كونية القيم، شرط كونية معاني الانسانية وثمرتها

**** كونية القيم شرط كونية معاني الانسانية وثمرتها

لكني أعتقد أنه يوجد في الغرب الكثير من الشرفاء الذين يمكن أن يكونوا مع الحق، ولو من منطلق فلسفتهم لأن ماكين موقفه ليس دينيا، بل هو موقف يتأسس على تفضيله الديموقراطية على الاستبداد حتى عند أعداء شعبه، لأنه يؤمن بالحرية حتى ضد العصبية القومية والمصلحة المباشرة لأن السلم مصلحة أولى.

مشكلي ليس ماكين بل كونية القيم وكونية الالتزام بها، لأن عدم وجود هذين الشرطين يعني أن القيم نفعية بإطلاق، ومواقف الإنسان إيديولوجية باطلاق، فلا يوجد علم ولا يوجد عمل بها. ذلك أن القيم التي يشترك فيها البشر هي ما يسميه ابن خلدون “معاني الإنسانية” فالفارس يعتبر الغدر من العار. الفروسية ليست صفة نسبية، بل هي جوهر مقومات الإنسان أو ما يسميه ابن خلدون معاني الإنسانية: • حرية الإرادة • وصدق العلم • وخير القدرة • وجمال الحياة • وجلال الوجود. فالحر لا يقبل أخلاق العبيد، والعالم لا يقبل الكذب، والقادر لا يقبل الشر، والحي بحق لا يقبل القبح، والموجود بحق لا يقبل الذل. فتكون الفروسية هي عين معاني الإنسان: • لا يستقوي على الضعيف • ولا يطعن من خلف • ولا يبارز بالخداع.

وفي الحقيقة، كل المعاني السلبية لمقومات الإنسان هي معاني اللاإنسانية أو ما يسميه ابن خلدون فساد معاني الإنسانية، وهي أخلاق العبيد (راجع محاولة فساد معاني الإنسانية بسبب عنف التربية والحكم). 1. وأهم علاماتها هي “التقية” أو الخبث، وذروته ما سماه ابن خلدون “الخرج” الذي هو صفة العبد والكذاب والشرير والقبيح والذليل الذي يعتقد أنه بالخبث يمكن أن ينتصر على الفرسان الذين هم هازموه لمجرد احتقارهم له وعدم اعتباره أو الرد عليه كما فعلت مع من أراد أن يقنعنا أن الثورة مؤامرة ضد العرب.

فالممانعون المزعومون الذي يهاجمون إسرائيل وأمريكا بالأقوال، ويحاربون سنة الإقليم عربهم وأتراكهم وأكرادهم وأمازيغهم بالأفعال، يريدون إقناعنا بأن ثورة الشعوب على الحكام العملاء ونخبهم مؤامرة غربية ضد الاحرار، حتى كذبتهم الثورة المضادة التي ارتمت مثلهم في أحضان اسرائيل مباشرة.

ارتماء الممانعين المزعومين سابق وارتماء الثورة المضادة لاحق، لكن الصفين أصبحا مدينين ببقائهم لاستكمال خطة إسرائيل وأمريكا لتمكين الصهيونية من تحقيق إسرائيل الكبرى وتفتيت شعوب الإقليم بنفس الأداة التي يستعملها الممانعون، أي الطائفية والعرقية وتهديم المعالم الإسلامية السنية فيه. ويكفي مثالا على ذلك ما حل بالعراق وسوريا. فالمعالم السنية كلها، وخاصة المساجد ذات الرمزية الدينية والتاريخية المتعلقة بتكوين دار الإسلام ودولتها الكونية، والمدن الكبرى ذات الدلالة الثقافية الكونية (مثل حلب والموصل) فليس ذلك من صدف الحرب، بل هو علة الحرب التي هي أداة المشروع الصهيوني. والدليل القاطع هو معرفة من يضمن بقاء بشار ووصول السيسي وقزمي الخليج اللذين يمولان الحرب على الثورة وعلى المشروع الإسلامي الوحيد الذي بدأ يعيد الأمل للشباب بأن النهوض المستقل وغير التابع هو الطريق الوحيدة لاستعادة دور الأمة التاريخي واستئناف رسالة الإسلام الكونية. 2. والعلامة الثانية هي معرفة المستهدف بهذه الحروب. فهل كان الغرب يقبل بأن تحتل إيران العراق وسوريا وأن تساعدها روسيا لو لم يكن ذلك كله لصالح المشروع الصهيوني الذي لا يمكن أن يحقق دولة من النهر إلى النهر إلا بإطماع إيران باستعادة إمبراطورية فارس لتكون جرافة تزال كهندام البناء؟ وقد يتوهم الكثير أن بقاء بشار، وحلول السيسي، وبقاء زعماء الحشد الشعبي في العراق، وبقاء غري الخليج الممولين للثورة المضادة، دليل انتصارهم على الثورة. لكنه في الحقيقة هو العلامة القاطعة على أن الثورة ربحت المرحلة الأولى من النصر: لم يعد أحد من شعوب الاقليم يعترف بهؤلاء الخونة والعملاء. كلهم صاروا من نوع المريض ذي الحياة الاصطناعية بأجهزة المستشفى. وما قيل عن هؤلاء يصدق على إيران ومليشياتها العربية بالسيف وبالقلم في الاقليم من اليمن إلى سوريا وحتى على بذراتها في المغرب العربي، فكلهم لم يعد لهم ما يمسكهم غير استكمال “التشطيب” لسيطرة العدو الحقيقي للأمة. لكن هذه السيطرة وهمية: ذلك أن الشعوب لم تكن قاصرة بذاتها، بل بمن كان يستبد بأمرها. فلما فقدوا آخر قطرة من تأييد الشعب لهم، بات العدو في مواجهة مباشرة مع الشعوب والثورة. وهذه حتى وإن تلعثمت قياداتها وتلخبطت استراتيجيتها فإنها قريبا وقريبا جدا ستنهي البؤرة التي أوقفت الموجة الأولى. انقلاب السيسي أوقف الموجة الأولى من الثورة. وإذن فالموجة الثانية ستكون مصرية وهي التي ستزلزل الإقليم كله فيلتقي مركز الإسلام في قيامه التركي ومركز الإسلام في قيامه العربي قطبي العالم الإسلامي مند الحروب الصليبية ليتم الاستئناف الحقيقي: الإسلام الحديث الذي تحرر من الكاريكاتورين.

نظام العالم الجديد يسيطر عليه حاليا: • الغرب الأقصى (الولايات المتحدة) • والشرق الاقصى (الصين) والشرق الاوسط والغرب الأوسط يوجدان بين فكي كماشة وهما: • حضارة الفلسفات والأديان المنزلة • والحضارة القديمة والوسيطة والحديثة وعليهم وضع نظام الحضارة الإنسانية للمستقبل المؤلف بين فضائلها.

لابد للشرق الاوسط والغرب الاوسط أن يقلبا صفحة العداء خلال العصر الوسيط والحديث، لأن المعركة بينهما انتهت بالتعادل: استعمرناهم واستعمرونا وعلينا الآن أن نتصالح فكلانا بمفرده لن يصمد أمام الشرق الاقصى والغرب الاقصى اللذين يمكن أن يستعبدا كل البشر بما ينافي حرية الإنسان شرط كل القيم.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي