لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله علاقة الأمة بالدولة
لم يبق في البحث إلا فصلان:
– أحدهما لما بعد الذوق أو معنى علاقة مستوييه الاول
– والثاني في صلة بالعلاقة المباشرة بين قطب المعادلة الوجودية
والثاني لما بعد المعرفة أو معنى علاقة مستوييها الأول والثاني في صلة بالعلاقة المباشرة بين قطبي المعادلة والوجودية أي بين الله والإنسان.
فيكون هذا الفصل الرابع للمعنى الوجودي لعلاقة مستويي الذوق بالتواصل بين الله والإنسان.
والفصل الخامس للدلالة مستويي المعرفة بالتواصل بينهما.
وهذان المبحثان هما لحمة القرآن وسداه. فأساس القيم ذوقيا والدلالات معرفيا هو ما يشد القيم والدلالات في الطبيعة التاريخ إلى ما يتعالى عليهما.
وبذلك يصبح القرآن باحثا في خمسة فلسفات:
فلسفة الذوق
فلسفة المعرفة
فلسفة الطبيعة
فلسفة التاريخ
فلسفة الدين علاقة بين الله والإنسان
السؤالان:
ما بعد الذوق: ما معنى تعالي الذوق الروحي على الذوق المادي؟
وما بعد المعرفة: ما معنى تعالي المعرفة النظرية على المعرفة العملية؟
هذا الفصل الربع أبحث فيه المسألة الاولى أو فيما بعد الذوق أو علة النقلة من الذوق المادي إلى الذوق الروحي أو قيمة الجمال وعلاقتها بالحياة.
صنفت النخب بخمسة صفات:
الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود عرفت صفة الحياة بكونها ما يعبر عن الذوق بالإبداع الفني: دور الإبداع الفني في الحياة.
وإذن فهذا الفصل فيما بعد الذوق بمستوييه يدرس الإبداع الفني في الحياة وصلته بالعلاقة المباشرة بين قطبي المعادلة الوجودية أي الإنسان والله.
ما معنى وصف القرآن للمال والبنين بزينة الحياة الدنيا؟
فالمال والبنون إشارة إلى الأصل الاقتصادي والعضوي برمزية جمالية: زينة الحياة الدنيا.
إذا كان هذا معناهما الروحي فما أثر فهمه على دلالتهما المعرفية: إنه الوعي بأن ما يزين الحياة الدنيا منهما هو ما فيهما من تعال على الدنيوية.
زينتهما أو ما فيهما من جمالي هو التعالي الذي يظهر فيه الاشرئباب الذي يشد النسبي بالمطلق: الجمالي في الحياة العضوية وثمرتها وعي بالتعالي.
فعندما يصبح المال زينه فقد قد تجاوز طلب سد الحاجة المادية وعندما يصبح البنون زينة فهو قد تجاوز سد طلب الخلود العضوي: معناها بحق ذوق جمالي.
وهذا المعنى الحقيقي اعتبره الفقهاء تحقيرا من الحياة الدنيا فظنوا أنه نهي عن الزينة وليس اعتبارها بداية إدراك معناها المتجاوز للحيوانية.
وهو ما نتج عن اهمال التعبير الجمالي عن تجاوز الحاجة المادية والحاجة الجنسية بإشباعهما وليس بالتخلي عنهما خلطا بين الفقرين المادي والروحي.
لم يفهموا أن تحقيق الجالي في المال وفي البنين يعني أولا إيجادهما ثم اعتبارهما غير كافيين إلا لسد الفقر المادي الذي يحيي الوعي بالفقر الروحي.
سد حاجات الفقر المادي (المال والبنون) شرط ضروري غير كاف للوصول إلى الوعي بالفقر الروحي أي بمعنى العلاقة بين مستويي الذوق الأول والثاني.
فالثاني هو الوعي بالجمال الذي هو بداية الترقي والتحرر من الانشداد إلى الدنيوية والوعي بالأخروية أي بحقيقة الإنسان: تضايف نسبيته مع المطلق.
والغريب أن موقف العلماني والديني واحد ولا يختلفان إلا بكون أحدهما يثبت ما ينفيه الثاني: الأول ينفي ما يتجاوز الدنيا والثاني ينفي الدنيا.
غابت عنهما دلالة الجالي في الدنيوي مشروطا به وبتجاوزه في آن. ومن يدعي الاستغناء عنه ومن يدعي الاستغناء عن تجاوزه يلغي أحد مقومي الإنسان.
