.

فإذا قدرناها بسعر الدينار الحالي نضربها في 3 تقريبا أكون مدينا للدولة بما ينيف على ثلث مليار تونسي. يعني أكون سارقا طبعا ليس مثل كبار المافية لكني سارق “كون مام”.

سيقال أنت تقطع الشعرة على أربعة. صحيح. لكن الكلام على النظافة والطهرية يقتضي ذلك. فالنظافة والظهرية قيمتان مطلقتان إذا حضر أدنى خدش فيهما تصبحان للخداع خاصة إذا صارت الحجة الوحيدة التي تقدم للدفاع عني مثلا.

لكن إذا كنت متواضعا ولم أزعم أني “صح سلام” خلقيا ناهيك عن مواقفي السياسية فإنها تكون آخر ورقة توت ينبغي أن تسقط حتى تزول كل الحجج التي يتحجج بها من يريدون التعامي عن حقيقة انخداعهم ولا يتداركون.

ولأسأل الآن عن الفرق بين ما وصفت في حالتي الفرضية والمافيات النقابية التي تحصل على أجور دون عمل ومثلها المافيات الإدارية أو على أي إنسان يحصل على منح إنتاج دون إنتاج مثل:

  1. الذين يحصلون على الشهريات الاضافية لشهور السنة من واحدة إلى ثلاثة؟
  2. والذين يحصلون على قروض دون فائدة؟
  3. والذين يحصلون على الخدمات التابعة لعملهم دون مقابل؟
  4. والذين يحصلون على بطاقات الاكل على مؤسساتهم؟
  5. والذين يحصلون على سيارة الوظيفة وطاقتها دون الاقتصار على الوظيفة؟
  6. ومثل الذين يستغلون أموال الدولة لتكوين أحزابهم وتعيين الاحباب والاصحاب؟
  7. والذين يبيعون أسرار الدولة في عروض العطاءات العامة للدولة؟
  8. والذين يحصلون على الرشا في الخدمات التي هي من حق المواطن؟
  9. والذين يساومون المستثمرين سواء كانوا محليين أو أجانب من المسؤولين؟
  10. وأخيرا وهي الاخطر من كل ذلك باعة الشهادات من الكاباس فصاعدا؟

اليس هذا هو الفساد بعينه؟
لكنه على نوعين وانه هو الفساد الحقيقي وأنه غير ممكن من دون الاستبداد السياسي حتى لو ادعى اصحابه أنهم مع الدولة القوية العادلة ولا تكون قوية إلا بخدمة المافية وليس بالقانون والشرعية:

  1. الأول هو فساد أصحاب السلطة
  2. الثاني هو فساد خدمهم

فمن أي النوعين أكون لو كنت في هذا الحالة كما وصفت؟ هل يمكني أن أواصل فادعي أني طاهر ونظيف؟ وهل يمكن أن يكون من يعتقد هذا الزعم مواصلا مغالطة نفسه لأنه كان يجهل ما وصفت بعد أن أزحت ورقة التوت؟

ومن لم يفهم ذلك فهو المسؤول على مواصلة الخداع ولن “يشتري مكحلة إلا بعد ما يتخذ”. آمل أن يكون الأمر بينا لكل ذي بصيرة. فقد مللت سماع من يدعي كنا مخيرين بين وسخ ونظيف. وعيب علي أني قلت إن الوسخ نوعان: علني وسري.

طبعا فلست أقدم هذه الطريقة بالكلام على نفسي تفضلا على أحد بما بذلته من جهد فهو عمل انتدبت لأجله ومن ثم فأنا قمت بواجبي بحسب استطاعتي ولا شكر على واجب. لكن كل الذين يزعمون أن “فلانا” نظيف ينبغي أن يسألوا أنفسهم عن صدقهم في قرارة أنفسهم.

فهل تعللهم للتنصل مما حصل يكفي للسكوت عما هو آت وهو سيكون أخطر؟ وحتى وإن حمانا الله من المكروه فلم يحصل شيء مما اتوقعه فإن مجرد عدم الكفاءة والعجز في المهمة على رأس البلاد يعتبر القبول به في وضعيتنا خطأ لا يغتفر.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي