لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهكونية السياسي نظرية الدولة وبنية الأنظمة العميقة
جواب هذين السؤالين (خاتمة الفصل 4) هما الاعسر على الإطلاق في هذه المحاولة ولهذه العلة فسأعالجهما بطريقتين أولاهما تاريخية تحدد صيرورة دولة الإسلام من حيث هي دولة عامة وحدت الاقليم بعد تحريره من الاستعمارين الفارسي والبيزنطي سياسا ومن العرقية والطائفية تربويا. لكنها انحطت وتفككت. والطريقة الثانية أهم من الأولى لأنها مفهومية بمعنى أنها تحلل الخلل الذي أصاب كيان الدولة من حيث هي مكنة ذات مؤسسات مناسبة لوظائفها ومن حيث القيمون عليها وتكوينهما الفني والخلقي الضروري لإدارة إمبراطورية عالمية تجمع أقوام مختلفين وحضارات ولغات متنوعة وأديان بطوائف شبه لامتناهية. وسأقدم العلاج التاريخي على العلاج المفهومي لئلا يكون الثاني مبنيا على غير علم بموضوعه وكيان تاريخه مخمس الأبعاد: أحداث ماضيه وأحاديثه الباقية إلى الآن وأحاديث مستقبله وأحداثه التي بزغت بداية نهايتها بتصدي الشباب لعللها الناتجة عن الاستعمار المباشر وغير المباشر وذراعيه وعلمائه. ولأول مرة سأحقب هذا التاريخ تحقيبا أساسه ما العلاج المفهومي حتى وإن اخرته لأن التحقيب لا ينتسب إلى التاريخ بل إلى فلسفة التاريخ التي لا معنى لها من دون أن تكون مؤسسة على التحليل المفهومي لا على التحليل التاريخي لئلا يكون في الامر دور أو تسلسل بالمعنى المنطقي للكلمتين. وطبعا فالتحقيب المبني على المفهومي يوحي بفلسفة تاريخ مطبقة على تاريخ الإسلام والمسلمين ليس بما فيه من خصوصيات بل بما فيه من كليات. لان الحقب بلغة ابن خلدون تنتسب إلى التاريخ المديد وليس إلى التاريخ القصير وبين كل حقبة وحقبة لا بد من تحول كيفي وإلا فلا معنى للتحقيب ولا فائدة منه. والتحول الكيفي الذي أعنيه هو التحول المتعلق المنجزات التي حافظت على كيان الأمة والدولة وما فيهما من محاولات الإبقاء على المقومين اللذين يقللان من الوساطة والوصاية أو مما يعد تحريفا للمنظور الإسلامي للسياسة والدولة بوصفها صورة العمران بالاصطلاح الخلدوني وأحياز الأمة بوصفها مادته. والتحول الكيفي الذي أعنيه هو التحول المتعلق بالمنجزات التي حافظت على كيان الأمة والدولة وما فيهما من محاولات الابقاء على المقومين اللذين يقللان من الوساطة والوصاية أو مما يعد تحريفا للمنظور الإسلامي للسياسة والدولة بوصفها صورة العمران بالاصطلاح الخلدوني وأحياز الأمة بوصفها مادته. وسنرى أن كل حقبة من الحقب كلها ذات مرحلتين تنتهيان تبدآن بتحول كيفي بالقياس إلى ما تقدم عليهما وتنتهيان بتحول كيفي بالقياس إلى ما يتلوهما. فتون التحولات الكيفية بعدد الحقب زائد واحد كما في العلاقة بين العلامات وتقسيم المكان أي خط مستقيم: علاقة العلامات بما بينها من فراغات فلو أخذنا مثالا الحقبة الراشدة فهي ذات مرحلتين ما حصل في حياة الرسول وما حصل بعده. وقد بدأت بتحول كيفي من الجاهلية إلى الإسلام وختمت بتحول كيفي هو الفتنة الكبرى والحرب الأهلية. وعلى هذا المنوال سأحدد الحقب الأربعة الباقية لان الحقب التي سأعمل عليها لا تتجاوز 5. فتكون التحولات 6. وطبيعي جدا ألا تكون الحقب بنفس المدة لأن التاريخ أحيانا يكون أسرع أو أبطأ بحسب الزعم الذي يتصف به فعل الجماعة في إنجاز المشروع المؤطر لدورها في التاريخ الكوني أو دورها بالقياس إلى عصرها من حيث هم لحظة وسطى بين ما تقدم عليه وما يتلوه من احداث لها فيها ضلع فاعل أو منفعل. فالعقود الثلاثة الاول تعتبر الرحم والينبوع الذي يمكن أن يعتبر كل ما تلاه متفرعا عنه بوجهين: عما فيه وعما ليس فيه بالموجود الذي تحقق فيه والذي بعدم ما لم يتحقق يعبر عن منشود وجوده السلبي يمثل وجودا بالقوة تأثيره السلبي بالعدم والإيجابي بالمنشود اجاذب إلى تجاوز الذات واستكمالها. وبين أن الحقبة الثانية هي الحقبة التي بدأت بنشأة الخلافة الاموية وانتهت بنهايتها وكانت نهايتها نهاية وحدة الخلافة وتمددها. فالدولة العباسية لم تفتح شبرا واحدا ولم تستطع المحافظة على وحدة الخلافة وفي عهدها تكونت خلافات كثيرة لكنها كانت الحقبة الاطول ولها مرحلتان فارسية وتركية. والفارسية بدأت بالخراسيين وانتهت بالبويهيين وهي الثالثة. وبدأت التركية مع السلاجقة وانتهت بنهاية الخلافة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر والمرحلة الرابعة هي الخلافة العثمانية التي تدرجت في السيطرة على ارض الخلافة وتوحيد ما أمكن لها وانتهت بسقوط الخلافة. وبعدها المرحلة الخامسة. وبهذا المعنى فالمرحلة العباسية اسم عام لا يعبر عن العباسية إلى رمزيا لكنها في الحقيقة هي المرحلة الثالثة والرابعة أعني الفارسية والتركية مع بعض الفراغات التي يمكن نسبتها إلى ولايات غير فارسية وغير عربية وغير تركية وهي خاصة كردية في المشرق(الصليب)وأمازيغية في المغرب(الاسترداد). أما دور المماليك فهو حكم أمراء في ولايات خلافة شكلية (عباسية بالاسم) حتى تم غزو مصر من الخلافة العثمانية في بدايات القرن السادس عسر وهي ولايات وليست ليست خلافة جامعة لأن كلامنا على دولة الإسلام الجامعة وليس على الولايات وإلا لتعذر وضع تحقيب لتعدد ظاهرة الإمارات. ولو نظرت إلى هذا التاريخ الطويل من الوجه الثاني لكان كله أشبه بما نراه الآن: التخريب الداخلي من الحركات الغالية وكلها ذات أصل شيعي أو متفرع عنه والتحالف مع أي عدو أجنبي سواء جاء من الشرق أو من الغرب منذ الفتنة الكبرى إلى اليوم. ومن ثم فإن بداية دولة الإسلام عربية ونهايتها تركية. ولا يمكن استئنافها من دونهما مع الشعبين الكردي والأمازيغي لأن هذه الشعوب الاربعة هي التي حمت البيضة دون سواها وخاصة في العلاقة بالغرب خارجيا وبالتخريب الشيعي والباطني في الداخل. ولنا مثال في المغرب الموقف من حرب الاسترداد ومن التخريب الفاطمي والباطني. ولولا الأتراك والأمازيغ لاستردت أوروبا كامل الغرب الإسلامي وما كانت الأندلس تصمد في القرون الاربعة الثانية من تاريخها لولاهما الأمازيغ مباشرة والاتراك بصورة غير مباشرة. ولولا الأتراك والأكراد لبقيت لاسترد الفرس