علوم الملة، ما القصد من ضرورة تجاوزها لذاتها؟ – الفصل الخامس

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله علوم الملة

نصل في الفصل الخامس من “علوم الملة ما القصد من ضرورة تجاوزها لذاتها؟” إلى أكثر هذه العلوم الزائفة وضوحا ما يغنيني عما اضطررت اليه فيما تقدم.

لذلك فلن أحاول بيان هذه الحقيقة بخصوصه بل سأهتم بقضية أخرى وتتعلق بأساسية المنهجيين:

  1. قيس الغائب على الشاهد

  2. والتأويل ثم بعلامته وثمرته

وأبدأ بعلامته وثمرته اللتين حددتهما آل عمران 7: فأصحابه كلهم دون استثناء من بغاة الفتنة ومرضى القلب وهو أمر ليس خاصا بنا فهو ملازم لكل دين.

لكن الأديان الأخرى تخلصت من مفعوله لكن الإسلام ما يزال يعاني منه لأن حركة الإصلاح غلب عليها كاريكاتور التأصيل بدل التجديد الواعي بالأدواء.

فلو لم توجد في القرآن صيغة دقيقة للعقائد لفهمنا أنه يوجد من يريد أن يضع صيغة تيسر الأمر للمؤمنين. لكن القرآن صاغ العقيدة بصورة لا لبس فيها.

وقد أفهم أن يتعدد شرحها خلال تعليمها للمؤمنين بها أو لغيرهم لكن أن تصبح هذه الشروح منتجة لعقائد مختلفة تنسب إلى المتكلمين فتلك بداية الفتنة.

فالأمر لا يتعلق بنظريات علمية التعدد فيها من شروط التقدم في المعرفة بل برؤية مشتركة تحدد المقومات الأساسية للمرجعية العقدية الواحدة والموحدة.

وما وظيفته التوحيد تحول إلى التفريق وتوليد العقائد بعدد المذاهب بحيث صار كل متكلم يدعي أنه أكثير بيانا من القرآن نفسه لأنها صارت بدائل منه.

فهجر القرآن لدى أهل الحديث وأهل الكلام لا فرق. لا فرق بين وضع الحديث وصنع العقائد. وما كان متروكا لوجدان المؤمنين حولوه إلى حكم المتعالمين.

ولست ضد التعدد بل ضد المصطنع منه: فالتعدد في التلقي أمر مفروغ منه وهو إذا بقي حرا كان بعدد المؤمنين لتعدد الفهوم مع بقاء نص العقائد واحدا.

وهي حاضرة كلها معا في كل دعاء. إذ إن مجموعها هو الصورة التي لا تغادر وجدان المؤمن وتقبل الرد إلى أفعال الله وآياته في الآفاق ولأنفس.

ولم أر أحدا يعمل بهذا المبدأ مثل ابن تيمية الذي لم يضع عقيدة من صوغه بل حاول بناء نسق هذه الصور وما يترتب عليها من تعاهد بين الله والإنسان.

وهو أساس يكون مقبولا بشرطين:

– الأول أن يكون المطلوب قابلا للشهادة.

وأن يكون العالم مستعدا لاعتبار الطرد مؤقتا بوصفه وسيلة لتعميم الاستقراء.

والأول مستحيل في حالة الغيب لأنه ليس محجوبا إلا في الآخرة يوم يصبح البصر حديدا والثاني غير متوفر لأن الكلام لا يستعمل التجربة العلمية.

وإذن فالكلام أبنية حجاجية خالية من مميزات المعرفة العلمية أولا لأنه يتكلم فيما لا يقبل العلم وثانيا لأن منهجه الترجيح الحجاجي بافحام خصم.

الكلام لا يحتكم لشروط المعرفة العلمية التي الفاصل فيها ليس للحجاج وحده بل لا بد من معيار منفصل عن طرفيه بالاحتكام الحاسم بين فرضيات طرفيه.

وبين أن هذا الاحتكام قد يبين أن طرفي الحجاج على خطأ لأن ما يحتكم إليه ليس منحصرا جوابه في فرضيات المتحاجين حتى لو كانا متناقضين.

كيف؟

فحتى لو قبلنا بعدم التناقض والثالث المرفوع فإن ذلك لا ينطبق إلا بشرطين:

– صحة نظرية المعرفة المطابقة

– ومطابقة احدى فرضتي الحجاج لنفي نقيضها

والشرطان منعدمان حتى في الشاهد فضلا عن الغيب. ومن ثم فمنهجيا الحجاج لا يثبت شيئا لان الفرضيات تبقى فرضيات ما لم تحسم بالتجربة العلمية.

نمر الآن إلى المبدأ الثاني من منهج الكلام: التأويل. ولأهمية هذه المسألة سأضطر للكلام لاحقا في العلوم المساعدة التي يستعملها الكلام فيه.

سأكتفي هنا في اساسي التأويل المزعومين: المقابلة بين الحقيقة والمجاز وعلم الحقيقة التي يرد إليها المتكلم المجاز في جليله ليستقيم تأويله.

أساس المقابلة بين الحقيقة والمجاز سوء فهم لبعد الدلالة من الترميز اللساني. يأخذون إحدى دلالات أي لفظ ويزعمونها دلالته الحقيقية.

ويعتبرون ما عداها من دلالاته إليها. وهذا الأساس اقصى ما يمكن بناؤه عليه هو القول إن تلك الدلالة هي الأكثر شيوعا أو ربما الأولى التي وضعت.

وهبنا سلمنا بذلك تسليما جدليا فهل المفردات لها دلالة محددة إذا خرجت من سياقها؟

وهم التناظر بين المفردات والدلالات يلغي وظيفة اللغة اصلا.

فعدد المفردات في أي لغة محدود والدلالات تكاد تكون لا محدودة: ليس للمفردة دلالة واحدة بل هي متعددة بتعدد سياقاتها مثل المنازل في الأعداد.

فبأي تحكم سنختار واحدة منها ونعتبرها الدلالة الحقيقية ونرد إليها ما عداها بوصفها مجازية؟

وبذلك بين ابن تيمية أن المقابلة بينهما لا معنى لها.

العلاقة بين الرمز والمرموز ليس تناظرا واحد بواحد بل هي تناظر واحد بكثرة ولا تراتب بين الكثرة المناظرة للواحد لأنها تواضعية بحسب اللغات.

وإذن فوهم المقابلة حقيقة مجاز علته توهم العلم في نظرية المعرفة المطابقة دلالته حقيقية وما عداه دلالته مجازية ليست من مصطلح المعرفة العلمية.

وما أن نتخلص من وهم نظرية المعرفة المطابقة التي توهم بالعلم المحيط المدرك للشيء على ما هو عليه يصبح العلم هو نفسه وضعا لا يوصف بالحقيقة.

لا معنى لوصف علاقة كلمة “يد” والعضو “يد” عند الإنسان بالحقيقة إلا لتوهم التلازم بين الدال والمدلول. فيعتبرها المتكلم دلالاتها الاخرى مجازية.

ولا معنى للاحتجاج بنفي المجاز للقول إن لله جوارح ولكن لا نعلم كيفها. ذلك أن نافي المجاز في هذه الحالة قائل مثل المتكلم بنظرية المطابقة.

في الحقيقة الكلمات تتغير دلالتها بحسب منزلتها في الكلام وكل دلالاتها تواضعية بحسب اللغة وبحسب الفن الذي اختارها للدلالة على ما يتكلم عليه.

فلو أخذنا كلمة “حد” في الفقه وفي الرياضيات وفي المنطق وفي مسح الأرض وفي اي فن آخر لكانت الدلالة مختلفة رغم أن الكلمة واحدة: ما سر ذلك؟

هي نسبة بين أمرين وليس لها من الأمرين شيء ولا طبيعة لها تكون أميل لأحدهما دون الثاني من جنس اليمين واليسار والفوق والتحت إلخ..

وكذلك المفردات: كل المفردات نسب. وبخلاف ما يظن فحتى اسم العلم نسبة لأنه علامة للتمييز بين المسميات دون أن يكون لها أي مضمون دلالي حقيقي.

فالخاتم اسمه محمد وأنا اسمي محمد ولا شيء يجمع بين علاقة اسمه به بعلاقة اسمي بي إلا نسبة الاسم للمسمى: الإشارة بالأول للثاني. والإشارة نسبة.

نمر إلى الشرط الثاني ما مصدر علم الحقيقة الذي يرد إليه ما يعتبر مجازيا وغير حقيقي في الكلام على جليل الكلام؟ هل يوجد علم بالله وصفاته؟

قد أفهم قول الفلاسفة ذلك عندما كانوا يؤمنون بنظرية المطابقة أي علم الاشياء على ما هي عليه وينفون من ثم ما يتجاوز علمهم الذي جعلوه محيطا.

لكن كيف لمتكلم أن يقوله؟ هل ينفي الغيب؟

ومن ينفي الغيب كيف يسمى نفسه مؤمنا ومدافعا عن العقيدة؟

لماذا لا يعتبر نفسه دعيا يزعم علمه محيطا؟

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي