قريش الثانية أو شروط الاستئناف وحظوظ نجاحه

تنبيه مدير الصفحة:

أريد التذكير بنظريتين للأستاذ تساعدان من يريد أن يقرأ الأفكار الواردة في هذه التغريدات المتعلقة بقصده بـ”قريش الثانية” قراءة متمعنة تصل فلسفة التاريخ بفلسفة الوجود:
فأما النظرية الأولى فهي نظرية الزمان التاريخي المخمس: فالماضي مضاعف حدث متقدم وحديث تال والأول مادة والثاني صورة تأويلية لا تنتهي. والمستقبل مضاعف كذلك حديث متقدم وحدث تالي والأول مادة والثاني صورة تحقيقية لا تنتهي. والحاضر هو صراع الفعل الحدثي والرمز الحديثي وهو بؤرة التاريخ كله. ونحن نتكلم على لحظة فريدة من نوعها لأنها استئناف لنشأة كونية.
وأما النظرية الثانية فهي طبيعة علاقة الفعل المحدد للمستقبل بالفعل المتحدد في الماضي. فالثاني هو دائما استدراك للأول بمعنيين: بمعنى استكمال الناقص وتعويض الميت بتوسيع الموجود وتحقيق المنشود والأول عيني وجزئي والثاني ذهني وكلي. ولولا هذه العلاقة لاستحال التراكم الحضاري والتقدم الإنساني. والأمة اليوم في لحظة يمكنها أن تحقق رسالتها المتمثلة في الشهادة على العالمين بالمشاركة الفاعلة في تحرير البشرية من العولمة المتوحشية التي هي ذروة الاستعمار والاستعباد.

التغريدات حول قريش الثانية

1-تساءلنا في مسامرة البارحة عن مغزى استعمال الاستاذ عبارة “قريش الثانية” في كلامه على بلد الحرمين بعد الحدث الجلل المتمثل في مبادرات الملك الصالح ومساعديه: عاصفة الحزم وقول لا للدعوة إلى منتجع داود.
2-فأجاب: لا تعجبوا.فـ”زعماء” ما يعتبر دولا عربية كبرى أي العراق وسوريا ومصر والجزائر بنو”مجدهم” على نفي النشأة فضلا عن أمل الاستئناف المنظور: كل هذه الدول غسلت يديها من تاريخ الأمة ومن إمكانية الاستئناف الكوني.
3-فالعراق مثلا قبل الزوبعتين-فوضى بوش الخلاقة ومثلها فوضى داعش-بنى تزعمه على الحرب على الإسلام أعني فاشية البعث: البابلية والفاشية القومية المستوحاة من فاشية أوروبا ما بين الحربين.
4-وسوريا مثل العراق بنى نظامها تزعمه على الحرب على الإسلام بالطائفيات الخمس: الباطنية والصليبية والشيوعية والليبرالية والفاشية القومية. ولهذا ففرعا البعث لا يشتركان إلا في الحرب على الإسلام بمؤثرات مختلفة.
5-ومصر يتصور نظامها أن العرب الآخرين توابع وأنه يستعيد مجد الفراعنة بوحي من سخافات حسنين هيكل (كتاب الثورة المزعوم) والانقلاب الأخير جعل مصر ولاية إسرائيلية وأعلن الحرب صراحة على الإسلام بقيادة قبطية علمانية.
6-ونظام الجزائر أفسد ثورة التحرير التي كانت إسلامية فحاول “تشويعها” وحارب التحرر الإسلامية ـ”بالتشويع والتشييع” ليوقف نهضتها الإسلامية ذات النهج الديموقراطي.
7-فإذا جئنا إلى بلد الحرمين وجدنا أن ما يعاب عليه ويتصور نقائص هو عين ما يجعله أهلا لهذا الدور وهو من الكمالات التي تؤهله له: لم يدع الزعامة بمجد سابق على الإسلام ولا بمجد لاحق.
8-المليشيات الخمس أي بقايا الباطنية والصليبية والشيوعية والليبرالية والفاشية القومية تدعي أن بلد الحرمين ليس له مقومات الدولة كبلادهم. وهم في الحقيقة مستبدون بالأغلبية السنية التي يعاملونها معاملة الاستعمار للانديجان.
9-وطبعا هم كاذبون مرتين فأولا بلادهم ليس لها مقومات الدولة المادية فضلا عن الروحية. فأولا بلادهم مقتطعات وضعتها جغرافية الاستعماروهي تتهاوى: هي من بقايا الاستعمار مباشرة أو بوساطة أداتيه الإيرانية والإسرائيلة ولا بقاء لها إلا بهذا السند: لذلك فهم ضد ثورة السنة التي لا تعترف بحدود سايكس بيكو وما ماثلها في كل الوطن.
10-وثانيا مقومات الدولة لا يحددها الماضي الميت الذي يريدون استمداد شرعية دويلاتهم منه خالطين بين حضارة الأمة وأوهام النخب العميلة. فالتاريخ الحي والفاعل اليوم هو تاريخ الإسلام لا تاريخ بابل ولا الفراعنة ولا الفينيقيين: هذا الماضي بضاعة سياحية لا فاعل سياسي.
11-فالأقطار التي أرادت أن تتزعم بما تقدم على الإسلام أو بما تتصوره ما تأخر عنه لظنها أنه مرحلة انتهت تغطي عن كونها بنت جغرافيا المستعمر ولا قيام لها إلا بما لها من سند منه وعمالة له.
12-أما الجزيرة العربية عامة وبلد الحرمين خاصة فهي-وإن لم تخل من تدخل الاستعمار-بنت الجغرافيا الطبيعية والتاريخ الإسلامي: لا تدعي مجدا متقدما عليه أو لاحقا عنه.
13-وإذن فالجزيرة العربية عامة وبلد الحرمين خاصة تستمد هويتها وطموحها من الإسلام وتاريخه. وهي لا يمكن أن تقوم وأن تبقى من دون مجده: لذلك فمصيرها رهن مصيره حتما.
14-ولما كان الأمر مصيريا وكان الله لا يكلف نفسا إلا وسعها فإنه قد أمد الله الجزيرة فجعلها قادرة على أداء دور يناسب مصير الإسلام مدة في الزمان وامتدادا في المكان.
15-بينا أن أدعياء التزعم متوهمون. ونريد الآن بعد السلب-ليس للجزيرة مجد غير مجدها الإسلامي-أن نقدم البيان الموجب: فهل لبلد الحرمين والخليج الشروط الضرورية والكافية لتحقيق الرسالة ؟
16-الشروط نوعان: مادية وروحية. فأما الروحية فلا حاجة للكلام عليها: فالاسم وحده كاف بلد الحرمين. وأما المادية فلا أظن أحدا قادرا على نفيها عن الخليج على الأقل لأمد ليس بالقصير.
17-لكن وجود الشروط الموضوعية ليس كافيا: ذلك أن الشروط الروحية والمادية شروط إمكان لا غير. وهي لا تصبح شروط حصول ينتقبل به الإمكان من العدم إلى الوجود إلا بوجود الإرادة والعزم الفاعلين. والمعلوم أن كل أفعال البشر الحاضرة والمقبلة استكمال لأفعال أجيالهم السابقة بتدارك ما غاب وتجاوز ما حضر وإضافة ما يسمو بالوجود الواعي بذاته.
18-ووجود الإرادة والعزم الفاعلين مشروط بوجود العلم بضرورة الفعل بالمعنى الذي حددنا والذي يحتاج إلى وعي بطبيعة العلاقة بين فلسفة التاريخ وفلسفة الدين أي جوهر الحرية الإنسانية: فضرورة الفعل تعني أن السياسة ببعديها تكون رشيده بالتواصل النقدي: أي بالحكم الرشيد وبـالتربية المرشدة.
19-والعلم المرشد للعمل السياسي حكما وتربية مشروط بـالإبداع أي بجوهر الحياة التي هي أنتاج ثقافي لما يسد حاجة الروح وإنتاج اقتصادي لما يسد حاجة البدن. وكلاها يحقق شروط العلم (مدا للبحث العلمي بالأفكار وبالمال) وشروط القدرة (مدا للأمة بروط الحماية والرعاية) حتى يكون العلم والقدرة مطابقين للإرادة التي تحمي ذاتها وترعاها.
20-فإذا تحققت الحياة التي تقدر على علم لتحقق ما تريد تكون الجماعة قد أصبحت ذات وجود حر وغير تابع. وتلك هي بداية الاستئناف: وبشراه عاصفة الحزم وما سيترتب عليها إن تواصلت بنفس العزم وهو المأمول إن شاء الله.
21-وهذه البشرى-عاصفة الحزم-أيدتها بداية التعبير عن حرية الإرادة بعدم ذهاب الملك الصالح لمنتجع داود: وترجمة ذلك لسنا ولاة عندك بل نحن من الآن فصاعدا سادة أحرار.
22-والسؤال: كيف يكون الاستئناف بحجم النشأة الأولى من نفس المنطلق بـ”قريش” ثانية مع الحذر ممن يؤدي في الأمة دور عتاة الجاهلية المعارضين لثورة الإسلام؟ ذكرنا الشروط الخمسة: إرادة وعلم وقدرة وحياة فوجود حر (وهذه هي الصفات الذاتية للذات الإلهية والتي على المسلم أن يتخلق بالقدر الممكن منها للإنسان لأنها هي ما يطلبه القرآن من الأخلاق).
23-لماذا نسمي الصدر بالخلافة الراشدة؟ لأنه حقق هذه الشروط الخمسة فأسس دولة الإسلام العالمية. ولنذكر ترجمة هذا التحقيق في أعيان التاريخ.
24-فالقرآن أساس الوجود. ودولة الإسلام أساس الحياة المبدعة. وأفعال الصحابة أساس القدرة التي أنجزت. وحكمة الراشدين أساس العلم الذي قاد الإنجاز. والمجموع هو إرادة الأمة الحرة التي حققت منجزات الحضارة الإسلامية.
25-ففيم تتمثل حكمة الراشدين؟ ترجموا الأسس الروحية التي وضعها القرآن لدولة الإسلام ترجموها إلى نظام تربوي يحقق قيم القرآن في الأذهان وإلى مؤسسات تحققها في الأعيان. ولنكتف بالخليفتين الأولين (الثالث وقع عليه انقلاب اغتاله والرابع لم يستطع التغلب على الفتنة التي نتجت عن الانقلاب وما تلا ذلك من غلو سببه عودة الشعوبية والطائفية والجاهلية).
26-فجمع القرآن توحيد لوجود المسلمين الذهني. ومنع الردة توحيد لوجود المسلمين العيني. ووضع بداية للتاريخ تنظيم للزمان ووضع الديوان تنظيم للمكان. وردة اليوم هي تشييع بلاد السنة. وما يضاهي منعها بدايته عاصفة الحزم. و إذن فلا بد من روح الصديق وحزمه. ولا بد أن تصابحها وتليها صرامة الفاروق.
27-فالصديق والفاروق ترجما القرآن الكريم استكمالا لعمل الرسول (ص) إلى دولة بقيم كونية تنظم حيزي المكان والزمان في الأذهان بالتربية وفي الأعيان بالسياسة.
28-وتنظيم الحيزين: المكان والزمان لم يكن غافلا عن ثمرتيهما. فتنظم المكان له صلة بالقوة المادية وتنظيم الزمان له صلة بالقوة الروحية.
29-والفاروق الذي نظم الحيزين فأسس التاريخ المستقل (الهجري) والجغرافيا المفتوحة على المستقبل يعلم ذلك لذلك فإنه قد أبقى على حق الأجيال المقبلة في ثروة الأمة.
30-والمطلوب من السياسة الراشدة في مرحلة الاستئناف الاستفادة من تجربة السلف في التعامل مع التاريخ والجغرافيا لتحريرهما من أثر الاستعمار وبقاياه التي تمثلها المليشيات الطائفة بأصنافها الخمسة: الباطنية والصليبية والشيوعية والليبرالية والقومية الفاشية.
31-بعبارة أوضح: فبلد الحرمين يخل برسالته إذا تعامل كمن يسلم بالجغرافيا والتاريخ الاستعماريين اللذين هما أساس سلطان المليشيات الطائفية الخمسة التي وصفنا. وحينئذ فسيكون مثل دويلات الطائفيات الخمس.
32-وليس ذلك خيارا بل هو ما يفرضه وجود بلد الحرمين: لا يمكنه أن يخترع شرعية متقدمة على الإسلام ولا شرعية متأخرة عنه بل شرعيته هي دوره هذا ولا مفر مما كتبه الله عليه إذ يجد نفسه مكلفا بخدمة الحرمين.
33-فبلد الحرمين ليس فاتيكان. وهو ليس دولة قومية. هو قبلة المسلمين روحيا. وينبغي أن يكون قبلتها تاريخيا أي أن يسعى لتحقيق قاعدة الاستئناف. والله من عليه بشروط ذلك كله. وكل تراخ عن هذا الدور تنصل من الواجب.
34-وقاعدة الانطلاق في الاستئناف هي ما حققه الرسول روحياو تاريخيا وما استكمله الخليفتان الأولان: الصديق بمنع الردة والفاروق بتحديد الحيزين وثمراتهما.
35-أملي أن يجد الملك الصالح والشابان من حوله في نخب الأمة الصادقين العون على هذه الرسالة التي تنوء بها الجبال. وهي في الوسع ماديا وروحيا. وقد نذرت حياتي طالت أو قصرت لعلاج ما تتطلبه من أعمال فكرية واستراتيجية والعون والتوفيق من الله جل وعلا.
36-لماذا هي إذن قريش ثانية؟ لأن الشرط المتعالي على التاريخ لن يتكرر فهو موجود وهو خاتمة الرسالات التي صححت التحريفات وأنشأت الأمة الشاهدة لتكون الحاملة لها إلى يوم الدين.
37-قريش الثانية هي لاستئناف يحقق ما أفسده الانحطاطان من الشروط التي كانت محاولات لقتل إرادة الأمة وعلمها وقدرتها وحياتها فكاد يلغي وجودها لولا أن حفظ القرآن لحصانتها الروحية وحفظ الرسول لرموزها البطولية.
38-فالانحطاط الذاتي بسبب خلل في وظائف الدولة حماية (القضاء والأمن والدبلوماسية والدفاع والاستعلام-الإعلام السياسي) ورعاية (التربية والمجتمع المدني والثقافة والاقتصاد والاستعلام- الإعلام العلمي) بعلل ذاتية وبتحالف نفس المليشيات الموروثة عن الماضي مع أهماج الغرب (الصليبية) والشرق (المغول).
39-والانحطاط المستورد عن الاستعمار جعل الدويلات التي فرضها بما خطه من جغرافيا وتاريخ أدوات للإجهاز على حصانة الأمة أي إسلامها ورسولها كما بين صراحة في حرب الثورة المضادة على الثورة من مليشيات الماضي وما أضافه الاستعمار من مليشيات جديدة تعمل بمنطق التخريب الداخلي.
40-وإذا كانت الأمل معقودا على قريش ثانية تكون عماد الاستئناف فينبغي أن نعلم أن أعدى أعداء قريش التي بنت دولة الأسلام من قريش التي تريد أن تعيد دولة الجاهلية : فلنا كثير من أبي جهل ومن أبي لهب وحمالة الحطب.
41-لكن التجربة الماضية تنير المستقبل : علينا أن نتحرر من الفتنتين اللتين تدوران حول حكم المسلمين إما بزعم الحق الإلهي في الأولى أو بزعم حق العجل الذهبي في الثانية. وهي التي أعادت الطائفية أداة للصفوية وموظفها الغربي بزعم الحق الإلهي. والثانية تريد حكم المسلمين بطائفية أداة للصهيونية ومظفها الغربي بحق العجل الذهبي.
42-لكن الإسلام يرفض الدعويين : فلا وجود لحكام بالحق الإلهي ولا وجود لتشريع يتعالى على قيم القرآن. الحكام بشر يجتهدون وليسوا أيمة معصومين . وتشريع الأمة يخضع لما تؤمن به من قيم هي سر تحررها من الأهواء.
43-والدين ليس في قطيعة مع الحياة بل هو معناها : لذلك فهو نظام حياة يحرر الإنسان من الفصام بين ما لقيصر وما لله : فالمعاملات التي هي نظام العلاقات الخاصة بالمصالح الدنيوية بين البشر عبادة والعبادة التي هي نظام العلاقات الخاصة بالمصالح الأخروية بينهم وبين ربهم تضفي المعنى على الحياة فتحررها من الإخلاد إلى الأرض.


قريش الثانية أو شروط الاستئناف وحظوظ نجاحه – أبو يعرب المرزوقي

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي