1-اضطررت إلى قطع الكلام في سلسلة المفهومات الخمسة–الخلافة والأمة والهوية والشريعة والتراث–وتأجيل مواصلته لأعالج مسألتيـن سيطرتا على الحرب النفسية الموجهة ضد السنة حاليا.
2-وهما: أولا الحرب على ما يسمى بالإرهاب بتجفيف المنابع وثانيا الكيد للسنة بتحميل فكرها مسؤولية الإرهاب باستعمال مغول الغرب –أمريكا– ثأرا لـ11-9. والحلف مع المسيحية الصهيونية التي بها هدموا العراق ويسعون لإحياء غريزة الثأر لتهديم السعودية.
3-وسأواصل الكلام على الحرب النفسية ومدارها الرئيس لصلته بالمفهومات الخمسة التي هي شوهت من أجل استنقاص دلالتها تشويها هدفه حصر عملنا في الموقف الدفاعي العقيم.
4-وحرب الأعداء النفسية على السنة كما سبق أن بينا تعتمد غاية فنيات الحرب أعني الحرب على معنويات الأمة وقيمها بامضى سلاح: الابداع الخيالي. وقد كتبت فصلا في الحرب“بالعلم الخيالي“من خلال تحويل أهم قيمة في الحضارة الإسلامية إلى“فكشن” تعرض في الواقع الفعلي كفلم يشوه القيمة لهدفين.
5-وتلك هي العلة التي تجعلهم يحرصون على تسميتها بالاسم الذي يريدون تشويه مسماه: “الدولة الإسلامية” أو “دولة الخلافة“. فهذا فِلم يجري ويُعرض على الأرض في الهلال خاصة وفي كل أرجاء دار الإسلام عامة. وهدفه مضاعف.
6-الهدف الأول: تشويه فكرة الخلافة والدولة الاسلامية بكل الصور الممكنة وأفضل طريقة لتحقيق ذلك تمكين الممثلين من كل أدوات الظهور السينمائي.
7-والهدف الثاني: تحفيز الرأي العام الغربي للإقدام على كلفة منع السنة من الاستئناف وعسره لأنهم لم يهزموها منذ قرنين بل منذ النشأة الأولى.
8-لذلك فإني بخلاف غيري لم يفاجئني المستوى الراقي للعرض السينمائي لوحشية مقصودة تلصق بالإسلام بربرية تنافي قيمه وأخلاق الجهاد الإسلامي.
9-ويصحب ذلك الضرب المتمثل عن طريق الإعلام –الغربي والإيراني– للرأي العام بالكلام على الإرهاب والتكفير لإلصاقهما بالسنة عامة وبالوهابية خاصة.
10-وسأذكر بواقعة حدثت سنة 2003 في حجتي الأولى سنة الاحتفال بمكة عاصمة الثقافة العربية: فقد تكرمت وزارة الحج فدعتني مع وفد من ماليزيا.
11-قلت كلاما استفز أحد الشيوخ –لافائدة في ذكر الأسماء– فعلق قائلا: كيف تجرؤ وأنت عندنا؟ فرددت عليه:ظننت أني من ضيوف الرحمن ولم أنزل عندك.
12-لم تكن حدة مني بل عجب من عدم فهم الرجل قصدي من السؤال الذي استفزه: سألت ببراءة هل الجملة في عنوان الندوة“مكة عاصمة الثقافة العربية” خبرية أم هي إنشائية؟
13-وأجبت بـ“تفلسف” وأعلم أن هذه الكلمة ليست محبوبة عند الكثير:ليست خبرية. إذن هي إنشائية وعلينا أن نحدد ما علينا فعله لجعلها خبرية حقا.
14-للمسألة علاقة وطيدة بالحرب النفسية: وقد تفضل السيد وزير الشؤون الدينية فطيب خاطري رغم أني لم أغضب من كلام الشيخ لفهمي علل عدم الفهم.
15-لذلك كتبت في الحجة الثانية سنة 2004 مقال “منافع الحج الثقافية“وفيه حاولت تحديد الشروط التي تجعل مكة عاصمة العالم والأمة عاصمتهما الثقافية بحق وتحتوي على كل الفنون والإبداعات الإنسانية.
16-المقال منشور ولا يعنيني منه الآن إلا ما يتعلق بالحرب النفسية التي كان الهدف منه التصدي لها قبل حدوثها لأنها كانت متوقعة بعد 11-9.
17-وأهم فكرة هي ما يمكن أن نسميه الاستباق بحرب “الخيال العلمي“: اقترحت عمل دار إسلام مصغرة قريبة من الحرم تكون نسخة منها تعرض ثقافاتها.
18-والفكرة سهلة التطبيق: فالإنسانية عامة والأمة خاصة شعوب وقبائل للتعارف.وأحسن طريقة للتعارف التلاقي بمناسبة الحج: فلنصنع الوحدة “فكشن“.
19-نأخذ قطعة أرض قريبة من الحرم (وخارج ما يمنع منه على غير المسلمين) ولننسخ عليها جغرافية دار الإسلام بكل شعوبها ودولها تكون معرضا دائما لثقافاتها وأناسها ومزارا للبشر كلهم.
20-وطبعا لم افصح عما وراء ذلك حينها تجنبا لمعركة أخرى مع شيخ جليل آخر:ما وراء ذلك هو أن تكون دار الإسلام المصغرة هذه رمز الخلافة السنية.
21-وأن يكون لها دوران لا غير: تمثيل الثقافة الإسلامية بكل تنوعاتها والرمز لأخلاق الجسد الواحد من خلال جعلها مركز العمل الخيري الإسلامي.
22-فبفضل ما ينتج عن السياحة الدينية والثقافية الراقية فيها يمكن أن تكون هي الجامعة للزكوات والصدقات للقيام بواجب مساعدة فقراء العالم.
23-والصدقة تبدأ بالأقربين حينها كان الفقر المادي والثقافي سيحسم في أرجاء دار الإسلام دون الاقتصار عليها. بهذا يصبح الإنشاء خبرا.
24-لماذا ذكرت بهذا؟ تلك هي الوسيلة الوحيدة –والآن صار دفاعيا وليس هجوميا– للقضاء في لمح البصر على حرب الغرب وإيران النفسية على السنة.
25-والفكرة ليست فكرتي: إنها فكرة الرسول الأكرم. ألم يبدأ تحقيق المشروع بالمدينة؟ ألم يجعلها عينة من دولة الإسلام والأمة الجسد الواحد؟
26-الفكرة مستمدة من تطبيق الرسول الأكرم لشروط دولة الإسلام والأمة الجسد الواحد. واليوم الأنصار هم أهل الحرم والمهاجرون هم بقية السنة.
27-والخارطة المصغرة من دار الإسلام بشعوبها وثقافاتها هي المدينة المنورة الجديدة التي ينبغي أن تصبح متحفا للأمة وبيت مال مستضعفي العالم.
28-والقيمون عليها ليس لهم سلطان سياسي بل سلطان خلقي وثقافي وروحي وظيفته تنمية رموز الأمة وخاصة رمز الجسد الواحد للقضاء على الفقر والجهل.
29-والمشروع لا يكلف الدولة السعودية فلسا بل هو استثمار مربح ألف في المائة فضلا عن كون أهم سلاح يقضي نهائيا على الحرب النفسية بابداع المثال الخير بدل التشويه الشرير وبنفس آليات الـ“فكشن” المحققة في الواقع الفعلي.
30-وأذكر أني خلال الحجة الثانية طلب مني أن أقول كلمة الحجيج فاكتفيت ببيان ما بسببه اعتبر الشافعي أن سورة العصر تسد مسد القرآن كله.
31-ففيها تعريف رسالة الإسلام ومهمة الأمة سلبا وإيجابا: فالرسالة تشخص الخسر وتقدم شروط الاستثناء منه.ومهمة الأمة تحقيق الشروط لتجنب الخسر.
32-فأما شروط الاستثناء فهي خمسة: أولها وأصلها الوعي بالخسر وفروعه هي الشروط الأربعة.إثنان للفرد وهما الإيمان والعلم الصالح وهما البداية.
33-اثنان لجماعة هذا النوع من الأفراد: التواصي بالحق لطلبه والتواصي بالصبر للمثابرة في طلبه علما وعملا. وتلك هي الغاية. ولا توفيق إلا بالله.
كيف نهزم الحرب النفسية على السنة؟ – أبو يعرب المرزوقي