لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله علاقة الأمة بالدولة
رأينا طبيعة القرآن ما هي ورأينا أنه خطاب تذكير بما تتقوم به حقيقة الإنسان الفرد (الحرية الروحة) والجماعة (الحرية السياسية) وعيا بالذات كدولة.
واريد الان أن أشرح طبيعة العلاقة بين الأمة كجماعة ودولة في نسبة بعدي كيان الإنسان الفردي والجمعي وهو في القرآن كيان يشمل الإنسانية كلها.
وهذا الكيان تاريخي ولا تاريخي: فما يتحقق منه في التاريخ هو يكتشفه في ذاته خلال إبداع مقومات علاقتيه العمودية مع الطبيعة والأفقية مع التاريخ.
ولكل من هذين العلاقتين قاعدة غائية وأداتية. فأما الغائية فهي الذوق بمستوييه وأما الأداتية في الإبداع الذوقي والمعرفي بمستوييهما.
وهما تطوير ذاتي للمقومين الطبيعي والتاريخي أو لشرطي القيام المادي (الاقتصاد) والرمزي (الثقافة) بوصفهما مؤلفين دائما من ذوق العلاقتين ومعرفتهما.
وذوق العلاقة العمودية بين الجماعة وأحيازها والعلاقة الأفقية بين الجماعة وذاتها يناظرهما معرفة الطبيعة والتاريخ والاشرئباب إلى ما بعدهما.
والاشرئباب إلى ما بعدهما ذوقي ومعرفي وكلاهما علاقة الإنسان بذاته وعلاقته بما يعتبره الله أو المطلق الذي يدرك الفرق الصفاتي بينه وبينها.
فهو يعلم أنه يريد ويعلم ويقدر ويحيا ويوجد نسبيا ومن ثم فهو ينسب إلى المطلق أو ربه نفس هذه الصفات التي تتضايف مع صفاته تضايف المطلق والنسبي.
لكنه يجهل ذاته وذات الله. هو يعلم أنها إذا صدقت مع نفسها تعي أنها تعي نسبية إرادتها وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها فتنفي عنها الإطلاق.
وعيها بنسبية أفعالها وعي بإطلاق ممكن على الأقل ملازم لها لكنه ليس في غير لها من جنسها للتقابل بين نسبية الصفات وإطلاقها بل في غير مطلق.
ومن هنا يأتي التمانع الممكن بين نسبية الفاعليات التي في الوجود إلى الله عندما يغفل الإنسان عن التضايف بين النسبي والمطلق فيظن صفاته مطلقة.
ومن هنا يأتي التمانع الممكن بين نسبية الفاعليات التي في الوجود إلى الله عندما يغفل الإنسان عن التضايف بين النسبي والمطلق فيدعي الوحدة.
وادعاء الوحدة غفلة عن الفرق بين المطلق والنسبي ويكون إما بنفس النسبي (ما في الجبة غير الله) أو ينفي المطلق (ما الله إلا تصور انساني خيالي).
وهما في الحقيقة نفس التمانع فسواء لم نبق فاعلا إلا الله أو إلا الإنسان فإننا ننفي الإنسان أو ننفي الله بجعلهما كيانا واحدا مدرِك ومدرَك.
لكن المسلكين يمكن اعتباره قولا بوحدة وجود طبيعية أو وحدة وجود تاريخية بتذويب الموضوع أو بموضعة الذات لتجاوز تقابلهما في الوعي الإنساني.
وكما أسلفت فهذا ما يحاول هيجل الرد به على سبينوزا وهما صورة حديثة لنوعي وحدة الوجود الملازمة لمحاولات ترجمة ذوق الوجود إلى علم مزعوم.
وقد أشار ابن خلدون إلى ذلك في شفاء السائل بإطناب وفي المقدمة بالتلميح معترا الذوق وجدانيا لا ينقال بل يعاش والعلم تجريديا لا يعاش بل يتصور.
هذه العلاقة هي التي تمكن من اعتبار الأمة كيان مؤلف من حسد وروح هو وعيها بذاتها وبفاعلياتها والجماعة هي الجسد والدولة هي الروح أو جسد واحد.
أريد أن أدرس هذا الجسد الواحد الذي تكون الجماعة فيه كجسد الفرد والوحدة كروح الفرد. ففيم تتمثل هذا الروح. روح الفرد نعلم أنها من الغيب.
لكن روح الجماعة ليست منه لأنها قابلة للعلم والتحديد الدقيق: تلك هي نظرية الدولة التي أطنبت في الكلام عليها سابقا دون فهم لـ”كالجسد الواحد”.
ومعنى ذلك ما القصد بأن الدولة هي وعي الأمة بذاتها حماية ورعاية تماما كما يحمي الإنسان نفسه ويرعاها بما له من وعي بها وبما يحوطها من أخطار.
ولذلك فللدولة التي هي وعي الجماعة حماية ورعاية وجهين: متلفت لذاتها وملتفت لما يحيط بها من أخطار ضمن أحياز وجودها الخمسة بنفس الصفات الذاتية.
أي إنها رغم كونها ليست كائنا عضويا لها إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود بمعنى أن هذه الصفات تصبح مؤسسات فعلية وظيفتها تحقيق الحماية والرعاية.
وهذه المؤسسات بوصفها قسمة لعمل الامة المتحدة (جماعة دولة) تشبه قسمة طبيعية لأفرادها إلى نخب خمس بحسب غلبة صفة من الصفات الخمس فيهم.
إنها جوارح الأمة الواحدة أو أذرع حمايتها ورعايتها: نخب الإرادة السياسية والمعرفة العلمية والقدرة الاقتصادية والحياة الفنية والرؤية الوجودية.
كيان الدولة بوصفه وعي الأمة بذاتها لحمايتها ورعايتها مؤلف من هذه الوظائف الخمس التي تؤديها النخب فرض كفاية بعقد تكليف من الجماعة فرض عين.
وحدة الأمة التي يقارنها الرسول بالجسد الواحد هي وعي الأمة بوحدتها في دولتها التي تحقق حمايتها ورعايتها اللتين تقتضيان هذه الوظائف الخمس.
وهذا الوظائف الخمس التي تحقق الحماية والرعاية هي التي ينبغي أن توجد في كل قوة سياسية لأن تأهلها للحكم أو للمعارضة يحوجها إليها كلها.
فكل قوة سياسية -حزب أو قبيلة كبرى أو هما معا كحال يهود العالم: هم في كل الاحزاب وهم فوق ذلك يعيشون بروح القبيلة الأبدية-قوة بها كلها حتما.
فالقوى السياسية وحدات متعددة كل منها توليفة من الإرادة المعرفة والقدرة والحياة والوجود للتأهل لقيادة دولة تحقق حماية الجماعة ورعايتها.
لكن هذا التعدد مع البقاء في نفس الجماعة يعني أنه توجد مرجعية عليا القوى السياسية رغم تنوع إراداتها ومعارفها قدراتها وحيواتها ووجوداتها.
وهذه هي ما يمكن أن نسميه وعي الأمة بهويتها أو بكونها هي ما هي في رؤيتها لذاتها: المرجعية هي مرآة وعي الجماعة بذاتها: إنها الأساس المتعالي.
تليها تفرع الجماعة إلى قوى سياسية يليها القيم المجمع عليها غاية للحماية والرعاية (الدستور) فالهيئة الحاكمة والمعارضة فالوظائف التي تحققهما.
وهذا هو كيان الدولة التي هي وعي الجماعة بنفسها وأفعالها بالمؤسسات التي هي خانات خالية يملؤها من ذكرنا من النخب بانتخابين متواليين فيها.
الانتخاب الأول تأهيلي حتى يحقق الفرد شروط الانتساب إلى واحدة من النخب بما تحقق له أهلية تمثيل الإرادة او المعرفة أو القدرة أو الحياة أو الوجود.
والانتخاب الثاني ترشيحي أي إن الامة ترشحه لملء خانة تناسب مؤهلاته. والانتخاب الأول شبه طبيعي في كيان الفرد والثاني ينتج عن ثقة الجماعة.
ومن حصل على نتيجة موجبة في الانتخابين هو الذي يقوم مقام الجماعة في اختيار الهيئة الحاكمة والمربية وبقية الوظائف يكون ترتيب التأهيل كافيا.
والوظائف التي يكفي فيها ترتيب التأهيل كافيا هي وظائف الحماية الخمس ووظائف الرعاية الخمس وهي الإدارة الفعلية والمباشرة للشأن العام.
وهذه الإدارة المباشرة خاضعة لمراقبتين: سياسية من الهيئة الحاكمة والمعارضة ومدنية من الشعب كله خلال أدائها لوظائفها التي هي خدمات للجماعة.
فوظائف الحماية هي القضاء والأمن داخليا والدبلوماسية والدفاع خارجيا والاستعلام السياسي والإعلامي جهازا عصبيا لهذه الوظائف للعمل على علم.
ووظائف الرعاية هي التربية النظامية والاجتماعية تكوينا وهي الثقافة والاقتصاد تموينا وجهازها العصبي الذي هو البحث والأعلام العلميين لعملها.
أما الهيأة السياسية الحاكمة والمعارضة فمراقبتها نوعان: ذاتية لأن التشريعي يراقب التنفيذي بمعايير الدستور لكن المراقبة الشعبية الدائمة.
ولهذه المراقبة تجليان: فهي تجري دائما خلال المدة التي يعينها الدستور ثم فيما يفصل بين المددة لإصدار الأحكام الشعبية على الأهلية الوظيفية.
وكل جزاء سالب للحاكمين جزاء موجب للمعارضين وذلك هو سر التداول على الحكم والإصلاح الدائم لأن الحاكم يحرص يجتهد للبقاء والمعارض لتعويضه.
والحكم النهائي هو الأمة بمعايير مرجعيتها روحيا ومصالحها ماديا. وبذلك تكون الدولة هي عين وعي الجماعة بذاتها وسعيها لتقيق حمايتها ورعايتها.
وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها