نظرية المعرفةعلوم الملة، ما القصد من ضرورة تجاوزها لذاتها؟ – الفصل العاشرلتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله علوم الملةالفصل العاشر والأخير يكمل الجواب عن التعارض البادي من رفض الأعجاز العلمي والكلام على أمر في القرآن يمكن اعتباره منه: ما طبيعة ما استمده منهواعتقد أن الجواب بيّن وسأقوله دون إطالة: هل يمكن رد الفلسفة إلى القوانين العلمية المعينة والبعدية المشروطة بالبحث العلمي النظري التجريبي؟الفلسفة لا ترد إلى العلوم الجزئية البعدية. هي فعل جامع بين الإبداعين الرياضي والأدبي الراقيين وهي قبلية بالضرورة. هي شرط العلم وليست علما.تلك هي منزلة ما استمده من القرآن: فهو عندي فلسفة دين أي فلسفة وجود وفلسفة تاريخ مبنية على نظرية المعرفة الحاصرة للمطابقة في علم الله.ميزت بين القول بالإعجاز العلمي والقول بفلسفة العلم ولأمر الآن إلى الغاية من هذا العمل لأختم بتحديد القصد من ضرورة تجاوز علوم الملة للاستئناف.ولأضف ملاحظة تخص النوع الثاني من الإبداع: فمثلما أنه في النظر ينتج المقدرات الذهنية الرياضية فإنه في العمل يبدع المقدرات الذهنية التاريخية.ما يسمى بالأدب الواقعي هو من جنس العلم المبني على اعتبار ظواهر الأشياء الطبيعية هي حقيقتها فيكون تصور العلم استقراء لما يسمونه واقعا.والعلم لم يصبح ممكنا إلا بعد أن عكس العلاقة بين ما يسميه واقعا وما يسميه مثالا خياليا ومثله الأدب لن يصبح ممكنا إلا بنفس العكس بينهما.آدابنا تعاني من نفس التخلف في علومنا لأننا لم نفهم بعد أن العلم بحق في النظر والأدب بحق في العمل كلاهما يقيس الشاهد على الغائب وليس العكس.العلم والعمل كلاهما يبدع مثال الشاهد ليقيسه عليه وليس العكس إلا كبداية قبل أن نفهم أن ما نسميه واقعا مشهودا حالة سطحية من واقع لا مشهود.وهذه العلاقة ليس بالمعنى الأفلاطوني فالواقع اللامحسوس من إبداع قدرة التسمية عند الإنسان وليس وجودا مفارقا من جنس الوجود المحسوس وأكمل منه.فالله يبدع علمه بكن وبه يخلق العالم الطبيعي ومنه الإنسان الذي له القدرة والتكليف لإبداع علم وعمل ينتج بهما الحضارة بتعمير الأرض.ولا بد أن يتحقق مثال العلم والعمل في عالم الأسماء قبل أن يصبحا قابلين للتطبيق على “الواقع” الخارجي بقيسه عليهما دون رده إليهما.والسؤال: ماذا يعني كلام القرآن عن إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤهم عن الأديان الطبيعية التي هي من مقدرات ذهنية من جنس علم الكلام؟هل “المقدرات الذهنية أدبية كانت أو علمية” تقتصر على وظيفة العلوم المساعدة كنماذج نظرية وعملية لعلم الآفاق والأنفس وتستثني الأديان الطبيعية.كيف يوجد دين (الإسلام)يحدد الممكن وغير الممكن في العلم والعمل فيجعلهما عبادة وأداتي استعمار الأنسان في الأرض وظيفة وبقيم الاستخلاف خلقا؟ذلك هو ما اعتبره الدليل القاطع على صحة هذا الدين لأنه يعتبر الإنسان بكيانه ونظره وعمله متميزا بهما وبالقيم المحررة من اخلاده إلى الأرض.وقد اعتبر الحجة الحاسمة الدالة على أهليته للاستخلاف-في المشهد الحواري التأسيسي-قدرته على تسمية كل شيء من العالم الخارجي لاختبار أهليته.واختبار أهليته مشروط بحريته وبتجهيزه لأن يكون مسؤولا عن نجاحه أو فشله: “الم نجعل له لسانا وشفتين -الكلام-وهديناه النجدين-للسلوك” وعلاماتهما.والعلامات هي التي تبين أنه قدر على التخلص من التاريخ الطبيعي: فيلغي العبودية ويتقاسم الرزق مع المحتاجين وهما شرطا الأخوة البشرية والمساواة.وعدم التخلص من التاريخ الطبيعي هو ما لأجله اعتبرت الملائكة آدم في الحوارية التأسيسية “أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء” نافين أهليته.ولهذه العلة كانت أدلة القرآن على الحكمة الإلهية مبينة على النظام الطبيعي المحقق للشروط الخارجية وبتحميل الإنسان فضل نجاحه أو مسؤولية فشله.وما يزيدني حيرة هو أن ابن تيمية لا يعترف بخاصية الضرورة والكلية إلا للمقدرات الذهنية وللمعتقدات الدينية التي اعتبرها صحيحة: فماذا يعني ذلك؟هل معنى ذلك أن “المقدرات الذهنية” النظرية والعملية التي هي ليست علما لموجودات خارجية مثل المعتقدات الدينية الصحيحة مقومة للإنسان كفطرة؟هذا هو الحل الوحيد للاشتراك في الكلية والضرورة بين المقدرات الذهنية التي قدم منها مثال الرياضيات والمنطق والمعتقدات الدينة الصحيحة.وإذن فهو يمزيهما بالفطرية عن العلم والعمل المتعلقين بالوجود الخارجي المحتاجين للاكتساب والتجربة المقيس عليهما بعكس القياس الكلامي.فلماذا يضرب مثالي الرياضيات والمنطق عما سماه مقدرات ذهنية ولم يذكر من بينها المعتقدات الدينية الصحيحة والفطرية رغم الاشتراك في الصفات؟مشكل لم أجد له حلا في عمله رغم أن الحل الديكارتي يقرب منه: فعنده أن كل الحقائق فطرية وليست مكتسبة وأنها هي أساس المكتسب من العلم والعمل.وأكثر من ذلك فعنده أن الاعتقاد في وجود الله شرطها جميعا انطلاقا من المقابلة بين تمام صفاته الذي يفترضه التضايف مع عدمه عند الإنسان.ولا يستثنى من صفات الإنسان إلا الإرادة التي يعتبرها لامتناهية وهي ما يمكن أن نعتبره رمز الحرية التي تبنى عليها المسؤولية أو التكليف الديني.وبقية الصفات-العلم والقدرة والحياة والوجود-فهي كلها ناقصة بالقياس إلى مثال مطلق منها ينسبه إلى الله وينفيه عن الإنسان المحتاج إلى التجربة.فكان يعتبر الحاجة إلى التجربة لمعرفة الوجود الخارجي من علامات نقص صفات العقل والقدرة والحياة والوجود الإنسانية: شرط المعرفة المكتسبة.لكن ابن تيمية يعتبرها من ضرورات التواضع الإنساني لأن علمه وعمله لو كان غنيا عما يشده لما يتجاوزه رغم كونه ينتسب إلى الحس لادعى الألوهية.فنصل إلى أهم اسرار الوجود: فما موضوع للإدراك الحسي في الوجود الخارجي وفي الذات مهما كان تافها فيه من الغيب ما لا يمكن للعقل الإحاطة به.ولهذه العلة يبقى علمه للوجود الخارجي ناقصا دائما لعدم الإحاطة وهو بالضرورة علم إحصائي خال من الكلية والضرورة ووظيفة المقدرات مده بالنماذج.ولأختم هذه المحاولة بتصنيف نوعي العلم والعمل: الفطري والمكتسب. والاول فيه المعتقدات الفطرية والمقدرات الذهنية والثاني كل العلوم التجريبية.والمعتقدات الدينية وحي خالص والكلام تحريفها والمقدرات الذهنية عقلية خالصة ولا دخل للتجربة فيها والتجريبية كلها احصائية دائمة التكامل.وأنا أضيف لهذا التصنيف التيمي المقدرات الذهنية الأدبية التي هي إبداع نماذج العمل وليس العلم والقرآن حدد نوعها في شرط الشعر المقبول.فالتطابق بين قمة القول(الشعر) وقمة الأخلاق (الفعل) هو معيار الإبداع الذي يمثل القيم الخمس: الجلال والجمال والحقيقة والخير والحرية (فطرة).لكن الإسلام بين مجال المعرفة العلمية والعملية وبين حدود المعرفة الإنسانية فخلصنا من شرطي الطاغوتين: سلطة وسيطة روحيا وسلطة ومستبدة سياسيا.وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها