فكر ابن تيمية الاصلاحي، ابعاده الفلسفية – الفصل الرابع

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله فكر ابن تيمية الاصلاحي

الفصل الرابع: المقالة الثانية كيف صار فعل التفلسف أمرا ممكنا

تمهيد:

يبين نقد ابن تيميه لفكر هؤلاء الأعلام الأربعة مرمي الميتافيزيقا أساسا للفلسفة المشائية والأفلاطونية والكلام المتفلسف والتصوف المتفلسف (ابن رشد والسهروردي والرازي وابن عربي) أنه كان مدركا للمآزق التي وصفنا في الحصة السابقة فكان فكره لذلك سعيا لإحياء الإصلاح المحمدي بمعناه النقدي للتحريفين الديني (في تحريف التوراة والإنجيل ) والفلسفي(في تحريف فلسفة أفلاطون التي صارت صفوية متخلفة وفلسفة أرسطو التي صارت مشائية متخلفة). كان عمله سعيا حثيثا لتأسيس ما بعد طبيعة بديلة من التحريف الفلسفي وما بعد تاريخ بديل من التحريف الديني مستمدا أصولهما من إعادة تأويل للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تأويلا يؤسس لشروط فهم الثورة الإسلامية ببعديها النظري العلمي والخلقي العملي. وهما سعيان يمكن إذا تحققا بحسب ما نحاول وصفه أن يخلصا الإنسانية من شرور العولمة التي كانت بينة منذ عصر بان تيميه وابن خلدون في فلسفة وحدة الوجود الطبيعي (عند ممثلي الفكر الفلسفي المشائي والصفوي) أو فلسفة وحدته التاريخية (عند ممثلي الفكر الديني الكلامي والصوفي) كما تعينتا عند هؤلاء الأعلام الأربعة.

لذلك فهذه الخاصية قد جعلت الفكر التيمي (والخلدوني) بالضرورة مصدرا مباشرا لفكر النهضة العربية الإسلامية الثانية منذ بدايات القرن التاسع عشر قبل نكوصها إلى المآزق التي آل إليها فكر النهضة الأولى نكوصا تعين خاصة في نتائج العوائق التي أشرنا إليها. فهذا المصدر لم يستعمل الاستعمال الفلسفي الجدير به بل اقتصر مستعملوه على فهم مقصور على ما فيه من أمور عرضية ناتجة عن التزام ابن تيميه بالفعل التاريخي ودخوله في المعارك المباشرة التي خاضها والتي هي ليست جوهر فكره الإصلاحي بل هي مجرد استجابة لمتطلبات الظرف. فكان موقف حركات الصحوة من فكره وحصرها إياه في هذه المعاني المباشرة جنيس موقف من يتصور معاني القرآن الكريم مقصورة على مدلولها عند نسبتها إلى أسباب النزول دون سواها مهملا بذلك المقاصد الكلية.

وبذلك يصبح مطلبنا في هذه المقالة الثانية أن نجيب عن الأسئلة التالية التي تصوغ الوجوه المتعددة من نفس الإشكالية: ما العلاقة بين نقد الفكر الفلسفي بفرعيه ونقد الفكر الديني بفرعيه؟ ولماذا كان اندماج الفلسفة في الكلام والتصوف بداية التطور الذي جعل علاج مسائل الحضارة العربية يصبح فلسفيا؟ وكيف آل هذا التطور فجعل علاج مسألة المنطق والميتافيزيقا عند ابن تيميه مثل علاج مسألة التاريخ وما بعد التاريخ عند ابن خلدون نقلة نوعية يصبح الفكر الفلسفي بمقتضاها ظاهرة غير أجنبية بل نابعة من الممارسة المعرفية العربية الإسلامية التي تجاوزت المقابلة السطحية بين العقل والنقل وبين الحكمة والشريعة؟

وطبعا فنحن سنكتفي بالبحث في مآزق المسألة النظرية لكون المسألة العملية ليست مطلوبنا الآن علما وأنها هي الدافع الحقيقي لكل بحوث ابن تيميه وأن نتائجها المؤثرة في النظر بينة ولا تحتاج إلى توضيح في هذه المحاولة الوجيزة. مدخلنا إلى فكر ابن تيميه الإصلاحي في مجال الفكر هو إذن معيار التطابق النظري بين صحيح المنقول وصريح المعقول الذي ليس هو سلبا إلا نفي الفصام بين الفكرين وإثبات وحدتهما في المجال النظري وما ينتج عنه في المجال العملي: إنه معيار درء التعارض بين العقل والنقل أو معيار عدم التعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول الذي يرد به ابن تيميه على معيار التأويل الذي صار واحدا عند ممثلي الفكرين بفرعيهما.

فدرء التعارض الذي يرد به ابن تيميه على معيار التأويل الذي انتهى إليه الكلام والفلسفة في الغاية هو في الحقيقة تسمية غير دقيقة لعملية ثورية تمثلت في السعي لتجاوز مصدر كل المآزق التي وصل إليها الفكر العربي الإسلامي المآزق الناتجة عما يشبه القول بثنائية المعرفة الإنسانية خاصية باطنة وعامية ظاهرة (العقل والنقل), وهو قول لا يمكن مواصلته بعد الثورة المحمدية التي ألغت الخصوصية الدينية فرفعت الفكر الديني إلى الكلية وألغت من ثم التنافي بين الدين الطبيعي والدين المنزل الخاتم من خلال المفهوم الجديد للدين الفطرة.

فتكون الثورة التي نزعم أن بذورها موجودة في فكر ابن تيميه متعلقة بمسألتين أولاهما طغت على ممثلي العقل والثانية طغت على ممثلي النقل: الأولى تتعلق بنظرية العلم خاصة وهي مسألة المقابلة بين التحليل والتأويل صورتين للمعرفة التي تنبني على نظرية الوجود القائلة بتركيب الجواهر من المقومات الصورية باستثناء الأعراض والثانية تتعلق بنظرية المقابلة بين الحقيقة والمجاز مادتين للمعرفة التي تنبني على نظرية في اللغة والوجود تقول بتركيب المعاني من الحقيقة أي المقومات أو الباطن دون المجاز أي الأعراض أو الظاهر.

والمعلوم أن ترتيب الشرف بين المسألتين يتغير بحسب الموقفين: فمسألة مقومات المعلوم هي الأساس من منطلق الفكر الفلسفي لكونها تعود إلى نظرية الوجود في الميتافيزيقا, ومسألة الحقيقة والمجاز هي الأساس من منطلق الفكر الديني لكونها تعود إلى نظرية نص الوحي الذي له منزلة نظرية الوجود في الفلسفة. وقد تبين في عصرنا أن المنطلق الثاني أسلم بمقتضى تعليل آخر غير التعليل الديني هو: تقدم نظرية اللسان على نظريتي الوجود والقيمة. ولما كان من المعلوم أن المتكلمين والفلاسفة والمتصوفة قد جعلوا نظرية الحقيقة والمجاز مطية لرد ما يسمونه ظاهر النص(المجاز) إلى ما يسمونه باطنه (الحقيقة) أعني ما توصلت إليه علومهم المزعومه عقلية فيصبح القرآن الكريم عرضة لتأويلات تحكمية كالعرش الذي يتأول سطح جرم السماء بالمعنى الأرسطي بات من اليسير أن نفهم لم كانت هذه المسألة مدخل ابن تيميه الرئيسي لكل ردوده عليهم ولم سنجعلها غاية محاولتنا.

الفصل الأول: العلاقة بين التحليل والتأويل

كان لرد ابن تيميه على الحل المشترك بين الفكرين الفلسفي والديني في مستوييه المعرفي (تحليل- تأويل) والوجودي (مقوم- حقيقة: عرض- مجاز) وجهان كلاهما مضاعف إذا نظر إليه كما تعين في الردود على المدرستين المزدوجتين الفلسفية المضاعفة (ابن رشد والسهروردي) والدينية المضاعفة (ابن عربي والرازي) ويصبحان متطابقين بفضل نفي ثنائية المعرفة الذي يسعى إليه ابن تيميه بتجاوز المقابلة وليس بالإرجاع ليكون التوحيد توحيدا فلسفيا يحقق ما دعا إليه الإسلام في نظرية الدين الكلي حيث يتطابق الدين المنزل الخاتم مع الدين الطبيعي العقلي أعني دين الفطرة:

1- فرع صراحة العقل ويتضمن صراحة المعرفة العقلية الخالصة وصراحة المعرفة العقلية المطبقة أعني ضربي الحقائق العقلية ممثلة بالصورة المنطقية والتجربة الطبيعية (الخصومة مع فرعي الفكر الفلسفي): إصلاح نظرية المعرفة العقلية والمنطق وما بعد الطبيعة والفلسفة الطبيعية. والهدف هو أن نعلم كيف عرف ابن تيميه طبيعة الحقيقة الطبيعية ليقربها من الحقيقة التاريخية التي هي غير الفلسفة العملية لكون هذه الفلسفة لم تكن عند علماء العقل مستندة إلى الخبر التاريخي بل كانت مستنبطة من الفلسفة الطبيعية أعني من مفهوم الإنسان وشروط وجوده الاجتماعية. ومن ثم فالشرائع ترد عندهم إلى الطبائع. فينحصر الأمر في مسألتين تخصان المعرفة التحليلية:

أ‌-المنطق الخالص أو صورة العلم التحليلية

ب‌-المنطق المطبق أو الصورة التحليلية ذات المضمون المستمد من التجربة الطبيعية

2- وفرع صحة النقل ويتضمن صحة المعرفة النقلية الخالصة وصحة المعرفة النقلية المطبقة أعني ضربي الحقائق الدينية ممثلة بالتاريخ والتجربة الخلقية (الخصومة مع فرعي الفكر الديني): إصلاح نظرية المعرفة النقلية والتاريخ وما بعد التاريخ والفلسفة التاريخية والعمرانية المبنية عليها. والهدف هو أن نعلم كيف عرف ابن تيميه طبيعة الحقيقة التاريخية لتقريبها من الحقيقة الطبيعية التي هي غير النظرية لكونها لم تكن عند علماء النقل مستندة إلى التجربة الطبيعية بل كانت مستنبطة من الفلسفة العملية ومفهوم الإله وشروط حرية الخلق. ومن ثم فالطبائع ترد عند علماء النقل إلى الشرائع. فينحصر الأمر في مسألتين تخصان المعرفة التأويلية:

أ‌-التاريخ الخالص أو صورة العلم التأويلية

ب‌-التاريخ المطبق أو الصورة التأويلية ذات المضمون المستمد من التجربة العملية.

والجامع بين الأمرين عند تجاوز التقابل الوهمي بين ضربي العلوم يتمثل في بيان أن طبيعة مادة المعرفة ليست هي المحدد لكونها في الحالتين قابلة للتوحيد تحت اسم الوظيفة التي تؤديها في المعرفة الطبيعية (المعطى المجرد) وفي المعرفة الخلقية (المعطى القيمة) فيكون المشكل هو كيف يتم نقلها من منزلة المعطى المهمل إلى منزلة المعطى المسور بالمعنى المنطقي للكلمة والمعطى المفهوم بالمعنى التأويلي للكلمة أو بصورة أوضح كيف يمكن الجمع بين صورة العلم التحليلية وصورة العلم التأويلية في صياغة مادة المعرفة طبيعية نظرية كانت أو تاريخية عملية, ثم كيف يمكن علاج المادة بعد ذلك. وهاتان المهمتان هما مهمتا المعرفة التي تستعمل نفس الآليات أعني آليات حصر المعطيات لتحليلها (بأدوات المنطق والرياضيات) وتأويلها (بأدوات التاريخ واللسانيات) سواء كانت المعطيات طبيعية أو خلقية لكون كلا منهما لا يخلو من مقوم الآخر. لذلك بات المشكل متمثلا في تخليص الفكر العربي من المقابلة بين الزعم القائل بان التحليل و الحقيقة يمثلان العلوم العقلية والتأويل والمجاز يمثلان العلوم النقلية. والتخلص النهائي من الفصل المؤدي إلى محاولات التوفيق اليائسة لا يكون إلا ببيان سطحية المقابلتين الناتجتين عن الشكل البدائي من نظرية العلم: المقابلة بين صورتي المعرفة (التحليل والتأويل) ومادتيها (الحقيقة والمجاز).

وبين أن المقابلة الأولى متقدمة معرفيا على المقابلة الثانية. وعلاجها لا يكون إلا بتجاوز المقابلة السطحية بين التحليل والتأويل. ويتضمن علاج هذه المسألة مستويين:

1- مستوى طبيعة المقابلة السطحية التي تدور حول أساسي نظرية البرهان الأرسطية, أعني الحقائق الأولية أساس نظرية القياس, والصور الجوهرية أساس نظرية الحد والجمع بينهما جمعا يؤسس لنظرية البرهان. ذلك ان المنطق من دون الجمع بين هذين المفهومين لا يمكن ان يستنتج حقائق يتصور قوانين استنتاجه لها هي عين قوانين صلاتها بعضها بالبعض خارج القول العلمي أولا ويتصورها مطابقة للوجود في ذاته ثانيا,

2- ثم مستوى ما ينتج عن ذلك من تساند متبادل بين التحليل والتأويل إذ إن كلا منهما ينطلق من الآخر وينتهي إليه كما سنرى وما يترتب على ذلك من ضرورة تجاوز المقابلة بين ضربي العلوم بحكم تحقق شرط التطابق بين صحيح المنقول وصريح المعقول.

المستوى الأول:

وبذلك يصبح كل نسق تحليلي في غير المقدرات الذهنية ذا منطلقات اختيارية تنتخب من أنساق المقدرات الذهنية- دون ان تكون تحكمية لكونها تختار بحسب الوظيفة التي جعلت لها: تفسير مجموعة من الظاهرات ( تقبل أن تكون تأويلا لتلك الأنساق الذهنية المقدرة ) توحدها ممارسة ما كالطب أو الفقه مثالي ابن تيميه المفضلين- وهو ما يعني أن التحليل ينطلق ضرورة من التأويل أعني تأويل الأمور التي تعتبر موضوعا لعلم ما والأمور التي تعتبر عناصر الشكل العلمي أعني الأمور التي توضع حدودا أولية وقوانين أو قواعد أولية يستنتج منها كل ما عداها تسليما فرضيا بان قوانين النسق المجرد الذي استعمل لتفسير ظاهرة معينة مطابقة لقوانين هذه الظاهرة التي تقبل أن تكون تأويلا لتلك القوانين المجردة.

فيكون التأويل -كما هو حقا- ليس إلا قراءة النسق في ضوء موضوع معين يعد أحد الأمثلة من البنية المجردة التي رمز لها بالنسق موضوعا نؤول النسق به. وبذلك يتبين أن التأويل ليس ضديد التحليل بل هو أساسه إذ هو بما هو تأويل سابق عليه سبق شرط انطلاقه. ويتبين كذلك أن التحليل ليس ضديد التأويل بل هو كذلك أساس التأويل اللاحق لكوننا في غاية العملية التحليلية كما في بدايتها لا بد من القيام بعملية المناظرة بين النسق المجرد والموضوع الذي نفترضه مثالا منه فنستعمله لتفسيره به. والجدل بين الشكل الذي نفسر به المضمون والمضمون الذي نؤول به الشكل يعود في الحقيقة إلى الجدل بين التحليل والتأويل في كل العلوم سواء كانت تسمى نقلية أو عقلية بالمصطلح التقليدي أو إنسانية وطبيعة بالمصطلح الحالي.

المستوى الثاني:

ومن ثم فضربا العلوم يشتركان في كل الأمور التي يتحدد بها الشكل العلمي الذي هو شكل مضاعف في كلتا الحالتين والذي يحاول ابن تيميه تحقيق ثورة فيه تمكن من تجاوز نظرية العلم الموروثة عن اليونان ونظرية الوجود التي تسندها والتي تنبني عليها في الوقت نفسه:

1-الشكل التحليلي الخالص أو علم المقدرات الذهنية بلغة بان تيميه: من هنا مراجعة منطق شكل القول العلمي أو البنية التحليلية التي لا بد منها في كلا العلمين العقلي والنقلي بفضل مراجعة مفهوم الحقائق الأولية ومفهوم الضرورة المنطقية.

2-الشكل التحليلي المطبق أو علم الموجودات الفعلية بلغة ابن تيميه: من هنا مراجعة منطق صياغة المادة لتقبل العلاج بالبنية التحليلية التي لا بد منها في كلا العلمين العقلي والنقلي: نقل المعطى من كونه معطى خاما إلى كونه معطى علميا يندرج في نظرية ما بوصفه موضوعا لها أو تأويلا معينا لبنيتها المجردة إذا كانت النظرية متقدمة الوجود على تعميمها على هذا الموضوع أعني إذا لم تكن النظرية قد صنعت له خصيصا وبالتدريج بفضل مراجعة مفهوم الحقائق النظرية ومفهوم الدليل العلمي.

وإذن فالعلوم النقلية لا تختلف عن العلوم العقلية إلا بالمادة إذا صح أن علمنا بالمادتين يكفي للجزم بذلك، إذ لا شيء يثبت أنهما في ذاتهما مختلفان كما نتصور خاصة والقرآن الكريم ينفي هذا الاختلاف بين الطبيعي والشريعي. وهما قد يشتركان في المادة إذ إن علوم النقل يمكن أن تعالج أمور الطبيعة التي كانت شبه حكر على الفكر الفلسفي وعلوم العقل يمكن أن تعالج أمور الشريعة التي كانت شبه حكر على الفكر الديني. ومن ثم فهما لا يمكن أن يكونا متنافيين من حيث العلمية (إذا قصدنا بها تحليلية الصياغة وتحليلية الاستدلال تفسيرا وتأويلية البداية والغاية فهما) حتى عندما يشتركان في الموضوع، علما وأن ما في العلوم النقلية الصحيحة من حقائق معلومة لا تتعلق بالغيب لكون الغيب لا يعلم لا نقلا ولا عقلا، إذ هو محجوب حتى على الأنبياء ولا يعلمه إلا الله. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى ما في العلوم العقلية الصريحة من حقائق. فلسنا ندري ما هو سر كون حقائق الأشياء الطبيعية هي ما هي. ولعل ذلك هو غيب الطبيعة المناظر لغيب الشريعة. ولعل وحدتهما الحقيقية لا تدرك إلا في هذا الجزء الغيبي منهما.

وإذن فالمعلوم من النقلي لا يمكن أن يكون معلوما بحق بغير العقل ومن ثم فهو من حيث الشكل العلمي عقلي. والمعلوم من العقلي لا يمكن أن يكون معلوما منه بحق غير المعطى الذي هو بالطبع غير العقلي وإلا لما كان لمحاولة جعله عقليا معنى. ومن ثم فهو من حيث المضمون العلمي عقلي، إذ ليس للإنسان غير العقل يعلم به وليس للعقل أن يعلم بحق إلا ما هو معطى ليكون مادة للجعل عقليا. وهذا المعطى يمكن أن يكون طبيعيا ويمكن أن يكون غير طبيعي مثل التاريخي أو الشرعي، وهما من المنظار الإسلامي طبيعيان أو فطريان. وكل المعطيات التسليم بوجودها إيماني وليس عقليا حتى وإن ظن الفكر الغفل أن التسليم بالمعطى الطبيعي يبدو أكثر “طبيعية” من التسليم بالمعطى الخلقي والديني. لكن ذلك لا يغير من طبيعة الإعطاء في الحالتين: فبادئ الرأي ليس حكما في هذه الأمور.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي