****،
فسواء في الظاهرات الطبيعية أو في الظاهرات التاريخية يصعب أن يفسر الإنسان الانتظام في مجراها بالصدفة.
ذلك أن الانتظام وثبات الظاهرات يقتضي أن تكون ذات قوانين أو سنن تعلل ما بها من اضطراد يجعلها على ما هي عليه.
وكلما نظرت في النخب السياسية-وهي عندي خمسة وتنقسم كل واحدة منها إلى حاكمة بالفعل وحاكمة بالقوة أي تستعد للحكم وتسمى معارضة فإن ما يهولني هو أنها من الماء إلى الماء
دون استثناء يعتد به في أي قطر من أقطار جامعة “الدول” (المحميات) العربية لم تعد قائمة بما يجعل الشعوب تثق فيهم وتطمئن إلى أنهم أهل لقوامة الشأن العام خدمة للجماعة وتحررا من التبعية فيها جميعا:
- في نخبة السياسية المباشرة ثم في نخبها غير المباشرة المشاركة في شروط البقاء
- وفي نخبة المعرفة وتطبيقاتها التي تعالج العلاقة بالطبيعة أو بالتاريخ.
- وفي نخبة القدرة الانتاجية لسد الحاجات المادية (الاقتصاد) والروحية (الثقافة).
- وفي نخبة الإبداع الفني بكل أنواعه بما فيه الألعاب والملاهي أي كل ما يزين الحياة:
- وفي نخبة الرؤى دينية كانت أو فلسفية تحديدا للغايات والمثل ومعنى الوجود.
وهو أمر يعسر أن يكون من الصدف لأنه لا يعقل أن تكون 22 دويلة مصابة بنفس الفيروس في هذه المستويات الخمسة ما يجعلها وكأنها نخب وظيفتها القتل البطيء لشعوبها ولأمتها.
فلا يعقل أن تكون ثرواتها الطبيعة نهبة لكل ناهب وتراثها مرذلة لكل مرذل وكرامتها مستباحة من كل مستبيح والجميع لا يتجاوز فعله ما يميز المتألم فيصيح.
فهل من الصدفة أن يكون جل الحكام متجنسين إما علنا أو خفية؟ وأن تكون كل المعاني أسماؤها صارت من الأضداد بحيث إن الكل في رقصهم يعمهون:
فالقومي يخدم قومية تحتل أرضه وتستبيح عرضه.
واليساري يزايد على اليميني الاستعماري في ترذيل قيمه وثقافته.
والليبرالي يزايد على العسكر في التنكيل بالشعب.
والجميع يشترك في الاعتماد على العنف الرمزي والمادي.
وخاصة المتاجر بالدين يزايد على رؤية ماركس في توظيفه.
هل يعقل أن يحكم تونس والعرب من الماء إلى الماء من لا يختلفون كثيرا عن رموز يمكن ان أذكر منهم:
- ابن علي أو ورثائيه ذكورا قوادة وإناثا جواري.
- السيسي وطباليه الذين جعلوه كما يدعي نبيا وفيلسوفا.
- وأن يريد احتلال ليبيا حفتر أفشل عسكري عرفته. أن يقود الجزائر بوتفليقة ومن لا يختلف كثيرا عنه بعده.
- وأن يحكم السعودية صاحب المنشار التابع لرئيس الخمارات صاحب الزنار
- وأن يحكم سوريا صاحب البراميل
فتكون ثروات العرب تقاس بالبراميل حيث انحطت الأمة فصارت تدفع الجزية من أراذل صاغرين وحمقى مستبدين ولا احتاج لتسيمة البقية.
ولا أريد أن أواصل بخصوص المعرفة فيكفي أن جل المنتسبين إلي جامعات العرب يعيشون على فضلات موائد من تقدم ذكرهم وموائد مخابراتهم مثل مؤمنون بلا حدود حتى لو زينوها بما يسمونه البحث العلمي والندوات العلمية وهلم جرا من أسماء الأضداد.
وأختم بتونس: فنصف ما يسمى اقتصاد تونسي اقتصاد موازي للمهربين والفريبيين والحشاشين والمافيات التي كونت واجهات حزبية حتى صار عددها بعدد المافيات التي احتلت مجلس النواب
والإدارة من أعلاها إلى ادناها وخاص النقابات التي صارت أخبث المافيات حتى في أدوات شوكة الدولة التي من المفروض ان تكون ممثلة للعنف الشرعي الذي يتبع القضاء وليس العكس.
أما النصف الثاني من اقتصادها فهو لدفع أجور الحاكمين وأهلهم والنقابيين وأهلهم وملء الإدارة والخدمات العمومية بأضعاف ما تحتاج إليه من الاعوان بحيث يصح القول الشعبي “اللي حطباتها عائشة شيخت به حوائجها”.
كل ما ينتجه الشعب يذهب اجورا لمن لا يعمل ويكتفي بأن يكون له واسطة توظفه وتضمن له النوم والدفاء حتى إن ما لا يحتاج إلا إلى 3 آلاف موظف مثل الغزالية صار يوظف ثلاث أضعافهم.
ولا أعتقد أن ذلك خاص بتونس: فكل العرب في الهوى سواء. ولا يمكن أن يكون ذلك كله صدفة: لا بد أن يكون بفعل فاعل.
فمن يا ترى هذا الفاعل؟
إنه من يستخدمهم وقد عينته الاحداث الاخيرة.
ولكن له علامة لا تحتاج إلى كبير تأويل: المقيم العام القديم أي الاقرع الفرنسي والمقيم العام الجديد الذي يعمل بمنطق الباطنية.
وبذلك صار من وظيفته حماية الوطن صباب لدى من يخربه