مقوم النسبي أو الدنيوي ومقوم الوصل بالطلق او الجمالي فيه. والدليل أن القرآن يجعل مضمون الأخروي هو ما في الدنيوي من قيمتي الجمالي والجلالي.
فوصف الجنة كله جميل بمنظره وجليل بأعاجيبه التي تجمع بين ما يعجز عنه التصور دون أن يفقد ما فيه جمال ومهابة اجتماعهما هم جوهر الجلال.
وكل ما أذكره هنا ليس فيه كلام على الغيب أو على الاخرة بغير ما ورد في القرآن ليس بأعيانه بل بما يعد المستوى الثاني من الذوق المرقاة إليه.
فالمستوى الثاني من الذوق يحرر الإنسان من الاولى فينقله من تناهي العيني إلى لا تناهي قيمة الجمال. وما بعدهما يحرره من النسبي بالانشداد إلى المطلق.
وكل حضارة إذا انحطت تنكص إلى المستوى الأول من الذوق فلا ترى زينة المال والبنين مرقاة إلى الجمال فترضى بحياة الحيوان ولا ترقي لوعي الإنسان.
ومن يظنون الدنيا حتى بجمالها كافية للإنسان فإنهم لا يعتبروا الجمال انشدادا إلى الكمال بل غرقا في الفناء ويأسا من البقاء إلى إدمان الخواء.
ذلك أن من يخلد إلى الأرض وإن ظن أنه يذوق الجمال فإنه يقصره على وميض أعيانه فلا يدرك آيات بيانه وعيا بما في الإنسان من شوق إلى حقيق الوجدان.
جمال الإبداع سواء كان في الجمال الطبيعي أو في التعبير الإنساني لا يتعلق بعين المبدعات بل بما يترجم به العيني الفاني مما فيه من باق.
والباقي في الفاني هو ما يجعله غرم فانيته حاصلا في الوجود الفعلي بما فيه من بقاء ولو للمح البصر: فالوعي بالفاني غير فان رغم فناء صاحبه.
الوعي بالفاني يعيه في ذاته وفي كل ما يعيه وهو فان فيدرك أنه فيه ما ليس بفان: وهو انشداده بالباقي المطلق وذلك هو ما ندركه من شاهد الروح.
وما لا ندركه من الروح ليس شاهدها بل غيبها. يكفي أننا لنا فعل إدراك وموضوع مدركها: فعل لا يحركه إلى الذوق بمستوياته المناظرة للفلسفات الخمس.
المستويات الخمس هي اثنان للذوق واثنان للمعرفة وواحدة أصل لها جميعا حددناها في الفصول السابقة. فالذوق الاول جواب عن نداء المحيط للبدن غذاء وجنسا.
والذوق الثاني جواب أرقى مما في الطبيعة والخارجية والذاتية من ومضات الجمال التي تهذب الذوق الاول فتتكثف إنسانيته صبوا للتعالي عليه دون نفيه.
والذوق الثالث عودة ذوقية ما بعدية للعلاقة بين الذوقين الاولين من منطلق ذوق الذوق. والذوق الرابع عودة معرفية ما بعدية لعلاقة الذوق بالمعرفة.
ويكتمل الرقي الذوقي عندما تصبح العلاقة الذوقية بين النسبي الإنساني والمطلق الإلهي وتلك غاية العبادة بمعناها القرآني ولا علاقة لها بالشطح.
فهي بخلاف الشطح تحافظ على الفرق وإلا فإن التواصل الانشدادي والتضايف بينهما يزول إذ لا يمكن للتوحد بينهما أن يكون حقيقة فضلا عن فقدان التواصل.
تلازم القطبين أساس المعادلة الوجودية: الله والإنسان قطبان يتوسط بينهما تبادل وتواصل مباشران وغير مباشرين بوساطة آياتهما في الطبيعة والتاريخ.
لذلك تقول فصلت إن فهم التواصل المباشر (الرسالة القرآنية) تعلم حقيقته بما يريه الله للإنسان من آياته في الآفاق والأنفس أي الطبيعة والتاريخ.
التناظر بين آيات الله في الطبيعة والتاريخ بوجودها الخارجي في الأعيان وفي وجودهما في الأذهان هو التبادل والتواصل الذوقيين والمعرفيين.
إنها الأسس التي تجمعها نظرية الأحياز: فهي تتعين في نظام المكان والزمان وما ينتج عن تفاعلهما في التراث والثروة بمرجعية هي الديني في الأديان.
وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها