في فاعلية الرمز وشروط الاستئناف – الجزء الأول

ما أريد الكلام عليه هنا لا يتوجه لنجوم الساحة من تلاميذ جوجل الذين هم غالبية جيش المليشيات الخمس التي يوظفها أعداء الإسلام للحرب على السنة ومشروع الاستئناف. فهؤلاء لا تعنيهم المعرفة ولا يطلبون الحقيقة بل يعبدون التحريف والتزييف ولا هم لهم إلا التوظيف السياسي لأحقاد الماضي وتدمير شعوبهم خدمة لسادتهم الذين اخترقوا بهم نسيج الأمة ليخربوا حصانتها من الداخل:

1- بقايا الباطنية والصليبية (أداتا إيران) : ويعود منبعهم للشعوبية التي تريد القضاء على الوجود المادي للحضارة العربية الإسلامية واسترداد إمبراطورية فارس و إمبراطورية بيزنطة متصورين أن وجود الإسلام السني في الهلال ينبغي أن يقضى عليه لأنه الحائل دون عودة الامبراطوريتين : ورمز هؤلاء هو المسألة الشرقية التي تواصل الصليبية ومسألة الثأر من العرب التي تواصل الشعوبية منذ الغدر بالفاروق.

2- وبقايا العلمانية والليبرالية (أداتا إسرائيل) : ويعود منبعهم إلى النزعة الإستعمارية التي تريد القضاء على الرمزي للثقافة العربية الإسلامية وتغريب المشرق والمغرب لاستكمال سيطرة الإمبراطوريتين من العراق إلى المغرب بدأ بأعادة تأسيس دول إسرائيل وتفتيت الجغرافيا والتاريخ العربيين والإسلاميين لخدمة المشروع الاستعماري.

3- والفاشية القومية (أداة مشتركة لإيران وإسرائيل) : ويمثلها الأحزاب التي تبرقعت بالقومية العربية في الظاهر لكنها – فضلا عن إفسادها ب“أثننتها” وأفقادها سرها الثقافي الروحي– تعمل بقوميات متقدمة عليها وعائدة إما إلى البقايا التي ذكرنا أو خاصة إلى ما تقدم على الإسلام من فرعونية وبابلية وفينيقية وقرطاجنية أي محاولة القفز على المرحلة العربية الإسلامية والوصل المباشر بين ما تقدم عليها وما تلاها بسبب سيطرة الثقافة الاستعمارية : ذلك أن فكرة القومية التي غزت الأمة فكرة فاشية جاءت بعدوى مباشرة من الفاشية الأوروبية بين الحربين.

4- والجميع هم أداة موظف إيران وإسرائيل لمنع نهضة الأمة واستئناف دورها الكوني. ذلك أن هذا الموظف –الولايات المتحدة وريثة الامبراطوريات الاستعمارية الأوروبية بعد الحرب الثانية– يجمع بين دافعين للحرب على السنة في الإقليم :

  1. الأول هو ما في أرضهم من إمكانات فضلا عن الموقع. وهو في هذا الدافع الأول يتصرف تصرفه الذي أنشا به إمبراطوريته : بدأ بمستعمرات ثم أفنى أهل الأرض التي استعمرها ليصبح إمبراطورية وكان الذهب الأصفر حينها يؤدي دور الذهب الأسود الآن.
  2. الثاني هو هوس الغرب الذي لم ينس التاريخ الوسيط والذي يتصور أن هذه الأمة لو عادت فإن خطرها المحتمل ليس بالمستبعد. وهم طبعا ينطلقون من حقد ومرض يجعلهم يسقطون عدوانيتهم على غيرهم فيحتلون أرضنا ويسمون سعينا للتحرر إرهابا.
  3. والجمع بين الدافعين هو جوهر ما يسمى بالمسيحية الصهيونية التي وجدت في ضربة 11-9 فرصة الشروع في الانتقام من مراكز قوة السنة في الإقليم والتي تتواصل من خلال استتباع مصر ومحاولة القضاء على آخر معاقل الإسلام السني –بلد الحرمين– ليس مباشرة بل بتوسط المليشيات والذراعين وبمنطق التفجير الداخلي.

5- وجملة هذه العناصر هي التي تمثل اليوم المناخ المحلي والإقليمي والدولي المسيطر على المعارك الجارية في دار الإسلام عامة وفي قلبها أو الوطن العربي خاصة. وهو مناخ لم تتضح صورته للراي العام إلا بعد الثورة وخاصة منذ بداية موجتها الثانية أعني بعد الانقلاب في مصر وفي ليبيا واليمن مع استمرار التعثر في سوريا والعراق وتونس وبنحو صامت في كل بلاد العرب. لكن هذه الوضعية لم تتجدد بعد أن لم تكن منذ الثورة بل هي قائمة منذ عقود وقد حاولت الكشف عنها في الكثير من الكتابات وخاصة بمناسبة قضية فلسطين وحروب الخليج الخمسة : 1-حرب اليمن الأولى 2-وحرب العراق الكويت3- وحرب العراق إيران 4-وحرب العراق أمريكا 5-والحرب الحالية التي تشمل كل الجزء العربي من الإقليم.

من المخاطب؟

فالمخاطب في مسألة فاعلية الرمز التي سنخصص لها الكثير من الدراسات –وقد سبق أن نشرت بعضها في كلامي على الملاحم– هم شباب الأمة وخاصة من لهم ملكة الخيال المبدع الذين سأصطلح على تسميتهم شعراء استعارة لاسم الإبداع في كل مجالات المنجز الإنساني –العلمية والعملية– وتحريرا لهم من مضغ الميت من الفكر بدعوى الاطلاع على منجز الفكر الغربي دون فهم للسياق ووصل بين الرهانين :

فرهان الغرب الحالي يتمثل في مواصلة نهضته وتطوير منجزاته التي تعالج قضايا خاصة به أهمها منع الشيخوخة الحضارية التي أصابت القوة الحيوية في مقتل أو تجديد الأجيال بعد أن فقد الاستفراد بالتفوق العلمي والتقني الذي بات الشرق وخاصة الاقصى ينافسه فيهما: المشكل بايولوجي وأنطولوجيDéficit biologique et ontologique.

ورهان المسلمين ويتمثل في تأسيس شروط النهوض وجبر الكسر في حيوية الأمة المبدعة لمقومات التحرر من التبعية وتحقيق شروط الندية العلمية والعملية التي تنقص أمتنا رغم الحيوية البايولوجية بحيث إننا دون الشرق الأقصى والغرب الأدنى والأقصى في هذه الشروط المحققة للرعاية والحماية : المشكل تكنولوجي وإبتسمولوجيDéficit technologique et épistémologique.

ويمكن تلخيص الأزمة كلها في أن الانحطاط المستورد يشترط لعلاج رهان المسلمين استيراد رهان الغرب رغم أن الرهانين مختلفين تمام الاختلاف لاختلاف الحاجات التي يقتضيها الوضع الحضاري للمجموعتين. وهو بذلك يقع في خطأين قاتلين حتى لو سلمنا بوحدة المسار الإنساني.

ذلك أننا في تلك الحالة يكون من الواجب أن نقيس مشكلنا بمشكل الغرب في طور بناء نهضته لما كان مثلنا ذا حيوية بايولوجية وأنطولوجية وليس في طور علاج شيخوته وتعبه الأنطولوجي الذي يعتبر عند أصحاب الانحطاط المستورد علاجا وهو في الحقيقة استيراد أمراض (وسنخصص دراسات لهذه الأمراض التي يراد استيرادها ظنا أنها علاج لوضعنا).

وبهذا المعنى فقصدي من مصطلح الشعراء هو بيان أن الأمة اليوم تحتاج لمبدعي الشعر لا لرواته. والقصد بالشعر هنا ليس الشعر قسيم النثر بل كل مجالات المنجز الإنساني إن صحت الاستعارة : العلوم النظرية والعملية وتطبيقاتها التقنية والخلقية والجمالية. فقد كانت الرواية تعد للدراية بمنطق تعلم الشعر وتجويد ملكاته. وكان الناس يعلمون أنها شرط ضروري غير كاف.

وغالب الرواة يقتصرون على الضروري ولا يطلبون الكافي لأنهم يعلمون أن الدراية تحتاج إلى ما يتجاوز الذاكرة. أما اليوم فحتى هذا الضروري بات مستغنيا عن الرواة ففقدنا الرواية والدراية في آن: جوجل يكفي الأنصاف مؤونة الرواية والدراية معا.

وأغرب ما في الأمر أن الدعاة ومتصدري معركة اصلاح الإسلام كلهم من أجهل خلق الله ولعل أفضل علامة أنهم في الغالب لا يحفظون أي آية من القرآن الكريم ولا يقومون بأي فرض من فروض الإسلام ويتفلسفون في تأويله وتعديله.

وإذا بهم باسم منع دور الدين في الدولة يجعلون الدولة التي يسمونها علمانية دولة دينية هي التي تكتب خطب الجمعة الموحدة وتحدد برامج التعليم الديني والفكر الديني والنوع الذي تسميه وسطي لأنه يتركها تصبح دولا كنسية لها بابا هو الضابط الذي يستبد بالأمر ليحكم الفساد والاستبداد.

كل ذلك لأن جوجل بات شيخ العلماء والأدباء وخاصة الصحافيين. لم نعد بحاجة لا للرواية ولا للدراية يكفي فك الحرف ومهنة القص واللصق. ولذلك فإنه يمكن القول إن ثمرات التقدم معزولة عن مثمراتها تتحول إلى علل تخلف : فهذه واحدة هي المفارقات التي تسيطر على الساحة الثقافية في عصرنا. فأعسر ما يعترض من يريد إصلاح حال الأمة إشكالية إفهام الشباب هذه القضية بسبب الإغراء الناتج عن الاستفادة من ثمرات التقدم دون العمل على تحقيق شروط مثمراتها.

فقد يتصوروك داعيا للتخلي عن أسباب التقدم لمجرد كلامك على هذه المفارقات. ولعل أهم تعينات هذه الظاهرة التقدم في أدوات التواصل الحديثة وما توفره للباحثين في أي مجال من مجالات الاختصاص من اختصار للوقت في الحصول على المعلومة المخزنة في بنوك المعلومات.

ففي البلاد التي أبدعت أدوات التوثيق وتخزين المعلومات يقضي الباحثون الذين يزودون هذه الأدوات بمادتها والذين يخترعون شروط تطويرها النظري والتكنولوجي أعمارهم في الجهد والاجتهاد المبدعين. لكن مستعمليها من موردي الجاهز منها يكتفون بمضع ما وضع فيها وسرقته للتظاهر بمعلومات هي دائما متخلفة بالقياس إلى المعرفة المبدعة التي لم تصب بعد في هذه البنوك لأنها ما تزال في طور الغليان الإبداعي الذي يحول الخيال العلمي إلى حقيقة علمية.

ومعنى ذلك أن هذه التقنيات –بسبب الاقتصار على استعمالها وتوريد آخر صيحاتها – أصبحت في المجتمعات المستوردة لها أداة قتل الإبداع وليست أداة تنميته. لذلك فقد تجد فيها دون شك حذاق الرواية لكنهم في الغالب عديمو الدراية ككل دجالي الجرائد والصحف واصحاب الشهائد التي يمكن الحصول عليها عن طريق الشيخ جوجل وحتى عن طريق شرائها إذا كان الطالب من الميسورين. ولا عجب حينئذ إذا تراكم حملة العناوين الأكاديمية وفرسان النجومية وقل الإبداع الفكري وعم التسطيح.

فهذه التقنيات لا تمثل عوائق التقدم في مجتمعات أنتجتها لأنها تنتج في آن القادرين على مواصلة إنتاجها وإنتاج ما يتجاوزها لعلمهم أنها ليست بديلا من الجهد الذي يمكن من تزويدها بمادتها ومن تمكينها من أن تصبح أقدر على أداء هذه الوظائف. لكنها من أهم معيقات التقدم في المجتمعات التي تستعملها لتستفيد مما تختزنه بوصفه حصيلة دون أن تسهم في تزويدها بالمضمون فضلا عن أن تمكن من تطويرها لأداء أفضل لوظائفها : ذلك أنها تتحول إلى أهم وسائل التحيل والسرقة التي تقدم وهم العلم وهي في الحقيقة تؤسس لسلطان الجهل بثقافة قص ولصق.

ما أسعى إلى إقناع الشباب بجنسيه به من مهام يقتصر على أمرين أولهما يحدد الغايات والثاني الأدوات وبهما دون أدنى شك وبعون الله سيكون بوسهم تحقيق شروط الاجتهاد والجهاد بالقيم التي وضعها القرآن من أجل قيام الأمة بدورها الكوني والتعافي من الأمراض التي نتجت عن الانحطاطين وحرب الكاريكاتورين بين التأصيل الناكص إلى الجاهلية خلطا بين قيمها وقيم الاصالة والتحديث الناكص إلى الاستعمار خلطا بين قيمه وقيم الحداثة. ولما يتم التحرر من النكوصين سيكتشف الشباب بجنسيه أن القيم سواء صدرت عن الأصالة السوية أو عن الحداثة السوية واحدة لأنها تتعلق بشروط الجمع بين الفاعلية والرمزية لمنزلة الإنسان بما هو خليفة مستعمر في الأرض :

والغايات هي كل ما يمكن الإنسان من أن يتعالى على الإخلاد إلى الارض فيكون بحق جديرا بالخلافة خلال استعماره في الأرض.

والأدوات هي شروط تحقيق هذه الغايات النظرية (الاجتهاد) والعملية (الجهاد) بمعانيهما التي عرفنا سابقا والتي سمتها سورة العصر بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

سنعالج هذين المسألتين لاستكمال البحث في شروط الاستئناف وكيفيات تحقيقها بالإبداع الذي من جنس ما حقق النشأة الأولى. وهذه الشروط لا يمكن أن نجد فيها معركة الكاريكاتورين لأنها متحررة من الانحطاطين ومدركة لوحدة القيم الكونية التي تنبني عليها الحضارة المبدعة دون مقابلة بين الأصالة والحداثة لأن الأولى تعني الانطلاق من الذات والثانية تعني فاعلية الذات نحو تحقيق شروط البقاء بالتجدد الدائم للذات ولأدوات قيامها حماية ورعاية.


في فاعلية الرمز وشروط الاستئناف – الجزء 01 – أبو يعرب المرزوقي

إعجاب تحميل…

مرتبط

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي