فيديو الاستاذ صحابو، ما دلالته؟ ومن يهدد؟ وبماذا يهدد؟

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله فيديو الاستاذ صحابو

سمعت البارحة فيديو للأستاذ عمر صحابو معلقا على سياسة رئيس الجمهورية يبدو فيه ذا غيرة على تونس بحجتين أساسهما أحوال نفس حول أحوال نفس.

وأحوال النفس هي تأويله لموقف السبسي من بورقيبة (الانتقام) بدافع من موقفه هو من الإسلاميين (التهديد): فما يوجهه للسبسي من تهديد موجه لهم.

فمدار كلمته كلها يرد إلى ان السبسي بسبب موقفه اللاواعي من إهانات بورقيبة عقد الصفقة مع النهضة وعاد إلى قضية معيار السن للترشح للرئاسة.

وما يبين لكل من له ادنى دراية بالصفقات السياسية أنه يعتقد أنها زواج كاثوليكي: فالصفقات السياسية لا تدوم إلا بدوام علتها وتزول بزوالها.

لم يكن السبسي بحاجة للصفقة لأنه كان قادرا على فرض شروطه بعد ما حدث في مصر. لقاء باريس كانت النهضة أحوج إليه من النداء: تأويل صحابو غير بريء.

إنه تأويل يسلب فضل الرئيس- والكل يعلم أني لست من صفه لكني أومن بالإنصاف- في مجالين جعلاه يميل إلى تجنب الحرب الأهلية التي قدروا كلفتها.

الأول هو تحقيق التوازن السياسي بإنشاء حزب كان يعلم أنه هش ولا يستطيع من دون أن يصمد أمام حزب لا يقل تجذرا عن التجمع دون صورته السلبية.

ومعنى ذلك أن السبسي كان يدرك أن النداء حزب هش ليس لأنه جديد فحسب بل لأنه لم ينجح في افتكاك الحكم من الترويكا إلا بجمع كل أعداء الإسلاميين.

وكان يدرك بخبرته المعلومة للجميع أن الحرب الأهلية واردة ليس بين النداء والنهضة بل في النداء نفسه الذي تياره الاستئصالي يريد التفرد بالحكم.

وإذن فالسبسي لم يكن مضطرا للصفقة مع النهضة قبل التوافق لكنه اضطر إليه بعده لأنه يعلم أنه من دونه كانت تونس ستؤول إلى ما آل اليه النداء.

صورة النداء الحالية لو حكم مع اليسار لتمكن بمعية الاتحاد من الدخول في حرب مع التجمعيين ولأصبحت تونس صحابو في حرب أهلية دائمة بالإقصاءين:

  1. إقصاء التجمعيين بدعوى التخلص من بقايا النظام السابق بدعوى الديموقراطية

  2. وإقصاء الإسلاميين بدعوى التنوير ولأصبحت تونس محكومة بالحديد والنار

وأما المجال الثاني الذي لا ينبغي نكرانه فهو أن السبسي فهم أن ما فشل فيه بورقيبة وابن علي لن يستطيعه أحد بعدهما.

لا يمكن استئصال الإسلاميين.

فاستفاد من وضع الإسلاميين الدولي وهو لحظة ضعف يمرون بها لكي يحقق هدفين في نفس الوقت-توطينهم-وذلك ما يخشاه صحابو ومن وراءه ويهدد بإفشاله.

أما محاولة رد وضع تونس المتردي إلى الحلف بين النداء والنهضة فهي كذبة اخرى.

وينسى أمرين:

  1. التردي قبل الثورة

  2. علة التسارع بعدها.

ومن الانصاف الاعتراف بأنه لولا التوافق بين النداء والنهضة على سوآته لما حيل دون اخطار لا تقدر ولما حافظت تونس على الشروط الدنيا للدولة.

فالثورة كشفت عما تقدم عليها وعلل حصولها: أكاذيب التنمية الفترينية منذ ستين سنة فعرت المذابح. بعد الثورة كلنا يعلم من شل كل محاولة للنهوض.

أحوال النفس المعللة لموقف الرئيس من بورقيبة ليست مهمة وقد تعلل طموحا ذاتيا وسعيا للانتقام ولا تكفي لتعليل ما شرحت هنا وما كتبت فيه سابقا.

وخلاصة الفيديو هي التبشير بما يشبه الانقلاب لأن التهديد الذي وصل إلى حد مطالبة الرئيس بالاستقالة بحجة السن هي من أضعف الحجج وخاصة إذا احترم الدستور. فالرئيس في سلطته شبه رمزية لأن ما أعطي له من سلطات (السياسة الخارجية) ليست أمرا ثقيلا باعتبار وزن تونس الدولي.

وحجة أنه لم يعلن عن عدم الترشح في الدورة القادمة بخلاف ما يتوهم اعتبره من الحكمة السياسية. ذلك أن عدم الإعلان سيلجم الشروع من المعركة.

ورغم أنه لم يحدد موقفه بوضوح فالمعركة بدأت لكنها محتشمة وخوف صحابو وجماعته هو أن يتم التوافق على مرشح للرئاسية بين النداء والنهضة لحسمها.

وواضح اليوم أن كل “الزعماء” يسعون لتهدئة الجو لأن الكثير منهم يطمع في تأييد أحد الحزبين بحسب تحليلاته والأذكى ربما يفكر في توافقهما عليه.

وأخيرا فكل من يجعل القضية وكأنها شخصية اعتبره صاحب “نية مقعمزة” ولا تعنيه تونس ولا مستقبلها بل هو يقدم نفسه لأعداء قوتيها السياسيتين.

ذلك أن تونس من دون حلف صادق بين الحزبين المتفرعين عن حركة التحرير منذ البداية لا يمكن أن تنعم بالسلم وشروط التنمية والاعتدال الإيديولوجي.

وما أظن الأستاذ صحابو جاهلا بأن إمكانات تونس لا تجعلها قوة قادرة على البقاء من دون سلم طويلة وتوافق عميق بحلول وسطى بين الأصالة والحداثة.

ومن حسن حظ تونس أن زعيميها يجمعان بينهما:

– فالثعالبي اصيل لكنه لا يتنكر للحداثة.

– وبورقيبة حديث لكنه لا يتنكر للأصالة.

كلاهما مؤمن بتونس.

والفرق الوحيد بينهما هو رؤيتهما لشروط استقلالها: هل من شروط إمكانها الوصل مع العالم الإسلامي أم الوصل بالعالم الغربي. والتاريخ سيفصل بينهما.

اليوم هذه الإشكالية لم تعد مطروحة: لأن العالمين تداخلا بصورة لا فكاك عنها. لا يمكن لأي منهما أن يعيش في عالم اليوم من دون التعاون بينهما.

ومن مصلحة تونس أن تحافظ على دور الجسر بين العالمين المتكاملين وخاصة في حوض المتوسط لتقارب المقومات المرجعية الدينية والفلسفية.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي