غاية نضوج الشكل الدستوري في الدولة الإسلامية



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



تمهيد

قسم ابن خلدون بصورة واضحة وظائف الدولة الإسلامية في شكلها الأخير الذي بلغت إليه عند اكتمال نضوجها
فميز انطلاقا من وصف موضوعي للمؤسسات في آخر أشكالها الذي عرفته الدولة الإسلامية إلى حد عصره بين :

  • المؤسسات التي تتبع الخليفة : السلطة الرمزية والخلقية او بلغتنا الحديثة رئاسة الدولة.
  • المؤسسات التي تتبع السلطان : السلطة الفعلية أو بلغتنا الحديثة رئاسة الحكومة.

وقد اعتبر مجموع هذه المؤسسات وافية بوظائف الدولة الإسلامية.
وعلل تحليله بنوعي الوازع اللذين يتكون منهما الحكم الذي يتصف بالشرعية:

  • الوازع الخلقي الروحي ويسميه الوازع الذاتي الذي يجسد ضمير الجماعة في باطن الفرد دون حاجة لقوة خارجية وفي مؤسساتها المتعالية على الصراعات السياسية.
  • الوازع السياسي الدنيوي ويسميه الوازع الأجنبي الذي يجسد قوة الجماعة التي تتعين في السلطة السياسية والتي تحقق الشرط الثاني للسلطة أو ما يسمى بالقانون ذي الشوكة (بلغتنا الحديثة العنف الشرعي للدولة).

والجمع بين هذين النوعين من السلطان ضروري في أي دولة مهما كانت بدائية (الوازع الذاتي وهو الضمير بلغتنا الحديثة والوازع الخارجي وهو الوازع القانوني بلغتنا الحديثة).
ذلك أن الإنسان يمكنه أن يتحايل مع الوازع الأجنبي أما التحيل مع الوازع الذاتي فمستحيل (إلا ربما بمعنى تحيل اللاوعي).
ثم أضاف ابن خلدون إلى الصنفين بعض المجالات المشتركة بينهما لما سنرى من العلل الإجرائية الناتجة عن الحاجة إلى الجمع بين السلطانين الرمزي والفعلي في كل دولة كذلك :

توزيع المؤسسات بين السلطتين

خطط الخلافة الخالصة: خمسة.

  1. إمامة الصلاة (وكل العبادات بحسب المجتمعات).
  2. التعليم الديني والفتيا :تكوين الإنسان الروحي والخلقي وقيادة الرأي العام الديني والقيمي الخلقي.
  3. العدالة : توثيق العقود والزيجات والالتزامات من أجل حفظ الحقوق وتيسير التقاضي عند الحاجة.
  4. الحسبة : الأخلاق العامة وحماية المستهلك ورعاية المجال العام وحماية البيئة الطبيعية والمدنية.
  5. السكة : صك العملة ومراقبتها لئلا تكون خاضعة لتحكم السلاطين.

خطط السلطنة الخالصة: خمسة

  1. الإمارة : رئيس السلطة التنفيذية غير المباشر.
  2. الوزارة : مدير السلطة التنفيذية المباشر.
  3. الحرب : الدفاع عامة.
  4. البريد : الاستعلامات الداخلية والخارجية.
  5. الخراج : مالية الدولة.

خطط مشتركة بين الخلافة والسلطنة

وقد ذكر منها ابن خلدون إثنتين وأهمل اثنتين.
ويمكن أن نضيف إليها خطة خامسة وردت ضمنيا في تحليل ابن خلدون.
ويمكن اعتبار هذه الخطة الخامسة ممثلة للرأي العام والمجتمع المدني لكنها جزء من السلطة.
والدولة بالمعنى العام هي كل السلط المعنوية والفعلية بما فيها التي تتوسط المجتمع المدني والرأي العام (كالإعلام في عصرنا ودور المثقفين والبحث العلمي من بين أدوات السلطة السياسية في الحكم والمعارضة) :

خطتان مشتركتان بين الخليفة والسلطان فصل بينهما ابن خلدون

  1. الأولى هي القضاء: وهي خلافية من حيث الحكم القضائي وسلطانية من حيث تنفيذ الحكم.
  2. الثانية هي الشرطة: وهي خلافية من حيث التبعية للقضاء وسلطانية من حيث التبعية للتنفيذ.

والملاحظ أن الوظيفة الثانية -الشرطة- هي عكس الوظيفة الأولى القضاء :

  • ذلك أن الشرطة يتقدم فيها التنفيذ على القضاء الذي تعد إليه لأنها وقائية (طبعا في إطار القانون).
  • والترتيب هو العكس في القضاء فالحكم متقدم على التنفيذ.

ومن ثم فلا بد من التعاون بين ممثل رمز الشرعية وممثل قوة الشرعية.

خطتان مشتركتان بين الخليفة والسلطان ذكرهما ابن خلدون جزئيا

  1. وتوجد خطتان أخريان مشتركتان لم يذكرهما ابن خلدون رغم أنه ذكر أحد وجوه أولاهما ونسبه إلى السلطان أعني الحرب. فهو لم يذكر وجهها الثاني أي الجهاد واقتصر على الحرب لأن الجهاد مشترك بين الخليفة (شرعية الرمز) والسلطان (شرعية الفعل). ولعل السبب هو أنه يتكلم على آخر مراحل الخلافة التي أصابها الوهن ولم تعد مسؤولة عن الجهاد الذي أصبح مجرد حرب يخوضها السلاطين. وهي في الغالب حرب في ما بين السلاطين وليست جهادا للأعداء ومن ثم فهي لا تقبل التشريف باسم الجهاد.
  2. كما ذكر أحد وجوه ثاينتهما وهي مالية الدولة وأهمل ذكر مالية المجتمع المدني أو الأوقاف التي هي تابعة للخليفة لأنها طوعية وتنتسب إلى الصدقات لكنها تتبع السلطان لأنها ذات صلة بمالية الدولة (مثل الميزانية الاجتماعية في الدولة الحديثة) بنحو ما إذ فيها تجاوز لسلطة السلطان من حيث جعل المال الموقوف محميا بالدين من تسلطه. وقد يتقرب السلطان من الجماعة بالأوقاف والعناية بدورها (في المجتمعات الحديثة: كتخفيض الضرائب أو كتشجيع الجمعيات الخيرية بطرح التبرع من الضرائب إلخ..).

وفي الجملة فإن

  • الغالب على قوة الشرعية الوضع والمصلحة
  • والغالب على رمز الشرعية الشرع والأخلاق

وهذا هو آخر ما بلغت إليه مؤسسات الدولة الإسلامية كما لخصها ابن خلدون في مقدمته.

الخطة التي لم يذكرها ابن خلدون

أما الخطة التي لم يذكرها ابن خلدون ويمكن أن نضيفها -لأن عدم ذكره لها في تقسيم الخطط لا يعني أنه غافل عنها- فهي خطة كان من المفروض أن تكون دور الاجتهاد في التجديد المذهبي لمرجعية الدولة أي في فهم المرجعية.
وهو لم يذكرها لأنها اندثرت أو بقيت مجهولة الدور المؤثر بسببين:

  1. الأول هو أن الخلفاء لم يعودوا مجتهدين بل اصبحوا أميين كجل حكام العرب من عصر الانحطاط إلى الآن.
  2. الثاني هو أن السلاطين اصبحوا مستبدين وفاسدين ولا يعترفون إلا بفقه يبرر أفعالهم على حساب الشرع.

وهذه السلطة بقي منها شيء لدى بعض الشخصيات البارزة -مثل من يوصفون بمجددي الدين على رأس كل قرن- من الفقهاء والعلماء.
لكن هذه المؤسسة فقدت دورها.
وهي من المفروض أن تكون تابعة للخليفة بقدر تبعية السلاطين له:
أي بقدر تبعية السياسي الفعلي للخلقي والرمزي.

وهذه الخطة موجودة في الدولة الحديثة ولم تعد بشكل خفي.
فهي تتمثل في مراكز البحث الاستراتيجي في مجالات السياسة التي سيأتي تحديدها نسقيا ومثل دور الجامعات والمؤسسات الدراسية التي توجه سياسات أصحاب القرار في كل دولة متعضية وذات مؤسسات فاعلة.

نسبة هذه الخطة من حيث التأثير إلى الخلافة كنسبة أصحاب المال ومعتبري الزمان إلى السلطنة من حيث الدور في تحديد توجهات السياسة في أي دولة حديثة بل وفي كل دولة مهما كانت بدائية حتى وإن كان مفهوم الأعيان أو معتبري الزمان متغيرا من حيث وزن الدور (يمكن أن يكون للعلم و للخبرة أو للاقتصاد والثروة أو حتى للقوة العسكرية والتأثير في الراي العام كرموز الرياضة أو الفن إلخ..) .

وكان الإسلام يعترف بما يشبه ذلك وتسمى المؤسسة مؤسسة أهل الحل والعقد من العلماء الكبار وأصحاب الأعمال والتجار وكبار المالكين حتى يكون السلطان الفعلي والرمزي في آن واضح المصادر فيتحرر من العمل الخفي للوبيات قدر الإمكان.



يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي