علل الانتخاب المعكوس، بداية النهاية للحكام العملاء والمثقفين السفهاء

كيف يمكن أن أصدق أن جميع النخب التي بيدها الامر والنهي في كل شؤون بلاد العرب هي من سقط المتاع بالصدفة. فأينما التفت وجدت حثالة القوم هي التي بيدها السلطة السياسية دون إرادة وسلطة معرفية دون علم وسلطة اقتصادية دون عمل وسلطة فنية دون إبداع وسلطة وجودية دون رؤية دينية أو فلسفية. ليس من شك أن لها من هذا المقومات اسماءها وعلاماتها الرسمية إن كان لها علامات رسمية مثل الانتساب إلى قوة سياسية للأولين وإلى مؤسسة جامعية للثاني وإلى الاثرياء مثل الثالثين وإلى الفنانين مثل الرابعين وإلى مؤسسة دينية أو جمعية فلسفية مثل الأخيرين. كيف حصل هذا دون استثناء؟ هل توجد قوة خفية تستطيع تحقيق هذه المعجزة العجيبة لانتخاب الحثالة وجعلها ممثلة لكل نخب الجماعة العربية متصدرة للحل والربط في الداخل والخارج لكأن قانون جوس لم يعد موجودا فأصبح بوسع الحثالة كلها تجتمع في ما يعد قمة المنحنى النخبوي بأبعاده الخمسة: إرادة وعلما وقدرة وحياة ووجودا؟ فافترضت فرضية لعلها تحدد طبيعة هذه القوة الخفية في الظاهر والجلية فعلا بمجرد أن ننظر في وظائف الدولة إن كانت دولة وفي ما ليس بدولة ويسمي نفسه دولة. فعندما يكون ما يسمى دولة هو في الحقيقة محمية فالنظر يتوجه مباشرة إلى الحامي لينسب إليه هذه اليد الخفية رسميا والجلية فعليا. لكن لو قلت ذلك مباشرة لاعتبر هذا اتهاما ناتجا عن الاعتقاد في ما يسمونه نظرية المؤامرة التي يعتبرونها شماعة العاجزين والمتنصلين من المسؤولية والتي تقرب من المثل التونس “خانها ذراعها قالت سحروني” وتقال عن المرأة العاجزة عن القيام بواجبها وتحمل مسؤوليتها كامرأة في نظام اسرتها. لذلك فلا بد من أدلة لا تقبل الدحض لإثبات وجود هذه التي كانت خفية رسميا لكن من يتابع يدرك أنها كانت جلية للكثير من خيرة النخب في شعوبنا وهي لا تخلو منهم كفاءة وخلقا. وسأبدأ بالأجهزة الخمسة التي يتبين فيها فعل هذه اليد الخفية الجلية لأنها هي ما به تفعل المحميات لفرض هذا الاعجاز. ففي كل المجتمعات التي لها دولة ذات سيادة والتي هي ليست محميات تكون أجهزة الدولة ممثلة لإرادة شعبها. و هي خمسة: 1. السلطتان السياسيتان التنفيذية والتشريعية (القضائية ليست سلطة سياسية هي فنية تتوسط بينهما تنزيلا لتشريع الاولى الثانية وانتظارا لتنفيذ الثانية عندما تكون شبه مستقلة). 2. ثم جهاز الامن بصنفيه الداخلي والخارجي (الدفاع) 3. وجهاز الاستعلامات والإعلام 4. وجهاز التربية 5. ثم جهاز البحث والإعلام العلمي. وكل الأجهزة الأربعة هي أدوات عمل السلطتين السياسيتين. وإذن فالقضاء والدبلوماسية والاقتصاد والثقافة (بقية وظائف الدولة) تابعة للحامي تبعية السلطتين له. ولم أذكر هذه الأجهزة الاخيرة رغم أنها أدوات لكنها دون الأولى عنفا لأنها تمثل السلاح اللطيف لفعل المحمية بأمر من الحامي: توظيف القضاء والدبلوماسية وتوظيف الاقتصاد والثقافة كلها أدوات السيطرة اللطيفة في يد الخمسة أولى التي أحصيتها. السؤال الآن هل تأتمر السلطتان بأوامر الحامي أم لا؟ وهل توظيف الاجهزة الخمسة بعنفها المادي تطبيقا لأوامر ام لا؟ وهل يتترك للقضاء والدبلوماسية والاقتصاد والثقافة حرية لتؤدي واجبها أم هي تستعمل كسلح لطيف لتحريف استعمال القانون في القضاء والدبلوماسية والاقتصاد لفرض إرادته أم لا؟ من من القراء يمكن أن يطالبني بأمثلة إلا إذا كان قد نزل من المريخ ولم يشهد ما يحدث في بلاده. لكن مع ذلك سأقدم أمثلة: هل كان السيسي يحكم مصر لولا اختراق الجيش المصري بصورة جعلته أداة لخدمة حامي السيسي والنظام العسكري؟ وهل كان مراهق السعودية يحكم بلد الحرمين لولا كوشنار وترومب؟ من يريد أمثلة أخرى فلينظر في عمل المخابرات والإعلام في كل بلاد العرب: هل هم في خدمة الشعب أم في خدمة من نصبه الحامي ليحكم الشعب بالحديد والنار؟ وهل كانوا يفعلون لم يكن لهم أجر جزء من الفساد الذي يحتاج إليه الاستبداد ليصمد أمام أنين الشعوب التي جوعوها؟ وهل كان القضاء والدبلوماسية يفسدان لولا نفس السياسة؟ وهل كان الاقتصاد يتحول إلى مافية طفيلية لإفقار الشعوب وليس لإنتاج الثروة وهل كانت الثقافة تفسد لو لم يكن الهدف عكس غايتها فتجعل تبليدا وليس تنويرا؟ وهل كانت الجامعات تصبح عواقر والتعليم محوا للامية أو دون ذلك؟ فكيف يمكن في هذا الحالة ألا يسبق ذلك كله غربال يبعد كل من يريد أن يخدم بلده بإيمان وصدق وكفاءة؟ الانتخاب الذي من وظائفه اختيار الافضل لوظائف الدولة التي تعود إلى جنسين حمايتها لشعبها ومصالحة ورعايته لشعبها وذاتها صار مقلوبا: وظيفته العكس تماما حماية عملاء الحامي لحماية مصالحه. ما أظنني بعد هذا بحاجة للاستدلال المعقد لكي أفسر ما يجري. ليس ما يجري وليد الصدفة بل هو استراتيجية لمنع التحرر من التبعية. والدليل القاطع والأخير هو أن الربيع العربي لما ظنوه نتيجة لمن أعدوهم بما يسمونه المجتمع المدني ليكونوا بديلا من حيل العملاء اللذين افتضحوا صفقوا له. ولما تبين لهم أن هؤلاء لا وزن لهم وليسوا هم الذين قاموا بالثورة وإن ادعوها لأنه لا يوجد عاقل يتصور أن ابن علي أو مبارك كان يمكن أن يسقطوه لولا نزول القاعدة العريضة للإسلاميين في تونس وفي مصر. ولما تبين لهم أن ذلك كان “منامة عتاريس”(مثل تونس) ماذا فعلوا؟ الانقلابات المتوالية. فنجحوا بالكلية في مصر واليمن وكادوا ينجحون في تونس وحاولوا أن يجعلوا من سوريا وليبيا درسا للشعوب لعلها تعود إلى الخنوع الذي دام قرونا. لكن الدرس سيكون لهم وليس للثورة لأن صمود الشعوب في مصر واليمن وعدم نجاح الثورة المضادة إلى الآن في سوريا وليبيا يثبت أن الثورة تتقدم. ولولا تقدمها لا احتاجت الثورة المضادة إلى التخلي النهائي عن الخفاء والمرور إلى الجلاء في العمالة الموصوفة. وقد بدأ الامر في نفس الوقت: فجمعت إيران كل ما تستطيع لضرب ثورة سوريا متخلية نهائيا عن كذبة المقاومة والممانعة وحلفا صريحا مع إسرائيل للإبقاء على عميلهما في دمشق. وجمع مرهقا الثورة المضادة العربية كل ما يستطيعان لضرب الثورة في مصر وهما مع العسكر يتوهمون أنهم نجحوا في وأد الثورة ولا يدرون أنهم حفروا قبل الأنظمة العسكرية وإن ببطء لا يرى حاليا لكني متأكد أن السيسي هو نهاية حكم العسكر في مصر ومن ثم في كل بلاد العرب. وهنا يمكن القول إن النموذج التركي في دور الشعب القاضي على حكم العسكر سيعم كل بلاد العرب. الشعوب ستفتك سطلتها على أمرها وشأنها كما حدث في الانقلاب الفاشل في تركيا. والفرق أن تركيا حاولوا في الانقلاب رغم عدم الدافع الاقتصادي. لكن عرب الربيع الفقر سيزيد المأمول قربا ويقينا.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي