قد لا يكون من المناسب افتراض تعليل لانتشار كورونا في الصين وفي إيران.
لكن طريقة انتقال العدوى يمكن أن تكون بداية للافتراض المعقول.
فقد يكون لظاهرتين عامتين في هذين البلدين دلالة مفيدة.
فالسلوك الجنسي في إيران وكثافة شغل المكان في الصين لهما صلة بينة بالانتقال السريع للعدوى.
ذلك أن كلتا الظاهرتين تشتركان في كثرة التلامس وتكراره وهو الناقل للفيروس.
وليس للشعبين ما يميزهما عن غيرهما في الجغرافيا والمناخ وعادات التغذية والايجيان العامة.
فالتلامس المتكرر هو الناقل للفيروس وهو من خاصيات السلوك الجنسي دون نظافة لمجراه على عجل في المتعة.
والتلامس من خاصيات الازدحام في المكان وهو يكون خاصة خلال الحركة فيه مع ما يتولد عنهما من الافرازات الناقلة.
ولا أرى تعليلا آخر لما يقال عن شيوع الفيروس فيهما إذ لم يخلق الفيروس لهما.
ويمكن الآن الانتقال من البحث في محددات تسارع العدوى إلى فرضيات البحث في شروط العلاج.
فلا اعتقد أن العلم الحالي يمكن من صنع فيروسات لكنه لا يلغي أن تكون الفيروسات من حيث هي سلاح قابلة للصنع بصورة ما.
فما يستطيعه العلم حاليا هو تحويل الموجود منها بالتدخل في نظامه الوراثي.
وهذا أمر يطبقه كل مزارع في تركيب الأشجار وفي تنويع البذور وفي تجويد أنواع الحيوان. وهو مساعدة التحول الطبيعي وليس خلقا من عدم للكائنات الحية.
ولما كنت ابن مزارع فإني قد جربت ذلك على تكريب الأشجار وكل الزيتون عندنا مركب على الزيتون “الجالي” أي الطبيعي الذي يصبح زيتونا لانتاج الزيت.
فإذا فهمنا ذلك فهمنا إمكانية التفكير في فرضيات تساعد على إيجاد العلاج. فينبغي أن نعتمد المسار العكسي في علاج الشكل الجديد من الفيروس المتحول.
فيكون فعل البحث هو دراسة الأصل الذي وقع التدخل في برنامجه الوراثي والانطلاق منه لفهم تحويله إلى فيروس جديد ثم نبحث في ما استعملناه لعلاج الأصل إن كان قد عولج ونطوره كما تطور الفيروس.
فبذلك نحد طريقة البحث في الحل انطلاقا من البحث السابق الذي أوصل إلى علاج الأصل: وهذا يمثل نصف الحل.
لان الفيروس المحول يبقى فيه أثر من الأصل حتما حتى وإن كان أشد وطأة ثم يضاف إلى العلاج السابق ما يناسب ما أضافه التحول للفيروس الجديد.
ويصبح العلاج قابلا لأن يكون بتحويل العلاج الأول بما يجعله قادرا على علاج الإضافة في برنامج الفيروس الجديد.
وقد لا يكون ذلك كافيا لكنه هو ما ينبغي الانطلاق منه على سبيل الافتراض.
فالتضاد في الفاعلية واحد.
لكن هذا المسار المنطقي ليس بالضرورة مطابقا للمسار الفعلي في الظاهرة نفسها. لكننا رأينا في نفينا لنظرية المعرفة القائلة بالمطابقة أن كل العلوم ليست ضامنة للتطابق بين العلاج في مستوى منطق المفاهيم ومجريات الأمور الفعلية في حقيقة الشيء التي تبقى دائما معلومة نسبيا وليس بإطلاق.
وليس لنا طريقة أخرى في فرضيات البحث العلمي.
فإذا كان الفيروس الجديد ناتجا عن تحويل فيروس سابق بقصد أو تحوله بذاته فإن المضاد للفيروس الأول أو علاجه قابل أن يتولد عنه بتحويل ما يكون مضادا للفيروس الثاني. وهي فرضية قابلة للاختبار.
وما يؤيد هذه الفرضية هو سلوك الفيروس أو حتى الجراثيم.
فهو في الغالب يتطور بذاته ليتصدى للأدوية التي تصبح غير مؤثرة فيه فيصبح عصيا على الدواء السابق إذا كثر استعماله ويتحول ليزداد صمودا أمام الدواء الذي يفقد فاعليته أو يفقد الكثير منها.
فيكون الفيروس نفسه قد أمدنا بالعلاقة بين رد فعله على الدواء والتحول الملغي لمفعوله. فإذا عكسنا الآن وجدنا فرضيتنا في العلاج معقولة.
ذلك أن التحول الذاتي للتصدي للدواء تحول طبيعي في الفيروس يمكن أن ندرس ميكانيسمه.
فنجعل تطوير الدواء السابق من جنس تطوير الفيروس القصدي بفعل فاعل كما في صنع الأسلحة البايولوجية أو تطوره الذاتي كما يحصل في رد فعله الذاتي على مفعول الأدوية. والحرب البايولوجية هي استعمال علم الأحياء في ما يستعمله الطب سواء كان ذلك للعلاج أو للتسميم.
والمعلوم أن الطب هو في آن علم الصحة وعلم المرض كما يعرفه ارسطو وكما هو فعلا. ومثله الغذاء فكلاهما فيه سر الحياة وسر الممات. وغالبا ما يكون صنع السم موازيا لصنع البلسم أو الانتيدوت: من منا لا محاولة قتل القائد مشعل في الأردن وكيف تم إنقاذه؟
وقد يظن الكثير أن طبيعة الفيروس في الاعلامية مثل طبيعته في علم الاحياء. وهذا غير صحيح من حيث الطبيعة وإن صح من حيث الوظيفة. ففي الاعلامية الفيروس من طبيعة البرامج الإيجابية.
إنه برنامج مثلها وله وظيفة مثل وظيفتها. في علم الأحياء توجد هذه الوظيفة لكن الفيروس يتجاوز البرمجة الصناعية إلى البرمجة الطبيعية. وشرطه الاخيرة أن تكون قادرة على “خلق” كيانات حية.
وذلك لم يحصل بعد في البرامج الصناعية: إنها من جنس ما تكلمت عليه في الزراعة أي تحويل كائن حي سابق.
يوجد فرق بين تطوير كائن حي من كائن حي أبسط إلى كائن حي أكثر تعقيدا وبين إيجاد كائن حي من عدم حتى لو كان بسيطا. لست واثقا من أن ذلك قد حصل فعلا.
ولا أستبعد أنه قد يحصل.
لكن ما يسمى بالاستنساخ ليس خلقا لكائن حي من عدم بل هو من جنس ما ذكرت في الزراعة انطلاق من كائن حي سابق لتحويله إلى كائن حي لاحق. وهذا صار ممكن منذ أن علمنا قانون البرمجة العضوية أو الآ دي آن.
واعتقد أن الحرب البايولوجية على نوعين مختلفين بالطبع منها ما يكون سلاحها بايولوجيا ومنها ما يكون سلاحها ذا مفعول بايولوجي دون أن يكون من طبيعة بايولوجية: مثل الأدوية القاتلة للنبات في الزراعة. فكل سلاح قاتل بايولوجيا يمكن اعتباره أداة حرب بايولوجية النتيجة لا العلة.
فالسبب هو كل شيء قاتل وخاصة السموم والمواد الكيمياوية القاتلة.
لكن إذا كان السبب بايولوجي فذلك ما يفاد بالسلاح البايولوجي عادة أي قتل الحياة بالحياة مثل فيروس كورونا.
وهذا يستمد من كائن حي قاتل. كسم الحية والعقرب.
لكن كل ما أقدمه هنا ليس من العمل في المجال بل هو باق في مستوى الفرضيات التي تهدي البحث. لكنها وإن لم تكن من العلم فهي من شروط البحث العلمي أيا كان مجاله.
العلم يضيف إلى هذا النوع من العلاج في مستوى النظر النتائج الفعلية الحاصلة في مستوى التجربة ويبحث تطوير النظرية لتمكن من تفسير التجربة أو حتى في بدائل منها إذا كانت قد بلغت حدا يفيد عجزها عن تفسير ما جد من معطيات تعجز عن تفسيرها.
ولهذه العلة فالأمريكان هم غالبا من يكتشف العلاج قبل غيرهم لأنهم متقدمون في المستويين النظري والتطبيقي. ذلك أن العلم في المجال عندهم هو حاليا في غاية البحث في العالم بحيث إن أقرب طريق لاكتشاف الحل تنطلق من آخر النتائج في المجال.
ففيه تتحدد الاحتمالات التي ينبغي امتحانها بالتجربة حتى يكتشف الحل.
وإذا كان الفيروس مصنوعا فمن صنعه يصنع معه علاجه. ولا أستبعد أن يأتي العلاج من امريكا وليس من الصين حتى وإن كان المرض أكثر انتشارا فيها.
فالصين ما تزال في البحث العلمي على قطعها أشواطا كبرى مقلدة أي إنها تسرع الخطى في امتلاك الموجود ولم تصل بعد إلى ما يتجاوزه إلى المنشود.
وما نلحظه في منتجاته المادية ليس استثناء بل هو الخاصية الاساسية في كل ما تنتجه بما في ذلك في العلوم.
وقد تسبق في تطوير الموجود إذا كان حاصلا لكن ذلك يبقى في إطار ما سبقت إليه في الغرب. وذلك هو رمز التبعية في أي مجال ماديا كان أو رمزيا.
ومعنى ذلك أن الحضارة الغربية ما تزال سيدة العلوم وتطبيقاتها.
مشكلنا نحن العرب والمسلمين أننا حتى في هذا النوع الثاني ما زلنا شديدي التخلف. لم نسيطر على قدر مهم من الموجود ناهيك عن التجاوز إلى المنشود. والعلة كما هو بين أننا منذ وهم “ام الدنيا” بأن محمد علي مثل ثورة ما زلنا نفكر مثل باشوات مصر.
ما زلنا نعتبر الحداثة هي في استيراد حصيلتها بدلا من تعلم ما أنتجها من ثورات فلسفية وعلمية وتقنية وخاصة تنظيمية لبعدي السياسة أي التربية والحكم كما بين ابن خلدون في نظرية العمران البشري وفي نظرية الاجتماع الإنساني وهما مستويان غالبا ما يقع الخلط بينهما.