والحشاشين والباطنية كما يفعلون الآن الشرق الإسلامي. والحقبة الثانية أو الاموية تتألف من مرحلتين: أولاهما بدأت بالحروب الأهلية وانتهب بآخرتها بين عبد الملك وابن الزبير. والحقبة الثالثة الفارسية بدأت مع نشأة الخلافة العباسية بالاسم وانتهت بنهاية البويهية. والمرحلة الرابعة التركية بدأت مرحلتها الاولى بالسلجوقية وانتهت بتحرير مصر. ومرحلتها الثانية شمول الخلافة العثمانية للأرض العربية وانتهت بسقوطها في الربع الاول من القرن الماضي. والحقبة الخامسة هي الحالية منذ سقوط الخلافة إلى اليوم ومرحلتاها الاستعمار المباشر ثم الاستعمار غير المباشر. وسأحلل التحول الكيفي في كل هذه الحالات لتحديد المفهومات التي تعنينا. ذلك أن التحليل المفهوم يخص هذه التحولات الكيفية التي تبدأ بها كل حقبة من الحقب الخمس وتنتهي بها. فتكون كل حقبة تستحق أن نحلل الكيفي منها سابقها ولاحقها في الأحداث وفي الأحاديث لأن الزمان التاريخي كما أسلفت مخمس الابعاد أحاديثه أهم من احداثه. لكن الاحداث مهمة أيضا. ولأحد أولا بمجال التحول الكيفي في الحقب الخمس: إنه متعلق ببعدي تحقق شروط المشروع الذي جاءت به الرسالة حلال تكوينيتها المتدرجة أعني تكوينية صورة عمرانه أو جمع المشروع بين الشوكة والشرعية وثمرتيهما (الدولة) وتكوينية مادة عمرانه أو جمع المشروع بين الجغرافيا والتاريخ وثمرتيهما (لأمة). فبعدا صورة العمران (مقوما الدولة: الشوكة والشرعية وثمرتهما) وبعدا مادته (الجغرافيا والتاريخ وثمرتهما) في إطار المشروع الذي تمثله الرسالة الخاتمة سواء معه أو ضده هما المحددان لكل خصائص التاريخ الإسلامي من الحقبة الاولى إلى الحقبة الاخيرة رغم زوال الخلافة منذ قرن تقريبا. ويمكن القول دون انتظار أن يوجد من يجادل في الامر كل الحروب التي جرت في جغرافية الإسلام وتاريخه سواء كانت بين أهلية بين من هم معه أو ضده أو بينهما أو بين أي منهما والأعداء الخارجيين إطارها الرمزي المحدد هو مشروعه الكوني الذي كان تأسيسه معجزة خارج منطق السياسة حسب ابن خلدون. لكن هذه المحاولة تبين أن ابن خلدون قد ضيق منطق السياسة بهذا الحكم فظن الحقبة الراشدية لا يمكن أن تفهم به وأن ما حدث فيها كان من قبيل الحدث المعجز الذي لا يفسر بالعصبية التي هي مفهوم غامض لأنه لم يربطها ببعدها فحصرها في أحد الشرطين: الشوكة. واعتبر ما بعدها قد عاد إليها. لذلك ظن أن الانتقال من الخلافة إلى الملك العضوض علته عودة التاريخ إلى قوانينه بعد قوسي المعجزة المحمدية التي أمكن للإسلام أن ينجح دون أن تكون العصبية الغالبة هي التي حققت حقبته الاولى أعني الحقبة التي بدأت بالتحول الكيفي من الجاهلية إلى الإسلام وانتهت بتحول كيفي آخر. وقد اعذر ابن خلدون لو اقتصر حكمه على المرحلة الأولى من هذه الحقبة أي المرحلة التي قادها الرسول بنفسه. لكن كيف يمكن أن نفهم المرحلة الثانية التي قادها الخلفاء الراشدون؟ فالإعجاز إن سلمنا بتفسيريته لم يعد موجودا بعد وفاته ولم يبق إلى الجيل الذي رباه: الصحابة والنهاية بالفتنة.