لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله علوم الملةعلوم الملة
ما قلناه عن اصول الفقه والفقه نقوله عن اصول التصوف والتصوف. إذ فرضنا أن الفقه حكم بالظاهر والله يتولى السرائر فمن المفروض ألا يدعيه إنسان.
منطقيا مجرد الزعم بالاطلاع على السرائر والمقابلة بين الفقه دراية بالرسوم والتصوف بالحقائق هو عين الكفر بالمعنى اللغوي للكلمة: إخفاء الحقيقة.
الحقيقة هي أن الرسول نفسه لم يدع الاطلاع على السرائر بل قال نحكم بالظاهر أي حكما نسبيا بنسبية العلم بالظاهر. فكيف يدعي الممتنع عقلا ونقلا؟
فلا يبقى لما صار يسمى تصوفا ما قصده الدين الإسلامي من ضرورة الزهد بمعنى التحرر من الدنيا ليس بنكرانها بل بتحقيق ما يشد إليها للتحرر من سلطانها.
وما يشد إليها هو الحاجة. والتحرر من الحاجة المادية يكون بالوسائل المادية وعلى راسها المال. لذلك فالفقر المدي مذموم إسلاميا لضرورة الكفاية.
فالفروض الخمسة مؤسسة على الكفاية المحررة من الفقر الذي يكون صاحبه عبدا لمن بيده سد حاجاته: الحج والزكاة ضرورة المال فيها بينة. ففاقده يقصر.
والصوم والصلاة لا بد فيهما من الكفاية: لأن الأول مشروط بالصحة والثانية بالنظافة وكلتاهما مكلفة. وإذن فـ4 من الفروض مشروط بالكفاية المادية.
والشهادة وحدها وضع رجل على عتبة الإسلام دون الدخول بحق. الفقر المادي مكروه والتدين معه تعويض وليس حقيقة. شرط التدين الاستغناء عن غير الله.
والاستغناء عن كل ما عدا الله هو الوعي بالفقر الوجودي الذي يجعل الإنسان لا يعبد سواه فيكون مطلق الحرية من الحاجة وسلطان المال عليه لأنه سيده.
وذلك هو الزهد الذي يعني التحرر من سلطان المال الذي يملكه الإنسان لأن من لا يملكه لا معنى لزهده فيه غير العجز عن تحصيله بوجوه المشروعة.
ويكون الإنسان عندئذ زاهدا بحق إذا حقق المجاهدتين:
التقوى: تطبيق قيم الإسلام في معاملاته
الاستقامة: مراقبة الذات وعدم الغفلة عن الأولى
وبهذين المجاهدتين قد يمن الله عليه بما يمن به على الصديقين. لكن طلب ذلك بالصناعة الصوفية هو الذي يعتبره ابن خلدون تشوفا لأمر مستحيل.
والمستحيل المطلوب في هذه الحالة هو الاطلاع على الغيب والقيام بما يسمونه “كرامات” تجملا عن تسميتها معجزات وهي كلها أكاذيب الدجالين.
إذن ما التصوف إذا لم يقصد به الزهد؟
إنه نفي الحرية الأولى التي يتأسس عليها الإسلام: الحرية الروحية التي تغني الفرد عن وسيط بينه وبين ربه.
التصوف سلطان كاذب يدعي الوساطة بين الإنسان وربه ويجعل البشر عبيد الوسطاء وهو أكبر سلاح بيد الدجالين بزعم علم الغيب ليتبرك الناس بهم.
وهو من أسلحة الباطنية التي تستعمله لجعل السلطان الروحي الكاذب طريقة للاعتقاد في الخرافات والقبور اعتمادا على ميل الإنسان للخرافة والوثنية.
وكل استبداد سياسي يحتاج لهذا النوع من توظيف الدين وقد اضطر الفقهاء لدخول المنافسة كما نلاحظ ذلك. الكثير من منافقي الدعاة خدم للاستبداد.
وهو ما يؤدي إلى الغاء ثورة الإسلام الثانية. فبعد إلغاء حرية الإنسان الروحية بكنسية صوفية وشيعية يأتي إلغاء الحرية السياسية بتبرير الاستبداد.
والتبرير نوعان: عبادة أولياء الامر وعبادة الأئمة ومن ينوبهم. لا فرق بين سلفية عبادة “ولي الأمر” في السعودية وعبادة نواب الأئمة في إيران.
وعندما تتحرك الشعوب لتستعيد الحريتين الروحية للفرد والسياسية للجماعة يلجأ المستبدون وحماتهم الاستعماريون إلى إحياء الخرافات الصوفية.
والخرافات الصوفية تتأسس على علم زائف هو أصول التصوف وهي مأخوذة من خرافات الأديان البدائية والفلسفات الوثنية التي يزعمونها علما لدنيا.
من يعرف هذه الخرافات الدينية والفلسفية القديمة التي سادت خاصة بعد تردي الفلسفة اليونانية يعرف بحق أن ما يزعمونه علما لدنيا هو أوهام شعبية.
وفي خطابهم يمكن أن نجد شيئا من الحقيقة. لكنه منتحلات من الدين والفلسفة السويين تزيينا لما يدعونه من معرفة لدنية يبتذلونها بزعم اللدنية.
وطبعا فكلامي هذا يكثر من الأعداء. لكن الامة ستبقى مستعبدة من اصحاب الاستبداد السياسي ومبرريه من المتصوفة والمتفقه بعكس قيم الإسلام.
وما نجده من تبرير تحريفي بقيم الإسلام في التصوف والفقه نجد أمثاله في فكر أدعياء الحداثة بدعوى محاربة توظيف الدين: كلاهما يوظفه للاستبداد.
الفرق الوحيد أن أولئك يدعون أنهم مع الدين وهؤلاء يدعون أنهم مع الفلسفة. لكن المعية في الحالتين هي مع كاريكاتور الدين وكاريكاتور الفلسفة.
فالدين الحق والفلسفة الحق كلاهما يطلب الحريتين وإن بطرق مختلفة. وكلاهما متحرر من دعوى العلم المحيط والتقييم المحيط بل يسعيان لتحرير الإنسان.
ومعنى ذلك أن كل ما يزعم علما لدنيا هو المستوى الادنى من المعرفة الإنسانية العادية في متون الفلسفة أو في متون الدين مع إيهام بأنها “فتوحات”.
فمن المتصوفة من هو ذو قريحة وفهم في المضامين المعرفية والأشكال البلاغية أو الشعرية لكنهم يخفون ذلك ويدعون أنه علم لدني اطلاع على الغيب.
وإذا الرسول نفسه-ومثله كل من يقصهم القرآن-لم يدع العلم بالغيب أو العلم اللدني وأنه مجرد مبلغ لرسالة لا تبدع دينيا بل تذكر بما في الفطرة.
والخاتم نفسه-ومثله من يقصهم القرآن-لم يدع العلم بالغيب أو العلم اللدني وأنه مجرد مبلغ لرسالة لا تبدع دينا بل تذكر الديني القائم في الفطرة.
فكيف يمكن لنا أن نصدق الدجالين الذي يدعون ما لم يدعه الرسول ويزعمون أنهم ورثته: هل يمكن للمرء أن يرث من ميت ما لا يملك وما لم يدع حيازته؟
والزبدة من كلامنا هي أن التصوف مثل الفقه كلاهما حرف رسالة الإسلام بأن جعلها تسهم في استعباد الإنسان روحيا وسياسيا بدلا من تنويره لتحريره.
الفقه بالقانون والزهد بالسلوك كما حددناهما هما المطلوب لاستئناف دور الأمة التي يتمتع ابناؤها بالحريتين الروحية والسياسية فتكون أمة سيدة.
ولهذه الغاية ومساعدة الشباب في إدراكها كتبت هذا الكلام لعله يمكن الشباب من التحرر من العلوم والاعمال الزائفة دون نكران دورها في الماضي.
ويمكن كذلك الاعتراف لأصحابها بفضل الدور الذي مكن من الصمود فحال دون انهيار الأمة التي فقدت القدرة على التنميتين منذ قرون: الروحية والمادية.
لكن الهجمة على الأمة بلغت حدا لم يعد يكفي فيه رد الفعل والمحافظة على علوم وأعمال فقدت فاعليتها بل ينبغي استئناف الابداع في التنميتين.
وكلامي هذا ليس من جنس كلام أعداء الإسلام والامة بل هو من جنس ما ينبغي فعله لجعلهما يستردان دورهما في التاريخ الكوني الذي نكاد نخرج منه.
من دون إبداع علمي مناسب للعصر ومن دون إبداع عملي يسهم في تحديد مستقبل الإنسانية سنبقى على هامش التاريخ تابعين وفاقدين للريادة والسيادة.
ولست ممن يرفض شيئا من دون بيان العلل ولا ممن يقترح شيئا من دون تعليل يجعل ما اقترحه من ضرورات المشروع الأكبر: استعادة الامة لشروط سيادتها.
إنه الهدف الذي ينبغي لكل شباب الامة أن يجعله قبلته في السعي للتحرير بشروطه: استعادة وحدة الامة حول دور مثاله مرحلة نشأتها بالتحرر من كبوتها.
وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها