كيف تسترد الدول العربية سيادتها؟

**

تنبيه**:**

قد تغالط الحيل الدبلوماسية للمستبدين بأمر العالم فتضفي على توابعهم مظاهر السيادة. لكن هذه الحيل لا تنطلي حتى على الشعب العادي فيتصور دولته ذات سيادة بحق لأنه يرى على الأقل أربع علامات دالة على فقدانها: القواعد وغياب الدور في العالم ثم عقبات التأشيرات الغربية واستغناء المواطن الغربي عنها لدخول بلده.

والأدرى بفقدان السيادة هم الحكام. فهم يعلمون دون شك الطابع الوهمي والمخادع لسيادة بلدانهم لأنهم يسمعون في الغرف المغلقة وأحيانا في العلن الحقيقة من حاميهم وحامي كراسيهم إذ يتوجه إليهم بوصفهم توابع لا يحق لهم أن يعصوا الأوامر بل ذهب الأمر بالولايات المتحدة أن تحدد حتى مضمون القرارات الأخيرة لقمم القيادات العربية.

ما نريد الكلام عليه هو الشروط التي تحرر العرب من هذه الوضعية الوضيعة التي جعلت أعز أمة تصبح أذل أمة بعد أن فرض عليها الإنحطاطان تفتيت مكانها (شرط امتناع التنمية المادية القادرة) وتشتيت زمانها (شرط امتناع التنمية الروحية المريدة) بفرض جغرافية الدول القزمة وتاريخ الدولة فاقدة العمق الحضاري والشرعية التاريخية.

ومنطلقنا هو الاستفاقة التي بدأت تبرز حتى وإن تأخرت كثيرا الاستفاقة التي مثلتها عاصفة الحزم الدالة على أن بعض شباب الأمة فهم أن ما يحصل من تحالف الثورة المضادة مع أعداء الامة ونوابهم (إسرائيل وإيران) ومليشياتهم أخطر عليهم مما تطلبه الثورة من شروط الحرية والكرامة.

لذلك فإننا نأمل أن يكون تغير الموقف السياسي بعد هذه العاصفة دالا على الصلة الوثيقة بين مطالب التحرر ومطالب التحرير: نأمل أن تكون القيادات الشابة قد بدأت تفهم أن هذه المطالب إذا حققوها هم بدورهم في بلدانهم ازدادت أنظمتهم قوة وعنفوانا فأصبحت قادرة على حماية ذاتها وشعبها ورعايتهما.

وهي بذلك تستغني عن الاحتماء بمن يخطط للقضاء عليها بتقسيم المقسم وتفتيت المفتت حتى يسهل على نوابه دور شرطي المنطقة بعد أن يخرج منها عرب السنة نهائيا وفرض حكم الأقليات المعادية للإسلام وحضارته. فلا مناعة من دون جبهة داخلية قوية ولا قوة لها من دون تحقيق مطالب الثورة سلميا ما يغني عما يصاحب كل ثورة من فوضى هي كلفة التغيير بسبب تمسك الثورة المضادة بالامتيازات المنافية للعدل والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.

نص المحاولة

المجموعات العربية أو ذات الغالبية العربية من المسلمين هم الأكبر والأغنى والأقدر لحمل مشروع الاستئناف الذي من دونه نبقى عبيد القرن.

وهذه المجموعات خمس:1-الخليج ومعه اليمن 2-والهلال ومعه فلسطين 3-والنهر أي مصر والسودان 4-والمغرب العربي 5-من لم ينضم من العرب بعد إلى الجامعة العربية.

وهذه المجموعة الخامسة تتألف من بلاد عربية في افريقيا وفي آسيا لم تنضم للجامعة إما لأن قوة استعمارية ضمتها فلم تعد دولة أو هي دول منعها المستعمر.

هذه المجموعة مؤلفة من:الأحواز في آسيا وأريتريا وجيبوتي والتشاد ومالي في إفريقيا وغالبيتها ناطقة بالعربية والاستعمار يحاول إفقادها هويتها العربية.

وجملة نفوس هذه المجموعات الخمس تقرب من نصف مليار بمساحة لا تكبرها إلا روسيا وبثروة وموقع من أكثر مواقع الأرض مسقبلا إذا توحدت وظائف تنميتها

ومشروع الاستئناف المتمثل في تكوين قاطرة الأمة الإسلامية قطبا عالميا يرجع للبشرية توازنها في عصر العولمة يبدأ بخطة لتحقيق هذه الوحدة.
وهذه المحاولة خطاطة أولية لاستراتيجية تحقيق هذا الهدف إذا تبنته المجموعة الأغنى ماديا وروحيا من بين هذه المجموعات الخمس: مجموعة الخليج العربي.

ولن تتبناه ما ظلت تتصوره تفضلا على غيرها وليس شرطا في حمايتها هي قبل غيرها بل وفي بقائها العضوي والسياسي:فمن دون هذا الحل سيبلع الخليج من محيطه غير العربي وربما في أجل قريب جدا.

ولها شرط التبني المادي والروحي: فالشرط المادي هو الثروة وهي متوفرة لكنها ناضبة ومن ثم فهي زائلة لأنها ليست ثورة عمل بل ثروة أرض والشرط الروحي هو التراث أي الحرَمان الذي يبقى أساس الدور الأقوى.

فإذا فهمت القيادات الشابة ذلك وتنافست لتحقيق شروط المجد والعظمة كما فعل بناة الإسلام الأول وكما يفعل الأوروبيون حاليا فالأمر ليس مستحيلا بل مستطاع.

كيف ذلك؟

لا توجد إلا أداتان لتحقيق مثل هذا المشروع: وهما القوة المادية والقوة الروحية. واستعمالهما العنيف متعذر على الخليج ماديا وخلقيا.
فالخليج ليس قوة عسكرية ولا حتى قوة اقتصادية إلا بالإضافة لفقراء العالم فضلا عن المانع الخلقي. لذلك فلا يمكنه اختيار منهج التوحيد العنيف لاداخله ولا بين المجموعات الخمس.

فكيف يكون التوحيد اللطيف إذن ؟

بأداتين جربتا وفنجحتا: الاستثمار السياسي الذكي بعيد المدى 1-في سياسة التنمية الاقتصادية 2-و في سياسة الإشعاع الثقافي غير المقصور على الدعوة الدينية التي لم تعد كافية لتأسيس الصداقات فضلا عن التكامل المؤسس للمناعة.

ويمكن لفهم ذلك بدراسة سياسة الصين وإيران دون ذهنية الغزو المصاحبة لها لأن الخليج يعمل في أرض عربية وليس غازيا: فالاستمثار التنموي المادي والثقافي هو الطريق إلى تحقيق شروط التكامل الرابح للجميع.
ولهذا السلوك فائدة مباشرة وعاجلة للمستثمرين وللشعوب وفائدة غير مباشرة للأمة وآجلة تمكنها من تجاوز الجغرافيا التي فرضها الاستعمار بالمصير المشترك.

فما الفائدة المباشرة للمستثمرين الخواص؟

أولا سيصبح للعرب مستثمرون حقيقيون لأن الموجود حاليا مهزلة تقتصر على استثمار هش في الخدمات كالسياحة وفي التقليد السخيف للقوى العظمى في نطح السحب من دون شروط حمايتها بالقوة اللطيفة فضلا عن العنيفة.

وما الفائدة المباشرة للشعوب؟

الاستثمار هو الوحيد الذي يقضي على الفقر وعلى البطالة. وحتى ما يسمونه بالتطرف والإرهاب في الأرض العربية كلها فإنه يزول بمجرد زوال أسبابه العميقة: الظلم والاستبداد.

وما الفائدة غير المباشرة للأمة؟

الجواب بين: توحيد الجغرافيا والتاريخ يمدان الأمة بشروط القوة المادية (الحجم) والقوة الروحية (العمق): خاصة وشروط هذا التوحيد موجودة والأنظمة تهدمها في حين أن أوروبا التي لم يعد لها هذه الشروط بعد زوال الوحدة القروسطية تبدعها من جديد: بقيم العصر.

لذلك كانت كل الدول العربية الحالية بحاجة لحماية ورعاية أجنبية إذ هي بحجمها وعمقها عاجزة عن حماية نفسها ورعاية شعبها. لكنها بهذه النتائج تصبح قادرة عليهما دون لجوء لحماة ورعاة من أعداء الأمة: فالقدرة هي التي تحرر الإرادة.

وبخلاف الحكم السطحي والخوف من فقدان السيادة فإن الوحدة لن تنقص سيادة الدول العربية بل بالعكس فإنها هي التي ستوفر شروطها. فلا يوجد بلد عربي واحد يمكن أن يقبل الوصف بكونه سيدا إلا إذا خادع نفسه.

فالسيادة ليست مجرد دعوى: بل هي مشروطة بالقدرة على الحماية والرعاية الذاتية. ولو كانت دولنا ذات سيادة لما احتاجت للقواعد وللمعونة ولما خضعت للابتزاز والتبعية.

والوحدة درجات: فهي يمكن أن تكون كنفدرالية مرنة تمر بعد أمد معين إلى الفدرالية بين دول ذات سيادة تتعاون لتحقيق شروط الحماية والرعاية التي تكون مجال استثمار مشترك فضلا عن النفع من ضمان سوق واسعة للتصنيع الناجع.

فأوروبا تتحد لهذا الغرض لما علمت قياداتها بعد الحرب العالمية الثانية التي أفقدتها مستعمراتها أنها لم تعد قادرة على منافسة العملاقين اللذين تقاسماها واستعمراها. وحتى الصين والولايات المتحدة رغم الحجم والقوة تشعران أنهما بحاجة إلى توسيع طاقتهما: فكيف بالدويلات العاجزة عن الحماية والرعاية؟

كل ما في الأمر هو أن يوجد بين القيادات الشابة في الخليج مبادرون بل و“مغامرون إيجابيا“بطموح بناء سياسي يشبه ما كان عليه الأجداد مؤسسو دولة الإسلام.

ذلك ما أسميه مشروع الاستئناف: وهو ليس طموحا ومغامرة بنائين فحسب بل هو ضرورة وجودية: فمن دونه سيصبح الخليج كله أحواز تابعة لإيران تحقيقا لوصية والد الشاه للشاه بأن يضم الضفة الغربية بعدأن ضم هو الضفة الشرقية من الخليج. ولله في خلقه شؤون.

من هنا دلالة عاصفة الحزم المأمولة:

نأمل أن تكون قد نتجت عن فهم القيادة الشابة برئاسة ملك حكيم فهم بأن الحلف مع الثورة المضادة خطأ قاتل كاد يؤدي بنهاية النظام من أجل أهداف تلامس فقدان البصيرة.

ذلك أنه لو تم للحوثي تحقيق ما حققه حزب الله في لبنان لأصبح كل الخليج لبنان أخرى: الأنظمة قشرة جوفاء تحكمها مليشيات إيرانية منتشرة فيه.

ولست بغافل على أن عاصفة الحزم ليست بسبب الشرعية اليمنية إلا بالقصد الثاني: القصد الأول هو القضاء على القاعدة الإيرانية التي تهدد الخليج عامة والسعودية خاصة. إنها دمل في قلب الخليج. وكانت النتيجة تدارك أمرين.

وكلاهما دليل على الحكمة والجرأة المحمودتين وفهم: 1- أن بقاء اليمن خارج الخليج خطر على الخليج و2- أن معادة الثورة نزع لسلاح السعودية الحقيقي.

وقد يفهم الأمر الأول بيسر لكن التردد يتعلق بفهم الأمر الثاني: وحسمه هو الجواب عن السؤال التالي: ما مصدر قوة بلد الحرمين؟ أليس هو كونها موطن قبلة الشعوب الإسلامية كلها؟

فإذا عادت السعودية الثورة فمعنى ذلك أنها عادت مطالب الشعب الأساسية في الحرية والكرامة بدلا من أن تكون أول من يحققها. هذه العدواة تعني أن النظام السعودي يفقد كل شرعية وطنية وإسلامية: ولا يكون بحق كما يدعي حاكما بالقرآن دستورا (النساء 78-79 أي الأمانة والعدل أساسي الحكم في الشرع الإسلامي.

نأمل أن يكون هذا ما دفع الملك الحكيم والصالح وما آمن به مساعداه الشابان فبادرا بعاصفة الحزم التي شرط نجاحها المصالحة بين كل تلوينات سنة العرب: ولا يهم إن غاب ذلك في الخطاب فالفعل جواب أسمى من كل خطاب: عاصفة الحزم.

صحيح أنها للدفاع عن أمن النظام والبلد وهذا هو دافعها الأول: لكن ليس المطلوب العمل لوجه الله فحسب بل الجمع بينه وبين المصلحة المباشرة وتلك هي السياسة الحكيمة.

وذلك يكفي: فالأمة لا تحتاج إلى ملائكة بل إلى قيادات بشرية ذكية وذات دهاء يحقق المصلحة الخاصة بالوطن والنظام وفي نفس الوقت مصلحتها هي.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن قيادات الخليج كلها باتت شابة ومثقفة فإن طموحها وإخلاصها لأنظمتها ولأوطانها سيكون حافزا للعمل العظيم مجدا وقوة.

وهذا العمل العظيم له شروط: وعاصفة الحزم بينت طبيعتها. فإذا لم تكن الدولة قادرة على صنع سلاحها للحماية وغذائها للرعاية فهي تابعة حتما
ولتحقيق هذين الشرطين ليس أقل من وحدة الخليج ومعه اليمن حتى يكون بالحجم البشري والمادي والثقافي قادرا على الحد الأدنى من الاستقلال.
وهو حد أدنى لأنه إذا كانت ألمانيا وما أدراك محتاجة للوحدة الأوروبية فمعنى ذلك أن شروط السيادة ليست متوفرة للخليج حتى لو اتحد بحق.

لذلك فالمنتظر من القيادات الشابة بتوجيه من الملك الحكيم هو التخلي عن الاحترازات التي كانت توقف كل محاولة لجعل الجامعة للشعوب لا الدول

فتكون البداية من حيث كانت النهاية: كانت بلاد الخليج توقف هذه الخطوة فتصبح هي التي تشجعها وتحققها ولها عليها القدرة المادية والروحية.
وشرط ذلك التحرر من أداتي الدبلوماسية التي بينت عاصفة الحزم وهاءها:الاقتصار على صداقة الأنظمة بدل الشعوب وعلى دبلوماسية الصكوك والدين

عشر ما صرف من الصكوك على الأنظمة التي تبين أنها صديقة في السراء وليس في الضراء لو كان على الشعوب لكانت النتيجة لصالح عاصفة الحزم.

والشعوب لم يعد يكفيها الدعوة الدينية: هي تريد من يساعد شبابها مع ذلك على التكوين الحديث الذي يمكن من التنمية المادية والثقافية.
فيمكن للخليج أن يتبنى الكثير من شباب الأمة في جامعاته العلمية والتقنية فيصبح صديق الأجيال المقبلة التي ستكون صاحبة القرار في بلادها.

الصين وإيران تقدم أقل من دول الخليج بكثير. لكنها تحسن استعمال ما تقدمه استثمارا في القوى السياسية والمدنية لا في رشوة الأنظمة والنخب الفاسدة.

والخوف على الاستثمار لا مبرر له: لأن مصادقة القوى السياسية والمجتمعات المدنية العربية سيحمي العلاقات بخلاف تمويل الأنظمة والنخب الفاسدة.

ولاضرب مثالا:

فرنسا بمساعدات زهيدة استعمرت المغرب العربي ثقافيا بعد استقلاله المزعوم لأنها وظفت في القوى السياسية وفي المجتمع المدني.
فسفارة الصين وإيران تفعلان المعجزات بهذه السياسة والسفارات العربية في نوم عميق.

ولأضرب لكم مثالا عشته شخصيا في إدارة الترجمة ببيت الحكمة.

فقد راسلت كل السفارات العربية لأعلمهم بأن بيت الحكمة مفتوحة لاستقبال العلماء العرب مثل استقبالها لعلماء فرنسا تقريبا أسبوعيا وانتظرت.

السفارات العربية الـ21 لم ترد بحيث إن سفارة واحدة تشغل بيت الحكمة تقريبا أسبوعيا وهم 21 لم تحضر واحدة في الأسبوع لمر نصف سنة لعودتها.

هل بعد هذا يمكن أن تجد عقما أشد في الدبلوماسية العربية وفي خدمتها لقضايا وطنها فضلا عن قضايا الأمة. آمل أن تفيق القيادات الشابة.


كيف تسترد الدول العربية سيادتها؟ – أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي