فيروس الاذهان اخطر من فيروس الابدان


كتبت خمسة فصول حول الفيروسات وميزت بين نوعيها: الطبيعي الذي يصيب الأبدان والمناعة العضوية والحضاري الذي يصيب الأذهان والحصانة الروحية. ثم تكلمت على تفاعلهما لأن الإنسان لا يقاوم أيا منهما ولا يصمد أمامه إلا بهما معا.

فالمناعة العضوية تحتاج لسند الحصانة الروحية كما يعلم ذلك كل من له دراية بعلم نفس الأفراد والجماعات ودور الثانية في مقاومة الحروب النفسية بمعنويات الحصانة الروحية.

ولما كانت مقاومة الفيروسات الطبيعية لا تختلف عن الحروب بين البشر فإنها تحتاج إلى معنويات قوية هي ثمرة الحصانة الروحية.
فلا يمكن لأي مريض أن يعافى إذا فقد المعنويات التي تمكنه من المقاومة.

مشكل تونس اليوم أنها أصيبت بالفيروسين. فيروس الأبدان وهو يشمل العالم كله متقدمه ومتخلفه وليس خاصا بها.
والمعلوم أن تونس لا تستطيع إلا القيام بما يحد من انتشاره بمحاولة السيطرة على محفزات العدوى.

أما علاجه فكما هو بين من حال وضع البحث العلمي عندنا سيأتي من المجتمعات ذات النخب العلمية المبدعة والاستراتيجيات التربوية الناجعة والمتحررة من الخلط بين الحداثة وقشورها كما هي الحال عند “حداثيي” العرب الذين يأخذون كل شيء بالمقلوب فيعتبرون النتائج ممكنة دون مقدماتها أو المشروط دون الشرط.

وإذن فعلاج فيروس الأبدان لن يأتي من أي بلد إسلامي عامة ولا من أي بلد عربي خاصة. وليس هنا محل الكلام على علل ذلك.
وقد خصصت للأمر محاولات سابقة.
وآمل أن يفهم الحمقى من النخب العربية وخاصة التي تدعي الحداثة القشرية أن استحالة ذلك هي ثمرة تفتيت الأحياز كلها.

فتفتيت جغرافية المسلمين وتشتيت تاريخهم جعلا كل قطر محمية للمستعمر السابق ضمن حدود حديدية تحول دونه والتعاون على تحقيق شروط التنمية الاقتصادية الاجتماعية التي يبقى شرطها الأساسي والأول التنمية العلمية والتقنية.

وهذه التربية التي تعتبر العلوم وتطبيقاتها شرط شروط الحرية والكرامة في كل الأمم الواعية. فالحرية شرطها تنظيم علاقة البشر بعضهم بالبعض في التبادل والتواصل والكرامة شرطها تنظيم علاقة البشر بالطبيعة حتى لا يصبح سد الحاجات موضوع حرب بسبب الندرة.

ولعل تونس أبرز مثال على فقداننا شروط هذين الأمرين. فدخلها القومي الخام فضلا عن ميزانيتها حتى لو خصصته كله للبحث العلمي لن يكون كافيا لتحقيق التنميتين حتى لو افترضنا صلاح النخب فرضا جدليا خالص لأنه معدوم.

وتلك هي علة كونها متسولة في الرعاية وفي الحماية: هي محمية فرنسية وليست دولة فضلا عن استبداد مافياتها وفساد نخبها عامة والسياسية والنقابية خاصة: فجلها أدوات تستعملها المافيات لنهب البلاد واذلال العباد. وقد كان عندنا مقيم عام واحد فتضاعف لأن سفير إيران صار مثل سفير فرنسا له سلطان مطلق على راس الدولة.

ويبقى مع ذلك أمل استيراد علاج الفيروسات الطبيعية لما يكتشفها غيرنا إذ إن ألمانيا وأمريكا خاصة سيصلان إليه قريبا. لكن الفيروسات الحضارية التي اصابت النخب العربية خاصة والإسلامية عامة والتي هي الباطنية والماركسية وخاصة إذا اجتمعا فليس لنا أمل في علاج لها قابل للتوريد.

تونس اليوم في وضع قد يجعلها مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. لأن الفيروسين اجتمعا عليها كما هو بين من مشروع الرئيس الذي يجمع بين باطنيته وماركسية رفيقه مع فاشية حزب البراميل ويعقوبية حزب فرنسا والبسكلات وبقايا يسارية الصبابين الذين يستعملون الاتحاد للتخريب النسقي.

فإذا لم يفهم المخلصون من أبناء تونس وبناتها هذا الخطر الداهم فإن الخروج من أزمة فيروس الأبدان الذي يصيب المناعة الطبيعية لن يكون نهاية أزمتها بل لعله لن يحصل إلا وقد تردت أوضاعها إلى مستوى تصبح فيها مقاومة فيروس الأذهان الذي هو الحصانة الروحية شبه مستحيلة.

وآمل أن يكون ما قد يترتب على فيروس الأبدان الذي يهاجم المناعة الطبيعية موحدا للشعب التونسي فيحسم في مقاومة فيروس الأذهان الذي يهاجم الحصانة الروحية ليصلح ما وقع فيه من خطأ انتخاب رئيس لا يبل ولا يعل وليس له من دور غير التخريب والتحريض على قلب النظام.

فهو مجرد أداة لأعداء مناعة تونس وحصانتها لأن المشروع هو لبننتها لتكون قاعدة تتمكن بها فرنسا وإيران من غزو المغرب الكبير كله كما غزت إيران وروسيا الهلال كله بدأ بلبنان.

ولعل الخير الوحيد لأزمة كورونا أنها جعلت الشعب يدرك خطأه الجسيم إذ تبين أن الرئيس الذي اختاره لم يكتف بإفساد دور الرئاسة بل أفسد دور الحكومة ويريد أن يخرب دور مجلس النواب وقد يفسد أداتي فعل الدولة في مثل هذه الحالات أعني الامن والدفاع.

وهو قد يفسدهما بإحدى الطريقتين التاليتين:

  1. إما بتخريب عملهما
  2. أو بإيصال البلد إلى ما لا تحمد عقباه من شبه حرب أهلية. فيحقق ما كان الكثير من النخب الفاسدة ينتظره ودعوا إليه عديد المرات أي “البيان رقم 1”.

فالكثير منهم يدعو الجيش للتدخل في السياسة وقد يجدون في حجة فرض الأمن عندما يندفع ما يعده الرئيس وجماعته من مليشيات أو تنسيقيات على الطريقة الشيعية في الهلال وعلى الطريقة القذافية في ليبيا ما يجعل الشعب نفسه يصبح ميالا لهذا الحل.

وحينها لن تخسر تونس ثمرات ثورتها فحسب بل ستخسر حتى من ندين به للمرحوم بورقيبة من تكوين جيش وأمن جمهوريين لا يتدخلان في السياسة التي بقيت مدنية حتى في عهد ابن علي على فساده وطغيان مافياته.

ومعنى ذلك أن الوضع السياسي قد يصبح أفسد حتى مما آل إليه في أواخر عهد ابن علي.
ذلك أن فوضى المليشيات كما نراها في العراق أو في سوريا لن تترك أي إمكانية لحفظ النظام.

وفي بلد ليس له ثروات مثل العراق أو ليبيا فإن “الناس ستأكل بعضها أكلا”.
الله يستر تونس من فيروسات الأذهان.
فهي اعسر علاجا من فيروسات الأبدان.
وآمل أن تفهم نخب تونس السياسية أن الوضع خطير جدا.
ولست أبالغ إذا قلت إننا في لحظة حاسمة من تاريخ تونس.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي