لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله علوم الملة
وصلنا الآن إلى زبدة البحث كله. سأخصص هذا الفصل الثامن لأهم مسالة في نظرية المعرفة التي هي بداية التجاوز الحاسم للفلسفة القديمة والوسيطة.
إنها المرحلة التي اكتشفها ابن تيمية والتي جعلتني أخصص له مع ابن خلدون رسالة دكتوراه الدولة في النظام الفرنسي القديم وهي غير Phd .
ذلك أنها تعد في الغالب في سن متأخرة تكاد تكون غاية التمكن من الاختصاص بخلاف هذه التي بداية الشروع فيه. وفي جزءان: النظرية وتطبيقها.
والنظرية هي منزلة الكلي والتطبيق هو إصلاح العقل في الفلسفة العربية: مجال التطبيق هو ثورة ابن تيمية (فلسفة النظر) وابن خلدون (فلسفة العمل).
أنهيت الكلام في الفصل السابق بالكلام على أن الرياضيات هي اساس النظر والأدبيات هي أساس العمل. ولم أشرح ذلك وشرحه هو ما أقصده بزبدة المحاولة.
في النظام الفرنسي دكتوراه الدولة بعد التبريز أو دكتوراه الحلقة الثالثة (مثل Phd): قدمتها في موضوع “منزلة الرياضيات في العلم الأرسطي”.
وهذا موضوعي. وفي كلامي شيء من سيرتي العلمية لأن للمسالة علاقة بها. فاكتشافي ما ميز به ابن تيمية علوم المقدرات الذهنية حيرني كثيرا.
ومثله حيرني ما أراد ابن خلدون تحقيقه لنقل التاريخ من الجنس الأدبي إلى الجنس الفلسفي المبنى على تعليل الاحداث وتفسير مساراتها.
فالأول خص علم المقدرات الذهنية دون سواه بالبرهانية بالكلية التي نفاها عن علوم الوجود الخارجي والثاني نفس التمييز التاريخ الذي يريد تأسيسه.
في الظاهر يبدو أن الرجلين يطلبان أمرين متقابلين: فالأول ينفي أي علم كلي يكون موضوعه موجودا فعليا في الخارج والثاني يشترط التحرر من الأدبية.
ما نبحث عنه في علة ما يبدو تقابلا نفهم ما ينفتح أمام البصيرة، الثورة المشتركة بين الرجلين: إنه الخيال المبدع. فالمقدرات الذهنية إبداع الذهن.
نقل التاريخ من الأدب إلى الفلسفة يبدو مقابلا لرؤية الأول. أما إذا كان البديل الخلدوني مبنيا على مقدرات ذهنية تبين أن للرجلين نفس الرؤية.
فعلم العمران البشري والاجتماع الإنساني الذي سيكون اساس نقد التاريخ السائد لتعويضه بالبديل الخلدوني فإن هذا البديل ليس علما لموجود خارجي.
نظرية العمل أو علم العمران البشري والاجتماع الإنسان علم مقدرات ذهنية عملية جنيسة للمقدرات الذهنية الرياضية التي تلكم عليها ابن تيمية.
المشترك بينهما هو أن العلم البرهاني والكلي للمقدرات الذهنية هو أساس علوم الموجود الخارجي نظريا كان أو عمليا: المقدرات الذهنية نوعان:
الذي تكلم عليه ابن تيمية يجعل المنطق أداة لعلم موضوعه مقدر ذهنيا وليس الموضوع الخارجي كالحالة في المنطق السابق الذي ينقده ابن تيمية.
والذي تكلم عليه ابن خلدون يجعل التاريخ أداة لعلم موضوعه مقدرا ذهنيا وليس الموضوع الخارجي كحالة التاريخ السابق الذي ينقده ابن خلدون.