كلام الزبيدي على الدبابات، هل هو تذكير بما فات، للتهديد بما هو آت؟

ه

لا أريد أن أعلق على دلالة ما قاله الزبيدي البارحة، فهو تهديد صريح بإدخال الجيش في معركة سياسية جرت داخل المؤسسات الدستورية.
وما أظن أحدا يجهل دلالة ذلك.
ولا حاجة لمزيد التوضيح.
لكني أريد الإشارة إلى أمرين:
• سبق أن سألت هذا السؤال وهو قد أجاب عنه البارحة. فهل من فرحوا بترشحه سبب فرحتهم معرفتهم بخصال تؤهله لرئاسة الدولة أم لأنهم يفترضون أو يعلمون أنه يمثل الشكل اللطيف من البيان عدد 1 في شكل سيف ديموقليس على المؤسسات الدستورية في المستقبل خاصة وهو يتكلم على توسيع سلطات الرئيس حتى من دون تغيير الدستور بالاعتماد على مجلس الأمن الوطني إلى حد يكاد يلغي بقية المؤسسات الدستورية؟
• سبق أن بينت أن تفتيت صف الثورة بكثرة المترشحين علته وهم اكتفاء السلطة السياسية بشرعية الصندوق من دون قوة سياسية ذات قاعدة واسعة يمكن أن تسندها وذلك هو معنى الشوكة أو العصبية بالمعنى النبيل في رؤية ابن خلدون لأنه يميز بين التي تبني الدول والتي تفضي إلى الهرج: فحتى لو نجح زيد أو عمرو وهو عديم القوة السياسية التي تحول دون مثل ما أشار إليه الزبيدي البارحة-كما حصل مؤخرا في تركيا عندم نزل الشعب ومنع الانقلاب العسكري بصدور عارية- فإن الكلام على أحلام التغيير دليل حمق أو سذاجة وهي في السياسة عين الحمق.
وأخيرا فإن ما أراد الزبيدي منعه لما هدد بإنزال الجيش حتى وإن لم يتجاوز مرحلة التهديد إلى التنفيذ يعتبر انقلابا على الشرعية وليس سعيا لحماية الشرعية. فوزير الدفاع ليس وصيا على الإرادة الشعبية وليس له سلطة أمر الجيش بشيء لم يصدر عن صاحب الأمر في ذلك بمقتضى الدستور. ففي حالة عجز الرئيس عن أخذ القرارات السيادية -وهو أمر ثابت منذ وعكته الأولى وليس في الوعكة الثانية-تعود السيادة إلى البرلمان الذي هو الوحيد المنتخب من الشعب مثل الرئيس وليس إلى غيره وليس خاصة لوزير الدفاع.
ولو كان يوجد في البرلمان من يريد الانقلاب على الشرعية لما دعا النواب لاجتماع كان ينوي وزير الدفاع من دون أدنى حق منعه بقوة السلاح: يكفي دبابتين كما قال.
وأخيرا، فإني قد شهدت للرجل اعتمادا على ما رأيته منه في مجالس الوزراء من هدوء وتعقل وصدق في مواقفه من نية أمريكا في التدخل. وكلامي هذا لا يتنافى مع شهادتي، بل لعل الرجل قد دفع دفعا لما لا يليق بمن يترشح لرئاسة الدولة. كان ينبغي باعتباره وزيرا – بصرف النظر عن طبيعة الوزارة أن يكون أحرص الناس على تأييد حسم الأمر في المجلس بصورة مؤسسية ومنع مواصلة الوصاية التي تجري في القصر على رئيس كلنا يعلم أنه منذ الوعكة الأولى وربما قبلها فقد حرية القرار.
وينبغي أن أذكر بأني قد اعتبرت تغيير الأغلبية في المجلس دون العودة إلى الشعب انقلابا إذا طبقنا قواعد الديموقراطية. لكن المرحوم الباجي الذي لم يكن يجهل فضل هذا الحل لأنه يعلم أن الدعوة إلى انتخابات مبكرة كانت ستكون نكبة مطلقة على حزبه المفتت، ففضل حلا نصف نصف ولم يهدد باستعمال الجيش أو بحل البرلمان وكان بوسعه أن يفعل الثاني وتربيته البورقيبية كانت تحول دونه واستعمال الجيش أو التهديد به إذ هو لا يجهل أن مجرد استعمال الجيش في أحد مؤتمرات الحزب الذي كان حاكما جعل المرحوم بورقيبة يعزل الوزير الذي فعلها.
لذلك لم أكن أتصور أن الزبيدي يمكن أن يعتبر نفسه بصفته وزيرا للدفاع وصيا على المؤسسات الدستورية يقرر متى يحق لها أن تجتمع وألا تجتمع. فهل هذا يعني أن الذين يرشحونه هم من دفعه لهذه الفعلة الخطيرة وأنهم يعتقدون أنه يمكن أن يبقي لهم على استبدادهم بالسلطة حتى لو لم ينجح في الانتخابات لكونه يمكن أن يعطل عمل المؤسسات كما هدد بذلك؟
بدأت أتوجس خيفة لأن ما سمعته البارحة يؤيد التأويل السلبي بدلا من التأويل الإيجابي للنقاط الخمس التي كانت عبارة عن برنامجه الأول والتي ظننت أنه أعاد النظر فيها ليجعل التأويل الإيجابي هو الاقرب إلى الصواب.
آمل أن يتدارك الرجل هذه الزلة وأن يصحح قصده لأن الجميع ينبغي أن يعلم أن تونس لن يحكمها أحد بجعل القوة العسكرية بديلا من الإرادة الشعبية يستطيع أن يعطل المؤسسات الدستورية بالدبابات.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي