لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله عرب العار
بت أفهم قولة ابن خلدون في الشعر وتجنب كل ذي كرامة تعاطيه بعد أن أصبح مهنة الكدائين. فديوان أيام العرب صار دعاية ودعاية مضادة للمستبدين. ولست أقصد الشعر لأنه حتى بعد أن عكس الشعراء خطابهم فجعلوه شعارات تقدمية في الجهر وتلحيس أحذية الرجعية في السر لم تتغير طبيعتهم بل أصبحوا مليشيات القلم. ما يؤلمني أن الساحة الفكرية صار لا يعبر عنها إلا ما يسميه الرسم الشعبي له بمعارك “حارزات الحمام” أي معارك اميات يعملن في الحمامات العمومية. لذلك لن تسمع تحليلا لأحوال الأمة ممثلة بصفي المعارك السياسية والثقافية والاقتصادية لأن الكل في الهوى سواء: في خدمة الأعداء كأمراء الحرب. لذلك فالأفضل أن أعود إلى الكلام فيما وراء هذه الظاهرات طلبا لعلل الأمراض العميقة التي نخرت كيان الأمة الروحي والمادي ففسدت معاني الإنسانية. عشت النصف الثاني من القرن الماضي في حرب أهلية بين الانظمة القبلية والأنظمة العسكرية دميتين بين يدي القطبين إلى أن سقط أحدهما فاحتموا بمن بقي. وعندئذ فهمت أنهم لم يكونوا يحتمون من عدو شعبهم وحضارتهم بل من شعبهم وحضارتهم: كلاهما كان في حرب على شبعه وحصاره خدمة للأعداء مقابل البقاء. ألم يفهموا أن بقاءهم كان كريما لو تنازلوا على عشر ما يتنازلون عنه للحامي فيستعيدوا شروط السيادة للأمة بدل ذل ومهانة واستكانة في محمياتهم؟ يتصورون أن السيادة تتلخص في الكذب على أنفسهم وعلى شعوبهم مع علمهم أنهم قبالة ناتن ياهو أو زورو إيران كلهم سيسي وحفتر، خاضعون لا يرفعون رؤوسهم. كلهم يعلم أن شروط السيادة ممتنعة حتى على ذوي الحجم المحترم مثل دول أوروبا العجوز وهم يتعنترون على بعضهم البعض نكوصا إلى داحس والغبراء. وما يحاول أحدهم إصلاحه يصبح هم البقية إفساده حتى لا يوجد من يمكن أن يفضله وبدلا من منافسته في عمل الخير يعمل ما يستطيع لتهديمه بعمل الشر. وأكاد أجزم أنهم في السنوات الخمس الباقية قبل الألعاب الأولمبية في أول بلد عربي سيصرفون إن لزم الأمر كل ما أبقاه لهم ترومب من مال وزيت حجر. ومع ذلك تجد من كهنوت الحداثة والقدامة من يبرر هذه الأمراض التي لا يمكن أن تكون إلا أعراض النكوص إلى الجاهلية الجهلاء وسفالة الأغبياء. ولقد صرت أخجل من حالنا في العالم الذي كله خرج من الجاهلية والبداوة حتى وإن لم ينطح السحب بالمستوردات من الخردوات والعاهرات والفاجرات. وهؤلاء ليسوا بالضرورة نساء بل هم كل المليشيات بصنفيها مليشيات القلم ومليشيات السيف التي تزين الشين وتحمي المستبدين والفاسدين من أراذل العرب. ولا فائدة من الوصف فحتى الحطيئة لو كان بيننا لعجز في هجو هؤلاء الذين لا يصح فيهم إلا الوصف الخلدوني: فهم عين فساد معاني الإنسانية بإطلاق. يفاخر بعضهم البعض بالثروات السائلة أو المجمدة في مشروعات غربية ليس لهم القدرة على حمايتها لفقدانهم شرطي السيادة فتجمدها أمريكا متى شاءت. إنهم في الحقيقة وإن بالقوة أفقر من بلاد العرب التي لها صناديق سيادية لأنها على الأقل حتى لو حوصرت تستطيع تغذية شعبها بعمل أبنائها. فأي بلد عربي لو حوصر كما حوصرت كوبا أو إيران أو كوريا الشمالية سيموت شبعه جوعا. لأنه لا أحد يمكن أن يأتي لنجدتهم عندم يجد الجد ويطبق الحد. هذا إذا لم يكن العدو المحاصر واجدا بين أجوارهم من اخوتهم أفضل المساعدين في الحصار شماتة بالجار وفخرا بحظوة الغدار لدى العدو: عرب العار.
الكتيب