عملاء العرب يحاربون الصديق ويحالفون العدو

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله عملاء العرب

التحريف المذهبي للإسلام والتحريف الفاشي للقومية أديا إلى إدخال كل قطر عربي إلى حرب أهلية مضاعفة الدوافع: حرب على أساس كبت المذاهب الدينية غير المذهب الرسمي وحرب على أساس كبت القوميات غير القومية الغالبة. وكلى التصورين مستوردان لأنهما ينافيان رؤية الإسلام للسياسة.

فحتى في عصر الانحطاط لم تستعمل دول الإسلام بعد تفكك الخلافة بهذا المنطق بل حافظت على احترام تعدد القوميات والأعراق والمذاهب والأديان مع جعل الرابط الروحي والثقافي اساسا لوحدة الدولة وليس فرض قومية أو مذهب. لكن محاولة فرض التصور الحديث للدولة الوطنية أدى إلى التوحيد العنيف.

والتوحيد المذهبي والديني العنيف والتوحيد القومي والعرقي العنيف ليسا جديدين فهما لازما الدولة الأوروبية بعد انفراط عقد الامبراطورية الرومانية واستكملت الظاهرة بعد انفراط عقد الوحدة الروحية المسيحية لأوروبا وتكون الأقطار التي نراها اليوم تتصالح وتتحد فيما يتعالى على القوميات.

لكن العرب لا يعتبرون من التاريخ وهم دائما في الخلف يقلدون ما تجاوزه الغرب لأنهم يعيشون على وقع المقلد الذي يكون دائما خاسرا للمعركة الموالية لأنه يجمد في المعركة التي تجاوزها غيره. ولو توقف الامر عند هذا الحد لقل ضرره ولاكتفوا بحرب أهلية داخل كل نظام دون الحرب بين الأنظمة.

فالأنظمة العسكرية التي تدعي القومية والحداثة والانظمة القبلية التي تدعي الإسلام والاصالة دخلا في حرب أهلية بسبب تبعية الأولى إلى القطب السوفياتي وتبعية الثانية إلى القطب الأمريكي. وطبيعي أن تصبح الحرب الاهلية بينهم بل صاروا أدوات في الحرب الكونية-الباردة والحارة-بين القطبين.

وحتى هذا الدور فإنه لم يفد أيا من الصفين. ويكفي لفهم ذلك أن تقارن ما خرجت به الهند وما خرجت به مصر من هذه اللعبة التي يخفيها عنوان الحياد الإيجابي. الهند صارت قوة عظمى ومصر صارت نكبة عظمى. ومثلها زعيمة القبائل التي خرجت بخفي حنين وهي نكبة جنيسة لنكبة مصر: كلتاهما بدأت في اليمن.

وليت الأمر توقف عند هذا الحد: فالاستعمال الغبي للمذهبية صار مركوب الملالي والاستعمال الغبي للقومية صار مركوب إسرائيل. فالأولى صارت مستبدة بشيعة العرب في كل الوطن والثانية مستبدة بالقوميات غير العربية في الوطن مشرقا (الاكراد) ومغربا (الأمازيغ).

صحيح أن الأمر أبرز في حالة الأكراد وخاصة العلمانيون منهم. لكن نفس الظاهرة بدأت تبرز لدى علمانيي الأمازيغ. وكل ذلك بسبب غباء السياسات القومية الشوفينية التي ليست من تقاليد حضارتنا بدليل أن الكثير من علمائها وابطالها من هاتين القوميتين اللتين لم يحاول الإسلام تعريبهما بالعنف.

وأنا نفسي لا أميز بين عربي وأمازيغي لأني من أسرة مزيجة وليس عند كلى مقوميها أدنى عداء للمقوم الثاني واعتقد أن أكراد الهلال لم يكن لهم عداء مع العرب قبل حماقة البعث. ولا أعتقد أن شيعة العرب وسنتهم وشيعة الإيرانيين وسنتهم كانوا في عداء قبل حماقة المذاهب الرسمية للدول في الاقليم.

والتوظيف الإيراني للطائفية والإسرائيلي للقومية في استراتيجيتهما لتفتيت دول الإقليم تتجاوزهما إلى استراتيجية القطبين المتدخلتين فيه إلى تفتيت ما هو أعمق بالحرب على الإسلام نفسه وطبعا فالذراعان يسهمان في هذه الحرب ويوظفان لها مشوهي الإسلام أي دواعش التشيع والتسنن الزائفين.

لكن الأدهى هو أن العرب بعد الانقسام بمقتضى التبعية للقطبين في القرن الماضي نراهم اليوم بسبب انعدام المشروع والحروب الأهلية التي وصفت ينقسمون مرة أخرى بمقتضى التبعية لذيليهما وذراعيهما أي إيران وإسرائيل بعضهم يحتمي بالأولى وبعضهم الآخر بالثانية ويتعامون عن الحل الوحيد الممكن.

فاتحاد نوعي الانظمة العربية -العسكرية والقبلية-ضد الربيع العربي جعلهم يعادون تركيا التي هي مثلهم مهددة من نفس الأعداء ويحاربون ما يزعمونه عدوا ماضيا (العثمانيين) بصورة تجعلهم في الاقليم فاقدين لأي سند لا يمثل خطرا عليهم بسبب كونه يتعرض لنفس الأخطار لعلة أبينها هنا.

لماذا تركيا مهددة مثلنا وأكثر فهي توجد بين فكي كماشتين لعلل تاريخية من يتجاهلها من العرب لا يمكن أن يميز بين الصديق والعدو. الكماشة الاولى هي إيران وإسرائيل اللذين يستعملان المذهبية والقومية لتهديم جار قوي له مشروع وخاصة بعد أن بدأ يستعيد هويته دون القطع مع التحديث المستقل.

والكماشة الثانية روسيا وأوروبا. وهنا يأتي العامل التاريخي الأعمق: فهم يعلمون أن علاقة دولة الإسلام بأوروبا سنية بالجوهر وهي بدأت عربية وانتهت تركية إلى بداية القرن الماضي. وهم يرون أن انبعاث تركيا قد يحيي طموحا إلى دور افقدتها إياه الحرب العالمية الأولى فيقود نهضة تحرر الإقليم.

ولا يوجد قائد تركي حالي يجهل أن العرب لم يبقوا كما كانوا على هامش التاريخ ومن ثم فهم يسعون إلى عمل مشترك رغم غياب مشروع عربي لتجاوز الدولة القطرية نحو مشروع طموح من جنس ما فقده المسلمون أو حتى مشروع طموح من جنس دولة قومية شاملة: يكتفون بمحميات قبلية وعسكرية تابعة للمستعمر السابق.

والنتيجة هي أن كل من يريد ألا تقوم للمسلمين قائمة يكفيه أن يفتن بين العرب والأتراك لأن دولة الإسلام التي يمكن أن يستعيد بها عزته في التاريخ العالمي بدايتها عربية وغايتها تركية ولا استئناف من دون الجمع بين البداية والغاية: ذلك ما يعلمه الأعداء ويجهله محاربو المشروع الاكبر.

والمشروع الاكبر هو الحل الذي يحرر المسلمين من فقدان السلطان على أحياز وجودهم وكيانهم المستقل الذي هو شرط الاستئناف حتى يصبح للمسلمين دور في تحديد نظام العالم الجديد بدلا من أن يبقوا محميات للقطبين وذيليهما في الإقليم ولقطبي آسيا (الصين والهند) في بقية ارض الإسلام وداره.

وبذلك يفهم القارئ على جمع الأنظمة العربية القبلية والعسكرية بين الحرب على الربيع العربي وعلى تركيا فالأول تحرر ضد الاستبداد والفساد أدرك أصحابه مثل تركيا أن عائقه الاساسي هو التبعية فجمعوه بالتحرير من حماتهم او موظفيهم للإبقاء على فقدان المسلمين لوحدة أحياز وجودهم الخمسة.

فحماتهم لا يحمونهم لوجه الله بل لهدفين: الأول المحافظة على مصالحهم والثاني هو شرطه أي ابقاء أحياز المسلمين الخمسة حائلة دون استعادة قوتهم المادية والروحية. فما هي الأحياز التي قدت بصورة تحول دون قوة المسلمين المادية والروحية: الجغرافيا وثمرتها والتاريخ وثمرته والمرجعية الموحدة.

فشرط التبعية هو تفتيت جغرافية ارض الاسلام عامة وأرض العرب والاتراك خاصة. فالأرض هي مصدر كل الثروات المادية وهي المحدد الاساسي للمنزلة الجيواستراتيجية. فمن يريد السيطرة على الاقليم لا بد له من تفتيت أرض العرب والاتراك إذ فيهما جل الممرات والبحار الدافئة.

ومن يريد أن يضعف أهل الإقليم ماديا واستراتيجيا فليفتت أرض العرب والأتراك ليدخل سنته في حروب لا تنتهي وهي ما بدأت بوصفه في هذه المحاولة. فينبغي الا توجد فيه دول ذات سيادة بل لا بد من التفتيت الذي يجعلها محميات لمستعمر الامس باستخدام العملاء أي الانظمة ونخبها المأجورة.

وحتى يكتمل المشروع التهديمي لا بد من تشتيت وحدة التاريخ وثمرته التراث الواحد وليس الثورة الواحدة مثل الجغرافيا. فما يستمد من الجغرافيا هو الثروة والمنزلة الجيوسراتيجية وما يستمد من التاريخ هو التراث والمنزلة التاريخية الاستراتيجية (اي المعالم الإنسانية في دار الإسلام).

وتلك هي الأحياز الفرعية في كل حضارة: جغرافيتها وثروتها وتاريخها وتراثها. لكن خط الدفاع الاخير هو المرجعية الموحدة لهذه الفروع الأربعة أعني الوحدة الروحية للأمة التي هي حصانتها وأساس مناعتها. لذلك فالحرب على الإسلام ليست مجرد صدفة بل هي أساس استراتيجية الأعداء كلهم.

ومن له دراية بمعنى الهزيمة في الحروب يعلم أنها مؤلفة من أربعة فروع وأصل: الحامية بفرعيها:

  1. القضاء على قوتها المادية

  2. وعلى قوتها الروحية (معنويات الجيش وعقيدته) ثم مصدر القوتين:

  3. احتلال الارض

  4. واستتباع الشعب.

  5. أما الاصل فهو عقيدة الجماعة ووعيها بهويتها وشروط حريتها وكرامتها

ولا أحد ينكر اليوم أنهم كسروا الجيوش ماديا ولم يستطيعوا القضاء على معنويات المقاوم. وأنهم احتلوا الارض لكنه الشعب لم يرضخ وطبعا ما يريدون القضاء عليه ولن يفلحوا لأنهم يتوهمون أن الإسلام مثل الشيوعية مجرد إيديولوجيا. مهما فعلوا فالإسلام وأمته منتصران في الغاية لا محالة.

ولا يوجد دليل ابلغ على غباء الثورة المضادة بنوعي الأنظمة القبلية والعسكرية وبنوعي نخبها التقليدية والحداثية المزعومين ترك الأعداء الحقيقيين بل والتحالف معهم (الذراعان وسندهما الدوليان) والاهتمام بخرافة العداء العثماني للعرب لكأن العثمانيين هم من خانوا العرب وليس العكس.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي