عودة الفلسطيني الرمزية، موقفي منها وكيف تصبح مؤثرة – الفصل الثاني

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله عودة الفلسطيني الرمزية موقفي منها وكيف تصبح مؤثرة

وفضل هذا الخير العميم مضاعف: 1. أولا لم يبق لأغراض الكلام الخمسة السابقة أدنى معنى. وكل كلام فيها مضغ لكلام أجوف هو الى الهزل أقرب من الجد. لذلك فالتلاوم فقد معناها لأن الجميع اعترف علنا بالتطبيع مع بل وبالاحتماء بها من كلا الصفين حتى الذي يدعي الممانعة فهو بدا يطلب وساطة أوروبا. 2. ثم قريبا جدا سيصبح المعلقون حول هذه الاغراض فاضين شغل ومعطلين ولن يبقى من شغل إلا للطبالين ومسوغي هذه الرؤية الجديدة للثورة المضادة التي علمت أن الخطر الوحيد الذي يتهددها هو نجاح الثورة في الاستحواذ على قلوب شعوبهم التي لم يعد لهم القدرة على رشوتها بالمكرمات لإسكاتها. فالمكرمات ذهبت إلى باب “الجزية” لترومب وصهره فضلا عن أزمة البترول وشراء الضمائر ومساندة الانقلابيين في مصر واليمن وليبيا وسوريا وحتى في تركيا وتونس. فلم يبق للشعوب إلا أن تحس بما تحس به الشعوب التي ثارت والوضع الذي وصفته بوضع فلسطين: ضفة وغزة. وحتى هذا الوضع لم يعد يكفيه. فهو يريد من الضفة أن تعترف بما اعترفت به الانظمة والتخلي النهائي عن أدنى المطالب. ومن ثم فحتى ما كان بوسع حكام الضفة استعماله جنيس مكرمات الأنظمة سيجف وقد بدأت أمريكا بهذا التجفيف للضغط. ومن ثم فهم سيوحدون الشعب الفلسطيني أكثر من قياداته. وفي هذا الإطار سأسمح لنفسي باقتراح استراتيجية على الشعب الفلسطيني الذي سيوحده ترومب بمحاولة فرض الاستسلام على الضفة مثل الانظمة التي استسلمت واعترفت بالحماية الإسرائيلية الامريكية. وهذا عندي تقدم مفيد جدا لأنه يدل على أن ما سيأتي ليس للشعوب فيه عذر اتهام الانظمة بالخيانة. فمن يعترف لا معنى لاتهامه بما اعترف به. وإذن فلنقلب الصفحة ولتتحمل الشعوب مسؤوليتها وهي بداية التحرر الفعلي الذي كان لثورة الشباب بجنسيه الفضل بعد الله. وهو ما يقتضي البدء من رأس لإعادة النظر في الاستراتيجيا التحريرية (من الاستعمار) المصاحبة للاستراتيجيا التحررية (من الاستبداد). فالمعركتان أصبحتا معركة واحدة: استسلام الأنظمة بصنفيها القبلية والعسكرية واحتمائها بإسرئيل وأمريكا ليس من إيران وروسيا -لان هذين نفسيهما في طريقهم إلى نفس الاستسلام للظن أنهم انجزوا المهمة المنتظرة منهم أي تصفية ما يمكن أن يكون قوة في الإقليم-يجعل المعركة معركة الشعوب مباشرة. ولا يمكن لأي شعب أن يقود ثورة من دون شرطين: 1. استراتيجية طويلة النفس للوصل بين الهدف البعيد والمراحل الموصلة إليه بحسب ما يقتضيه تحقيق شروطه. 2. قيادة مدركة لشروط العصر في العمل على علم لإدارة المعركة من البداية إلى الغاية ببعديهما اللطيف والعنيف والاول أعسر من الثاني وأعمق. فالمعركة اللطيفة أعسر من المعركة العنيفة لأنها تمهد للنصر فيها. فكما بينت في محاولة سابقة عدلت فيها نظرية كلاوسفيتز في الحرب هي قلب الحرب الحديثة. لذلك ضاعفت مرحلتيها الاولى والثانية وقلبت الترتيب بصورة تجعل الأخيرة هي الاولى والاولى هي الاخيرة وتمر بالمراحل الثلاث الواصلة بينهما. واعتقد أن أول دولة في العالم رغم حجمها وقوتها تطبق هذه النظرة في العلاقة بالولايات المتحدة عملاق العصر هي الصين ربما بالاعتماد على فيلسوف الحرب الصيني الذي فهم هذه القضية قبل جميع الاستراتيجيين: كيف تجعل العدو يهدم نفسه بنفسه بمنطق الجودو وجعل المعركة تقع عنده بدلا من عندك. فالثابت أن الصين أقوى من المسلمين مجتمعين فضلا عن أي بلد من بلدانهم إذا اخذ بمفرده. ومع ذلك فهي تخطط بمنطق سونتزو لهزيمة امريكا بالقوة اللطيفة وليس بالقوة العنيفة التي ستستعملها في الغاية كقتل رحيم بالعدو الذي يكون قد وصل إلى لحظة الاحتضار وفقد قوته الخلقية التي هي اساس كل قوة. والان وقبل الكلام في مقترحي لا بد من التذكير بالمهزلة التي رد بها العرب على بورقيبة الذي ظنوه مغفلا بحيث يعتقد أن ما اقترحه ستقبله إسرائيل فيخسر العرب كل نصف فلسطين. لم يفهموا أن بورقيبة كان سياسيا يعلم أن التواصل فيها يقتضي ما يقبل التصديق من المخاطب وليس حقيقة نواياك. وبورقيبة كان يعلم أنه لا يخاطب إسرائيل ولا العرب بل يخاطب ما يمكن الفلسطينيين من عرض قضيتهم بصورة تجعلهم يربحون المعركة اللطيفة أي الخلقية دون أن يحول ذلك دونهم والمعركة العنيفة أو المقاومة المسلحة. وكان صادقا مع العرب بخلاف عبد الناصر الذي كان يكذب على العرب. فقد كان يعلم مثل بورقيبة أنه يوهم العرب بالقدرة على رمي اليهود في البحر ولا يتجاوز كذبه كذب صوت العرب الذي كانت مقاومته لإسرائيل سبابا لا غير إذ يكفي أن يسموا بن غريون بن خريون كما يفعل من يسمي ناتنياهو ناتن ياهو. المحصلة قيادة راشدة تفهم الغرب وقيادة فاسدة تخادع شعبها. فإذا كانت الصين وهي قادرة تطاول وتصابر حتى تنال ما تريد بأقل كلفة مقدمة الحرب اللطيفة على الحرب العنيفة فكيف بمن هو عاجز أن يدعي التقديم العكسي؟ نتيجة هذا التقديم العكسي هي خدمة استراتيجية العدو: كان يكفي “بن خريون” أن يدعي بتباك خبيث أن ضحايا الهولوكست يتهددهم هولوكست أشنع. وهكذا حصل على السلاح النووي بالفعل ولم يحصل العرب إلا على “بني بني” لأن عنتريات قادتهم كانت تغنيهم عن الفعل وشروطه. واليوم اعتقد أن العرب حتى بعد أن فقدوا عنتريات قادتهم لم يتحرر منها فصاروا يعتمدون على عنتريات من يشترط لتحرير القدس احتلال الارض العربية لاستعادة امبراطورية فارس. أعلم أن استراتيجية بورقيبة تجاوزها الزمن: فهي سبقت احتلال كامل فلسطين وسبقت مشكل المستعمرات ومشكل القدس ومشكل التشكيك في دور الأردن راعية للحرم الثالث وخاصة أهم المشاكل الحالية أي ثورة الشباب بحنسيه والثورة المضادة التي استسلمت نهائيا للحماية الإسرائيلية. ما اريد اقتراحه يأخذ كل هذه المعطيات في الحسبان. ذلك أن من شرط الاستراتيجيات السياسية أن تكون منطلقاتها معطيات حقيقية -حتى لو كانت مجرد أمر واقع أو حوز دون حق الملكية بالمصطلح القانوني-ووضع استراتيجية تجعل العلاج المقترح قابلا للتصديق دون أن يكون حقيقيا لربح معركتك اللطيفة. من يتصور أن ما يقوله الاستراتيجي في المعركة اللطيفة هو ما يعتقده حقا يتصوره غبيا مثله. ذلك أن مشكلتنا أننا ندعي التذاكي فنباكت الاستراتيجي (بورقيبة مثلا) بأن العدو ليس غافلا فيصدقك. طبعا هو يعلم أن العدو ليس غافلا فيصدقه. لكنه لا يخاطب العدو هو يخاطب من يعتمد عليه العدو في قوته. ومن يعتمد عليه العدو ليكون أقوى منك لم يكن بحاجة لإقناعه بأن يسنده لأن عنتريات كانت تقوم بالمهمة بدلا منه. كان يكفيه أن يقول: هم من رفض وجودي ومن يعلن صباحا ومساء أنه ينوي رميي في البحر وأنا “بن خريون” مسكين خرجت من هولوكوست أول فإذا هم ناوون عن ثان: العربي صار نازيا بالأقوال. طبعا قادة الغرب يعلمون أن ذلك كذب مثل “الموت لأمريكا” عند “الممانعين”. وبن غريون يعلم أن قادة الغرب يعلمون لكنه لا يخاطبهم هم بل هو يخاطب من كان يمكن أن يحول دونهم ومده بالسلاح النووي وتمويل دولته الناشئة وجعل العرب أعداء للغرب بدون أدنى فائدة: هو عداء رد فعل وليس فعلا. كان صوت العرب مثل صوت فيلق القدس اليوم أفضل داعية للوبيات الإسرائيلية في الغرب كله. لم يكونوا بحاجة لأكثر من إسماع الشعوب الغربية عنتريات هذين الصوتين. لذلك فلا يمكن لأمة قادتها يكذبون عليها أن تنجح في اي مسعى يمن أن يكون ذا أثر على أحداث التاريخ الفعلي. وشرط فاعلية القيادات التي تخطط للبعائد بوصفها شروط القرائب في الاستراتيجيات ذات الدور الذي يجانس ما استعمله المسلمون عندما أنشأوا دولة الإسلام ذو وجهين: 1. تقديم المعارك اللطيفة أو الخلقية على المعارك العنيفة أو العسكرية. 2. وثقة الشعوب التي يقودونها في إخلاصهم وصدقهم وبعد نظرهم. وليكن مثالنا سلوك إسرائيل وسلوك إيران. فإسرائيل رغم قدرتها وسندها الغربي المطلق عملت ببطء لتحقيق ما حققته وإيران عملت بعجلة لتحقيق اضعاف ما حققته إسرائيل. فهل من تفسير؟ التفسير أن إسرائيل تعلم أن الاستعجال قد يوقظ العرب والأتراك والاكراد والأمازيغ وإيران لغباء قياداتها عكست. ولان اسرائيل والغرب يعلمون ذلك فهم شجعوا اندفاعها حتى تكون جرافة لما تعلم إسرائيل والغرب أنه ليس يسيرا كما يتوهم عناترة إيران. فالعراقي والسوري وحتى اللبناني لن يقبل أن يكون بيدقا في يد إيران حتى وإن توهم في البداية أنهم اخوته في الدين. سيعلم أنهم مستعمرون أبشع حتى من اسرائيل. ولذلك فإسرائيل والغرب تركوا لها الحبل على الغارب إلى وصلت إلى الحد الذي جعلهم لم يبقوا في حاجة إليها لظنهم أن الثورة فشلت وأن العرب استسلموا وأن الأكراد طامعين في دولة على حساب العرب والاتراك -وانا اومن بحقهم في ذلك إذا ظل العرب والأتراك يقولون بالدولة القومية. مقترحي سيكون بالاعتماد على هذه المعطيات التي تحدد الوضعية الاستراتيجية في الاقليم وليس على “الاماني” لأن تغير الاحداث لا يكون بالأحاديث إلا إذا كانت هذه دارية بجوهر ما يحرك تلك. وهذا هو معنى الاستراتيجيا التي تغير ما يسمونه “الواقع” والذي هو دائما أمر واقع وليس حقيقة مطلقة.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي