فكر ابن تيمية الاصلاحي، ابعاده الفلسفية

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله فكر ابن تيمية الاصلاحي

تنبيه مدير الصفحة: هذه مقالة للأستاذ أبي يعرب شارك بها في ندوة منذ أكثر من عقد حول فكر ابن تيمية الإصلاحي يوم كان الكلام على ابن تيمية في البلاد العربية العلمانية يعد من الجرائم أو يكاد. نعيد نشرها اليوم إنصافا للرجل ضد الحمالات الدنيئة التي يتعرض لها فكره خاصة وقد عم هذا الموقف من ابن تيمية حتى في البلاد التي يظن أنها ثقافتها منتسبة إلى فكره. وما كنا لنفعل لو كان الرجل ذا حظوة عندهم لأن ذلك كان سيظن تقربا من السلطان وليس خدمة للحقيقة. إقدام أبي يعرب على هذا العمل وقبله في رسالته في الكلي عنده مثلهما مثل بحثه عن الغزالي في بيئة تحمله مسؤولية تأخر الفكر العربي (سخافات اليساريين العرب) كان دافعه خدمة العلم مع شيء من التحدي للسائد. ونفس الأمر حصل في رسالته عن الرياضيات عند ارسطو الذي كان يظن معاديا لها. التمهيد والخطة: السؤال الذي نبحث له عن جواب هو: هل يقبل ما في فكر ابن تيميه من بذرات فلسفية غير نسقية ومشتتة في كتاباته القراءة الفلسفية التي ألغتها القراءة السلفية عندما جعلت أقصى ما يمكن أن يؤول إليه فكره هو مجرد إصلاح فقهي لا يرقى إلى الإصلاح الديني التام لكونه يدعو إلى حصر الوجود التاريخي الحي في تقليد السلف ملغية بذلك ذرى الفكر الإنساني التي تتحد فيها التجربة العقلية أو التفلسف والتجربة الروحية أو التصوف؟ ما نريد أن نعلمه هو: هل كان ابن تيميه مجرد مصلح فقهي يقتصر فكره النقدي للفكر الفلسفي بفرعيه المشائي والصفوي والفكر الديني بفرعيه الكلامي والصوفي على مجرد الخطة الكلامية المتمثلة في إفحام الخصوم بإلزامات جدلية هدفها الوحيد الدفاع عن نوع من السلوك يعالج الأمور الإنسانية بمنطق سد الذرائع فينتهي إلى بتر كل أعضاء العقل المبدع؟ أم هل إن أعماله تمثل- كما هي فرضيتنا في هذه المحاولة- منجما ثريا من الفتوح النظرية الثورية التي تجعله فيلسوفا كبيرا يحاول علاج مآزق الفكر العربي الإسلامي التي اجتمعت كلها في مأزق رئيسي هو الفصام الذي لا زلنا نعيشه إلى اليوم والذي جعل ثقافتنا مصابة بداء ازدواج الشخصية أعني مؤلفة من ثقافتين تعيشان “حربا باردة” دائمة بين العقل وعلوم الدنيا والنقل وعلوم الآخرة والمحاولات العقيمة للتوحيد بينهما توحيدا خارجيا وشكليا؟ والمعلوم أن العداء بين ممثلي هذين المقومين قد ألغى كل تعليم جدي للعلوم العقلي في نظامنا التربوي خلال نهضتنا الأولى فجعله شبه مقصور على علوم النقل وبعض أدواتها من علوم العقل التي حصرت في أدنى درجاتها بحجة أن الأدوات لا فائدة من تجاوز ما ينفع منها في هذه الوظيفة لكأنها عديمة القيام الذاتي خارج هذا الاستعمال. كما أصبح نظامنا التعليمي اليوم شبه مقصور على علوم العقل والدنيا وبعض أدواتها حصرا لعلوم النقل في عموميات لا تسمن ولا تغني. لذلك كان كل الفلاسفة في نهضتنا الأولى عصاميين. فلا أحد منهم تلقى فيها تعليما نظاميا بحق في النظام التربوي الإسلامي، لكون بقايا المدارس والأديرة المتقدمة على الإسلام أو التعلم العصامي لا يمكن أن تستند إليها نهضة فكرية جدية. والمعلوم أن الجامعات الغربية التي نشأت بداية من منتصف القرن الثالث عشر للميلاد لم تقع في هذا الخطأ الفادح. لذلك فهي قد تمكنت بفضل تعليم كل العلوم نقليها وعقليها تعليما نظاميا من تحقيق ما نطلق عليه اسم العلوم الحديثة. ويكاد الفكر الديني الذي يرقى إلى المستويات الكونية يصبح اليوم في نهضتنا الحالية عصاميا كذلك لكون جل الجامعات الدينية جمدت إن لم تشطب أو حدثت تحديثا ممسوخا كما حصل للزيتونة بخلاف ما عليه الشأن في الجامعات الغربية كذلك وخاصة ما اختص منها في الدراسات الدينية. ويعني ذلك طبعا أن بذرات الفكر الفلسفي في أعمال ابن تيميه ليست عملا فلسفيا ناجزا بسبب ما يغلب عليها من أسلوب الفتوى والأجوبة الظرفية المرتجلة، رغم كوننا لا ننكر وجود بعض الأعمال النسقية ذات النفس الفلسفي. فبذرات فكره الفلسفي تعبر عن مشروع ذي نفس فلسفي لم يكتمل لا في بعده السلبي ولا في بعده الإيجابي، أعني في نقده الفكرين بفرعيهما وفي الحلول البديلة التي قدمها. لذلك فنحن نقترح الخطة التالية للجواب عن سؤالنا، مقدمين للبحث بضرب مثال واضح مما نريد إثباته حول نوع الإصلاح النظري المقصود. وهذا المثال هو ما فعله ابن خلدون بالنسبة إلى العلم الأداة الرئيسية فيما كان يسمى بعلوم النقل تجازوا للتقابل بينها وبين علوم العقل في مجال العلوم الإنسانية كلها باعتبار هذا العلم الأداة يؤدي دور العلم الرئيس أو السيد في نسق العلوم التي موضوعها الظاهرات الإنسانية عامة والتي تؤدي دور العلوم المساعدة لتحقيق علمية التاريخ. فابن خلدون لم يصنف التاريخ بين ضربي العلوم التي أرخ لها في الباب السادس من المقدمة لكونه فعلا لم يكن منتسبا إلى أي منهما رغم وجوده عند علماء العقل وعلماء النقل بل وهو قد كان أهم أدواتهم. لكن ابن خلدون جعل مشروع المقدمة متمثلا في تحقيق شروط نقل التاريخ إلى العلمية العقلية أو الفلسفية بتأسيس منهجه النقدي للخبر على علم متقدم عليه تقدم الشرط على المشروط هو علم العمران البشري والاجتماع الإنساني. وهذا العلاج لا نجد له مثيلا صريحا عند ابن تيميه رغم كون فتوحاته النظرية يمكن أن تعد من نفس الجنس الذي تنتسب إليه الفتوحات الخلدونية. وقد قال ابن خلدون في وجوب نقل علم التاريخ الابستمولوجية من منزلة العلم النقلي إلى منزلة العلم العقلي منذ مفتتح التصدير:” إذ هو (التاريخ) في ظاهره لا يزيد عن إخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول تنمو فيها الأقوال وتضرب الأمثال وتطرف الأندية إذا غصها الاحتفال وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال واتسع للدول فيها النطاق والمجال وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال وحان منهم الزوال وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق”[1]. ولعل من مؤيدات هذه المقايسة المحاولة الصريحة التي قام بها ابن قيم الجوزية في مصنفه نقد المنقول الذي سعى فيه إلى تجاوز منهج التجريح والتعديل أو النقد الخارجي إلى النقد الداخلي مستندا إلى معايير كلها عقلية خالصة مثل التناسق مع وقائع التاريخ التي يتعلق بها المنقول ومثل التناسق مع القرآن الكريم والتناسق مع سلوك الأنبياء في الأقوال والأفعال الخ.. ونحن سنجيب عن الأسئلة التي طرحناها من خلال إرجاعها إلى مسألة واحدة هي مسألة التوحيد بين علمية علوم النقل وعلمية علوم العقل من دون أن ننسى أن ذلك يمكن أن يحقق نصف المطلوب. فقد يكون التوحيد بين ضربي العلوم حصرا لها في أحدهما فيرد المعرفة الإنسانية إلى العلوم النقلية وحدها أو إلى العلوم العقلية وحدها وبمعناهما التقليدي كما تذهب إلى الرد الأول القراءة السلفية لفكر ابن تيميه وإلى الرد الثاني القراءة الوضعية لفكر ابن خلدون. لكن ذلك مستبعد لكون وضعية المعرفة قبل هذا التوحيد الفلسفي بتجاوز التقابل هي وضعية التوحيد السلفي ووضعية الرد الوضعي بالرد المتبادل. وهي وضعية حاصلة من دونه مما يجعل تحقيقه يستهدف التحرر منهما. وتعود مسألة التوحيد الفلسفي بتجاوز التقابل بين ضربي العلوم إلى هذه المسألة الواحدة: مسألة تحديد الشروط الضرورية والكافية للمعيار الذي رد به ابن تيميه على الفكرين الفلسفي والديني اللذين كانا سائدين في عصره من خلال ممثليهما الأربعة المشهورين: ابن رشد والسهروردي وابن عربي والرازي، أعني معيار درء التعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول. فابن تيميه وضع هذا المعيار لكنه لم يتساءل صراحة عن شروطه الضرورية والكافية رغم كون هذا التساؤل هو الذي كان يمكن ان يوحد كل الإرهاصات الفلسفية الثورية التي ننسبها إليه. والأسئلة التي لم يسألها ابن تيميه صراحة رغم تضمن معياره لها هي: ما الذي يجعل صحيح المنقول وصريح المعقول لا يتعارضان؟ هل هما يصبحان من طبيعة واحدة بعد جعل أولهما صحيحا وثانيهما صريحا ؟ وكيف نعلم الصحيح والصريح أو كيف نخرج صحيح المنقول من المنقول عامة من دون تحقيق شروط علمية التاريخ وصريح المعقول من المعقول عامة من دون تحقيق شروط علمية المنطق؟ وبصورة سالبة ما هو المنقول غير الصحيح والمعقول غير الصريح: أليس هو في الحالتين ما يمنع المعرفة التاريخية والمنطقية من أن تكون علمية؟ وما هو العلم المتقدم على الفصل بينهما والممكن من إدراك الواحد فيهما أعني ما يجعلهما لا يتعارضان سلبا ويتطابقان إيجابا؟ أهو من جنسهما أم هو ضرب جديد من العلم متقدم على تقابلهما اللاحق ومتعال عليه؟ تلك هي الأسئلة التي لم يسألها ابن تيميه وكان يمكن لو سألها أن يتجاوز مرحلة التفلسف السلبي إلى مرحلة التفلسف الإيجابي الذي حصل حصولا صريحا عند ابن خلدون في مجال البحث عن شروط علمية المعيار الأول أعني صحيح المنقول. وبذلك تكون دراستنا لدور ابن تيميه الإصلاحي في المستوى الفلسفي مؤلفة من مقالتين كلتاهما تتضمن فصلين بحسب المخطط التالي: المقدمة: تحديد المطلوب في هذه المحاولة. المقالة الأولى: كيف صار فعل التفلسف أمرا ممكنا: الفصل الأول: عوائق قراءة فكر ابن تيميه قراءة فلسفية الفصل الثاني: مآزق الفكر العربي الفلسفي والديني وتدرجهما في التجريد التنظيري المقالة الثانية: بذرات الحلول التي يقدمها ابن تيميه الفصل الأول: تجاوز المقابلة بين التحليل والتأويل. الفصل الثاني: تجاوز المقابلة بين الحقيقة والمجاز. الخاتمة: نسق المذاهب التأويلية في الفكر العربي الإسلامي (مع الهوامش)

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي