لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
1-حدثنا أستاذنا البارحة عما سماه”مفاجئتي تاريخ المسلمين أي السنة الحديث” بتفاؤل واغتباط :تونس وبلد الحرمين تحديدا لشروط الاستئناف الثابت والأكيد.
2-فقال: هل كان أحد ينتظر أن تبدأ ثورة التحرر من الانحطاط المستورد من تونس؟وأن تبدأ ثورة التحرر من الانحطاط الأهلي من بلد الحرمين؟ معجزتان.
3-ظُنت تونس بعد ستة عقود من التغريب القسري أنها قد صارت نموذج المسخ التحديثي فإذا بها تصبح منطلق ثورة التحرر من المسخ لتطلب الحرية والكرامة.
4-وظُنت السعودية بعد ثلاثة أرباع القرن من النظام الذي يتهم بالتبعية والرجعية والخضوع التام فإذا بها تصبح منطلق أول فعل حقيقي لتحرير الإرادة الإسلامية بحق.
5-هاتان معجزتان: فـمن ظُن ممثلا للانحطاط المستورد افتتح إرادة التحرر منه. ومن ظُن ممثلا للانحطاط الذاتي افتتح إرادة التحرر منه: لقاء الثورتين المفاجئتين للجميع أصدقاء وأعداء.
6-مثل هذا اللقاء من اللحظات التاريخية ذات الدلالة المتعالية على الإرادات العرضية: إنها لحظة الاستئناف الحيوي ببعديه المحرر من الانحطاطين ولا يكون إلا بتفضل إلهي دال على تحقق شروط الاستئناف.
7-وبذلك فقد تم تجاوز الفصام بين التحديث والتأصيل بعد أن تحررا من كاريكاتور الحداثة والأصالة: فالمنطلق التونسي: هو تحرير قيم الحداثة مما شابها لتصبح أصيلة. والمنطلق السعودي: هو تحرير قيم الأصالة مما شابها لتصبح حديثة.
8-عندما كنا صغارا كانت أمهاتنا تقص علينا قصة لعل جيل الثورة يجهلها: كانت أمهاتنا تقول “القيروان” هي المحج الثاني للمسملين لأنها مدفن بعض صحابة الرسول الأكرم.
9-أوردت هذه القصة التي ذكرني بها أمران: هذا التلاقي المعجز بين ثورتي التحرر(تونس) والتحرير (بلد الحرمين) وموقف الانقلابي من عقبة بن نافع الذي حذفته نخبته العميلة من كتب التعليم الرسمي (ومعه صلاح الدين).
10-فموقف الانقلابي ونخبته العميلة من عقبة بن نافع فاتح المغرب الإسلامي من الدلائل النقيضة لما اعتبرناه معجزة تاريخية دالة على الاستئناف. ذلك أن مصر المسكينة صارت قادة نظامها ونخبته رغم أنهم أغبى من عرفت البشرية يدعون إصلاح الثورة المحمدية.
11-وقد كان يمكن لموقف القيادة السعودية قبل التغيير أن يفيد أن بلد الحرمين أصيب بالمرض الذي تحررت منه تونس بالثورة: القبول بالمسخ التحديثي بدل التأصيل من نخب مندسة تتصور الكاريكاتور التحديثي حداثة.
12-لذلك فالتغيير الحاصل فيها دليل إعجاز آخر وتفضل إلهي: الجميع كان يتصور أن الأمر قد حسم لصالح الثورة المضادة وكان ذلك يكون كذلك لو لم يحصل التغيير المبارك: كانت السنة ستصبح مستعبدة من ثلاثي إجرامي ونخبه المستبدة والفاسدة.
13-ثقتي بالله جعلتني لم أيأس. لذلك كتبت قبل التغييرفي دور بلد الحرمين ورسالته بشيء من التفاؤل والعتب وطلبت من رجالات السعودية أن يبلغوا ذلك لأهل الحل والعقد في بلادهم. الحمد لله: المفاجأة التي لم يكن أحد ينتظرها حصلت: ملك صالح وقيادة شابة
14-لذلك فثلاثي المجرمين ونخبهم العميلة أسقط في أيديهم: فالأحداث ستتسارع بصورة أشبه بمعجزات الفتح الإسلامي الأول. سيتساقط بشار والسيسي وحفتر والحوثي وصالح وكل جراثيم الانحطاطين.
15-أما مليشيات إيران العربية في العراق والشام وفي باقي بلاد العرب فإنها جميعا ستتهاوى بمجرد أن يعلموا أن الهر الذي يستعملهم قد انفجر في محاكته صولة الأسد.
16-والمعلوم أن الإسلام بدأ جولته الأولى بتوحيد العرب الذين كانوا أشبه بما هم عليه اليوم من تقاتل وتناحر واستعداء للأجنبي على الأخوة. وها هو يستأنف جولته الثانية بشروع العرب في تحقيق شروط التحرر من الاستبداد والتحرير من التبعية: لم يبق إلا أن تبادر القيادة الجديدة بتوحيد العرب بنفس المنطق (تأليف القلوب والاجتهاد والجهاد).
17-وبذلك تكون قاطرة الاستئناف الإسلامي قد وضعت على السكة: التحديث السوي والتأصيل الأبي يبدأ من قطبي أرض العرب من القيروان ومن الحرم.
18-فالمفاجأتان دليل قاطع على عودة العرب لدورهم التاريخي الكوني شعبا قاطرا لأمة الإسلام التي تمثل خمس الإنسانية وأثراها ماديا وروحيا.
19-سيعجب الكثير: كيف لمن ينتسب إلى الفلسفة يفسر التاريخ بالإعجاز؟ الإعجاز الخارق يعتبره القرآن للتخويف. لذلك فهو لم يحتج إليه. والإعجاز القرآني هو النظام العقلاني للطبيعة والتاريخ.
20-فلنبين عقلانية ما حدث: لماذا كانت تونس بداية التحرر بمفهومه في بيتي الشابي؟ ولماذا كانت السعودية بداية التحرير بمفهومه في العواصف الثلاث: الحزم ضد العدوان والأمل للأمة والفجر لإصلاح الجبهة الداخلية وتدعيم نظام الحكم بالتشبيب والتسديد؟
21-بصورة أوضح: لماذا كانت الثورة في تونس إصلاحا دينيا وفي السعودية إصلاحا سياسيا؟ ذلك ما يحتاج إلى تفسير عقلاني يتجاوز الوصف الإعجازي.
22-ففي تونس شعار
“إذا الشعب يوما أراد الحياة*فلا بد أن يستجيب القدر”
صوغ شعري لآية من القرآن الكريم تتعلق بدور الإنسان في تغيير ما بنفسه حتى يغير الله ما به.
”إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ”
23-فشرط تغيير الإنسان ما بنفسه حتى يغير الله ما به هو المعنى الحقيقي لمفهوم القضاء والقدر وذلك ما تحقق تصوره الصحيح في الثورة: ثورة العرب التي بدأت في تونس هي إذن تحرر من الفهم السيء للقضاء والقدر الفهم الذي ألغى دور الإنسان في التاريخ.
24- والتفسير العقلاني هو أنه من الطبيعي أن تكون ثورة تونس إصلاحا دينيا في العمق لأن تونس هي القطر العربي الأكثر معاناة مما أصاب الأمة من الانحطاط الاستعماري الذي شوه الدين واعتبره علة التخلف. فكانت الثورة إيذانا بـالتصحيح.
25-لكن بلد الحرمين ليس مشكله الإصلاح الديني بل الإصلاح السياسي الذي يجعله في صدر القيادة حتى يكون دوره مناسبا لما أمنه الله عليه بيته الحرام وقبلة المسلمين: سياسة تجعل دولة الحرمين في خدمة كرامة الأمة وعزتها: والتفسير العقلاني هو أن الثورة ينبغي أن تكون في السعودية ذات توجه عملي لا نظري.
26- ففي حالة السعودية بخلاف حالة تونس التصحيح لا يتعلق بفهم القضاء والقدر بل بتطبيق فهمه الصحيح أي كيف تبادر لحماية البيضة فتقود الأمة لتكون أهلا لما أمنت عليه أي البيت الحرام والقبلة.
27-وبذلك فما قدمناه على أنه إعجاز لطابعه المفاجئ هو في الحقيقة وفي آن أمر قابل للتفسير العقلي بمقتضى ما فرضه الواقع بما ينقصه ليطابق حقيقته: ما الإصلاح الذي يفرضه ما حل بتونس وما حل بالحرمين.
28-تونس قبل الثورة وصلت إلى قاع المسخ الحضاري. فكانت ثورتها للتحرر منه ومن علله بثورة شعارها بيتا الشابي: ثورة في فلسفة التاريخ والدين
29-لاعجب فتونس مسقط راس فيلسوف التاريخ والدين الحضرمي الأندلسي المغربي الجزائري القاهري الدمشقي المكي المدني عبد الرحمن ابن خلدون.
30-وبلد الحرمين قبل العواصف الثلاث وصل إلى قاع الاستسلام السياسي. فكانت ثورته للتحرر منه ومن علله بثورة شعارها تشبيب القيادة للريادة.
31-ثورتان فلسفية (في تونس) وسياسية (في السعودية) كان الاستئناف ينتظرهما شرطين لكي يصبح وجهة الشباب بجنسيه فيحل أهم معضلتين تعاني منهما الأمة – الحل الثوري بحق.
32-المعضلة الأولى عملية: إذا أصحبت القيادة العربية شابة ومقدامة اجتهادا وجهادا فإن الشباب الثائر بجنسيه سينضم إليها ولن يبقى خارجا عنها كما كان بسبب اليأس من دور الأنظمة في حماية الأمة.
33-المعضلة الثانية نظرية: إصلاح فلسفة الدين وفلسفة التاريخ حيث تلتقيان أعني في نظرية القضاء والقدر فيتحقق التحرر من الانحطاطين الحضاريين
34-وحل المعضلتين يوحد الجهد سواء صدر عن مبادرة الأفراد أو عن إقدام الأنظمة فتصبح الأمة بحق أمة الكل فيها آمر بالمعروف وناه عن المنكر.
35-والأمر والنهي يبدآن بالذات: آمر ومؤتمر وناه ومنته (آل عمران من 104 إلى 110). وذلك هو تعريف المؤمن دينا والمواطن سياسيا. فيتم الإصلاحان المحرران من الانحطاطين.
36-وبذلك فقد وفيت بما وعدت به: بدأت بوصف يجعل ما يحدث وكأنه خرق للعادات.وختمت ببيان أن أعماقه هي في الحقيقة عين النظام العقلي لتاريخنا.
37-ولا بد هنا من ذكر فائدة تساعد شباب الأمة بجنسيه على فهم التاريخ والمساهمة في صنعه: فالزمان التاريخي مخمس الأبعاد بخلاف الطبيعي الذي هو مثلثها.
38-فالماضي مضاعف: حدث سابق وحديث لاحق. والأول يحيا خاصة في الثاني الذي يبقي عليه ويجدد معناه بتأويله تأويلا لا يتناهى بحسب حاجات الحاضر والمستقبل.
39-والمستقبل مضاعف كذلك: حديث سابق وحدث لاحق. والأول يخطط للثاني والثاني يحقق الأول. والتحقيق بوصفه نقلة من الأذهان إلى الأعيان لا يكون إلا إبداعا.
40-والمركز هو الحاضر وهو بؤرة الحديث المؤول للماضي والحديث المخطط للمستقبل ولصدام الحدثين الذي مضى والذي هو آت: إنه عين الحيوية الحضارية التي قد تبدو فوضى لكنها في الحقيقة استئناف الحياة والابداع بعد ركود الانحطاط والاتباع.
41-وهذه الحيوية الحضارية هي ما نعيشه نحن المسلمين السنة -ولا إسلام إلا إسلام السنة لأن الباقي تحريفات للإسلام- قطباها تاريخيا تونس والحرم. وما كنت لأكتب في مثل هذه الأمور لولا إيماني بهذا التكامل: خاصة والأزهر الذي هو فرع من الزيتونه انحط إلى مجرد أداة بيد الانقلابي فعاد للزيتونة دورها. وهذا طبيعي فهي الأصل.
42-واللحظة التاريخية الراهنة لحظة فيها الكثير من المعاني الشبيهة بلحظة النشأة الأولى لحضارة الإسلام:هبة عرب كانوا بدوا على هامش التاريخ.
43-مع فارقين مهمين: لصالح النشأة ولصالح الاستئناف. فالنشأة بدأت برسالة سماوية.والاستئناف بدأ بثمرات الرسالة.واللحظة تجمع بين الفضيلتين.
44-فالرسالة حية إلى يوم الدين وثمراتها متراكمة ما ظل المسلمون يجتهدون ويجاهدون كما يطالبهم بذلك القرآن: وتلك هي أخلاقه كما حددتها سورة العصر.
45-فالاستثناء من الخسر في سورة العصر مشروط بخمس قيم: إثنتان قوام الفرد. واثنتان قوام الجماعة. واجتماع القيم الخمس هي أخلاق القرآن المؤسسة
46-فالفرد يؤمن ويعمل صالحا. والجماعة تتواصى بالحق وتتواصى بالصبر. والجمع بين الفردي والجمعي هو الأمة من حيث هي تعين الرسالة في التاريخ.
47-وهذا هو ما لا يطيقه أعداء الإسلام: الآية الأولى من النساء والآية 13 من الحجرات والآية 60 من الأنفال والأية 177 من البقرة وأخيرا مضمون سورة العصر.
48-وهم عينهم أعداؤه لحظة النشأة وإن بسعي منهم لاستعادة ما أنهاه الإسلام من سلطان لهم على المنطقة: سلطان الشرق والغرب وأداتهما في المركز.
49-فمن الشرق إمبراطورية فارس ومن الغرب إمبراطورية بيزنطة وفي المركز سلطان اليهود في الجزيرة العربية. والآن يريدون السيطرة على المسلمين من جديد في غفلة كادت تمكنهم من ذلك لولا الثورتين.
50-فالرسالة التي مكنتنا من ذلك لا تموت. وما تحقق من تراث حضاري بفضلها يزيدنا قوة وقدرة. يكفي التحرر من الانحطاطين الذاتي والمستورد: وقد بدأ ذلك في تونس وعم ثم حصل التغيير في السعودي وسيعم.
51- وإذا كنا في النشأة قادرين على تحرير هذه المنطقة من السلطانين ومن أداتهم التي في المركز فمن باب أولى أن نكون في الاستئناف اقدر على ذلك.
52-والتحرر من الانحطاطين ذلك هو مضمون الثورتين التي بدأت في تونس والتي بدأت في بلد الحرمين: الأولى فلسفية والثانية سياسية: وذلك هو جوهر الرسالة.
53-أقول الثورة التي بدأت. ومن ثم فهي ما تزال في خطواتها الأولى. لكن المهم أن شرطيها متوفران: الشرط المادي والشرط الروحي. فالعرب اليوم لهم الشرط المادي والشرط الروحي بخلاف عرب الماضي الذين من الله عليهم بالشرط الروحي رغم فقرهم وضعفهم.
54-لذلك فهم قد أورثونا ما حققوه باجتهادهم وجهادهم: أعني الشرط المادي الذي نستمد منه الآن قوتنا: أرض العرب أثرى أرض في العالم إذ جمعت شروط الطاقة جمعها ما تحتها وما فوقها مع البحار السخنة كلها والموقع الاستراتيجي الفريد: قلب العالم.
55-فهل نحن خلف جدير بسلفه؟ ذلك هو التحدي: كيف نحافظ على ثروتينا المادية والروحية فنجعل منهما طريقا إلى توحيد العرب حول مشروع النهوض القادر على تنزلينا منزلتنا في التاريخ الحالي بموقف الأنداد نسالم من يسالمنا ونعادي من يعادينا.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/