ظاهر التقدم والتنوير وباطنهما



لتحميل المقال أو قراءته في ص-و-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



1-تكلمت في أعوص قضية قيمية في المتجمعات الإنسانية عامة والإسلامية خاصة والعربية بصورة أخص: قضية تتعلق بمنزلة المرأة رغم عسرها السياسي والديني.
2-وأعلم أن الكلام فيها مجلبة للمشاكل. لكن لا بد مما ليس منه بد: فلا يمكن الكلام في ثورة الاستئناف الحضاري للأمة مع السكوت على أهم حوائله.
3-والسكوت على المشاكل لا يلغيها بل هو يزيدها عواصة: ذلك ان الظروف عندئذ هي التي تفرض على الأمة أن تصبح تابعة حتى في أكثر قيمها حميمية.
4-ولست بهذا أبرر اقدامي على الكلام في قضية المرأة. ذلك أني فعلته عن قناعة وبعد فحص مترو وتدبر عميق في إشكالية الدور الذي لا يراد للمرأة أن تؤديه في الثورة بالذات.
5-هدفي الآن أعمق: إنه بيان القانون الذي تخضع له التغيرات القيمية المحددة للمنازل عامة ولمنزلة المرأة خاصة في اي حضارة من الحضارات عامة وفي حضارتنا على وجه الخصوص.
6-وطبعا فكلامي يتعلق بتحديد المنازل من منطق التطورالذاتي للحضارة الواثقة من نفسها والفاعلة ليس من منطلق تقليد المغلوب للغالب ورد الفعل الذي هو الغالب حاليا على علاج القضايا في مناخ انهزامي.
7-ذلك أني أخاطب شباب الثروة بجنسيه وهو شباب واع تجاوز رد الفعل وإلا لما شرع في الفعل الذي يهدف إلى استئناف دور الأمة الحضاري والروحي عالميا حتى وإن كانت الاستراتيجية الفاعلة لم تصل إلى مرحلة النضوج العقلي المتروي.
8-ولست بهذا أضخم حدثا بصورة وهمية: لو لم يكن ما يجري عندنا حدثا ثوريا ذا أبعاد عالمية لما حصل شبه إجماع على منعه كما حدث مع الثورة الفرنسية التي تحالفت ضدها كل أوروبا بما فيها انجلترا وروسيا.
9-والحدث الثوري عندنا أهم من الثورة الفرنسية لأن الجميع كان يعلم أن فرنسا لم تكن قبل ثورتها إمبراطورية عالمية ولا سادت العالم لثمانية قرون بحضارة متميزة لا شرقية ولا غربية لأنها خطت للبشرية طريقا حررها من التحريفين الشرقي (ممثلا بفارس) والغربي (ممثلا ببيزنطة).
10-لذلك فمهما قلت في وصف عظمة ما يحدث فإني باق دون عظمته الحقيقية التي بدأت تتجلى سلبا بما أشرت إليه من تكسر النصال على النصال ضدها مع بقائها صامدة بل وشرعت في تحقيق الانتصارات.
11-كيف نفهم التغير القيمي الذي تعبر عنه نسب التشبث بقديمها وبجديدها فنعير حدة الصراع الدائر بين الصفين الممثلين للقديم والحديث أي الممثلين لطرفي المعركة؟
12-ومما يضفي على حقيقة الصفين في المعركة بسياقها الإسلامي والعربي فرادتها هو التقابل التام بين ظاهر الأحداث والممثلين وباطنهما مع تعاكسهما التام: ما يبديه الظاهر عكس ما يخفيه الباطن.
13-وليكن مثالي تونس ومصر فالأولى بداية الثورة والثانية يراد لها أن تكون نهايتها: فالظاهر يجعل الحداثيين ممثلين للتقدم والتنوير ويجعل الإسلاميين ممثلين للرجعية والظلامية. ولو اقتصرنا على الظاهر لصح ذلك.
14-ولهذه العلة اعتبرت القضية جديرة بالعلاج الدقيق والرصين والمدلل عليه بأكثر الطرق صرامة ونسقية. أبدأ بسؤال يعتبره الحداثي والتنويري المزعومين « من المعلوم بالضرورة »: كيف نقيس التحديث والتنوير؟
15-وطبعا فالصف الحداثي والتنويري له مقاييس الرجعية والظلامية. ويظن أنه غني عن قيس التقدم والتنوير. ذلك أن الأمر يتمثل عنده في مقابلة بسيطة وبسيطة جدا لأنها متعينة في طرفيها.
16-فالتقدم والتنوير يمثله الغرب ومن ثم فعلينا أن نكون مثله. والرجعية والظلامية نمثلها نحن. وإذن فالحل هو ان نتخلص مما نحن لنكون ما الغرب كائن. وبذلك يزول المشكل من أصله. ذلك هو منطق الحداثيين فهل ابسط من مثل هذا الحل؟
17-وحتى يتضح الخطأ الجسيم لمثل هذه التصورات العجلى سأقبل بأنه علينا أن نتخلص من ذواتنا لنكون مثل الغرب. لن أجادل في هذا التشخيص. لكن أسألهم: أي غرب؟ الحالي أم الغرب الماضي الذي حقق ما عليه الغرب الحالي؟
18-فأولا الغرب القديم الذي حقق الغرب الحالي لم يكن كالغرب الحالي بل كان كالذين استطاعوا تحقيق ما يشبهه لما حاكوا الغرب القديم لتحقيق ما يشبه الغرب الحالي في الفاعلية الانتاجية لا في النموذج الاستهلاكي: عمالقة آسيا.
19-وطبعا فكل الذين يدعون التحديث والتنوير في تونس ومصر-مثالان كافيان- لا يبدو أنهم درسوا الغرب القديم الذي صنع الغرب الحالي ولا حتى آدابه. كلهم يقلبون العلاقة يعتبرون الغرب الحالي تخلقا طبيعيا دون أن يسبقه غرب قديم أنتجه.
20-لو أنهم قرأوا مثلا الأدب الانجليزي في القرن 19 وليس في البدايات لفهموا أنه غير ما يحلمون به من رخاء وكسل ورخاء دون عناء بل كانوا مثل الآسيويين حاليا خلايا نحل تعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم فضلا عن استغلالهم المستعمرات ونهب خيراتها.
21-حداثيو العرب وتنويريوهم يريدون الثمرة دون جهد الاستثمار بل تراهم يصطافون دون أن يكونوا قد تعبوا خلال السنة التي هي راحة واستجمام ونهبا لخيرات الأنام: لا حاجة لثورة فلسفية ولا لثورة علمية ولا لثورة تقنية ولا لثورة اقتصادية ولا لمستعمرات كل ذلك يستورد. المهم الرخاء دون عناء ولو ببيع البلاد والعباد لسيد الأسياد.
22-وطبعا هذا الرخاء بلا عناء ممكن بشرطين: أن ينحصر في طبقة الحكام وعملائهم من هذه النخب التحديثية والتنويرية مع فترينات لإقناع السائح الغربي أنهم مثله. يكفي أن ينهبوا ما يملأون به بنوك سويسرا ويبنون به قصورهم حيث يصطافون هم وجواريهم.
23-تلك هي القصة في تونس ومصر: لم يبق إلا عامل واحد كان علي ذكره: السينما والدعاية للنظام والنخبة العميلة وبيئة استعمار الخواجات المحليين. فهذه الواجهات تمكن من الظن أن الحداثة والتنوير حصلا بمجرد أن انشأوا جزرا تشبه الغرب الذي يمكن أن يتسوح فيها والشعب كله خدم ونوادل لديه.
24-تريد رؤية عينة؟ تذكر زيارة رسمية لرئيس عربي للغرب: زيارة السيسي لألمانيا مثلا. كانوا يتصورون أنهم سيبهرون الألمان بالراقصات والطبالة دليلا على تطور مصر. الا يقنع ذلك الألمان أن مصر متقدمة؟ ففيها الراقصات والممثلات حتى لو كانوا يعلمون أنه لا أحد في ألمانيا سمع بهم مجرد السماع.
25-ذلك هو التحديث والتنوير. أما الإسلاميون فهم ممثلو الرجعية والظلامية. فالبلطجية وطبالة الصحفيين حداثيون وتنويريون. وسجناء الأخوان من علماء وأطباء رجعيون وظلاميون. من يريد العيش مثل الغربي متقدم. ومن يريد تحرير شعبه ليكون كريما وسيدا بشروط الكرامة والسيادة متخلف.
26-بعد ضرب الأمثال من تونس ومصر فلنمر للإشكالية العلمية: كيف نقيس تغير القيم بمعيار التشبث بها من صفي المعركة حولها؟ مشكل بعمر الإنسان لكنه بات قابلا للصوغ العلمي.
27-وعلى حد علمي فإن أول من أراد صوغ ذلك علميا -أعني رياضيا- هو أرسطو وإن كان صوغه كيفيا يؤسس للصوغ الرياضي علما وأن “أخلاق نيقوماخوس” هو أول محاولة لبناء علم إنساني على الصوغ الرياضي. قسم أرسطو الجماعة بحسب مواقف ثلاثة.
28-موقف طبقة المعدمين. وموقف طبقة المترفين. وموقف الوسط بينهما بكل الدرجات المتقدمة على الوسط والمتأخرة عنه. لكنه اكتفى بهذا التقسيم و لم يكمل الترييض لانعدام قانون رياضي يمكن من ذلك في عصره.
29-ذلك أن القانون الرياضي لم يقع اكتشافه إلا في القرن التاسع عشر: اكتشفه غوس: إنه قانون” ناقوس” جوس أي الخط البياني الذي يشبه شكل الناقوس المقبب بانفراج فمه المعلوم.
30-فكل صفة من الصفات يمكن أن توزع على خط بياني يرسم عليه. حتى أطوال البشر وأوزانهم وحجوم سوقهم أو عرض مناكبهم إلخ… تخضع أعدادها الكبرى إلى هذا القانون الذي يصف التوزيع على ذلك الخط: والموقف من القيم يخضع له إذا ترجمنا رأي أرسطو.
31-وأرسطو يقول إن : المعدمين لم يصلوا إلى الفضائل. ويرمز إلى ذلك بداية الخط المرسوم على الناقوس يمنة مثلا. وإن المترفيـن يتصورون أنهم تجاوزوا الفضائل ويرمز إليهم نهاية الخط المرسوم على الناقوس يسرة مثلا. وإن البقية تتحرر من العدم والتجاوز بين البداية والغاية.
32-فإذا أنت حاولت أن تفهم من الذين يطبلون للاستبداد والفساد وجدت أنهم المترفون وتوابعهم من المعدمين وخاصة من عضاريت المثقفات والمثقفين المتنكرين لأصلهم المعدم (كما تبين كليشهات السينما المصرية : هم يقلدون المترفين الذين يقلدون الخواجات).
33-خلني أقف هنا: فقد يجتمع علي كل المترفين ممن يمتصون دم الشعوب وعملائهم المعدمين المتنكرين لأصولهم فتتكسر النصال على النصال التي يطلقها الأنذال. فلا حول ولا قوة إلا بالله. وله الحمد والشكر.
34-انتقل إلى الكلام على شباب الثورة بجنسيه: إنهم ثاروا وهم يعلمون أن الكونية القرآنية لا تعتبر الفروق الثقافية بين البشر نافية للكليات الجامعة بل تؤكدها. لذلك فهم يطلبونها ليس تقليدا لزيد أو لعمر بل لأنها شرط السيادة التي تتمثل في الحماية والرعاية الذاتيتين.
35-وإذن فشروط قيام الأمم وازدهارها كونية: إنها شروط الإنتاج المادي للقيام العضوي والإنتاج الرمزي للقيام الروحي لأن الإنسان حي ومبين. وشرط إمكان الانتاجين متقدم عليهما لأنه دولة سيدة بمرجعية غير تابعة.
36-فـمن حيث الإنسان كائن حي لا بد له من شروط إنتاج الثروة وما ينتج من تراتب اجتماعي. ومن حيث هو مبين فلا بد له من شروط إنتاج التراث وما ينتج من منازل قيمية. ونظام الانتاجين يقتضي سلطان غير تابع يمثل إرادة الجماعة.
37-ذلك أن الانتاجين يولدان ضربين من التنافس والتزاحم في الداخل والخارج. وهو يوجب ما يسميه ابن خلدون بالوازع الخارجي والوازع الداخلي والأول سياسي وقانوني والثاني ديني وخلقي.
38-وكل من فقد الخلقي والديني من النخب الحاكمة والمزينة لها أفعالها يصبح السياسي والقانوني عنده من جنس سياسة السيسي وبشار ونخبهما. فالجميع بلا كرامه وفي خدمة حاميهم الاستعماري.
39-فهم لا يعنيهم لا التقدم ولا التنوير إلا كشعارات دعائية. أما الحرية والكرامة والسيادة الشارطة لهما فهي أدنى الهموم.
أما صاحب الأخلاق والدين فيضفي على السياسة والقانون طابع القدسية والتنوير بحق لأنهما أداتا السيادة وشرط الحرية والكرامة.
40-لذلك فعنده العمل السياسي والقانوني لتحقيق شروط الانتاجين المادي (جهاد) والرمزي (اجتهاد) شرطي الحرية والكرامة الضامنين لعدم التبعية. وهذا النشاط شرط للمرأة وللرجل في آن. لذلك فمنزلة المرأة في هذه الحالة تجعلها ذاتا فاعلية لا محفز تسويق تجاري.
41-وعندئذ نفهم أنهم يصبحون هدف السهام الداخلية والخارجية: الداخلية من الاستبداد والفساد ونخبه التي وصفنا والخارجية إقليميا ودوليا معلومين للجميع. يكفي متابعة المليشيات الخمس والأبواق الاعلامية.
42-وتقديم الخلقي والديني في تكوين هؤلاء الفتية والفتيات الذين قاموا بالثورة أو التحقوا أوسيلتحقون يجعلهم يزدادون إيمانا بجمع العدو لهم. وكلما جمع لهم العدو كلما تيقنوا أنهم على صواب.
43-تلك هي علة تفاؤلي وثقتي بأن الموجة الثانية من الثورة ستأتي على الاعداء من الجذور بفاس صاحب شعار الثورة رمزيا: ابو القاسم الشابي.
44-وأختم كلامي بالعودة إلى البداية: قارن بين منزلة المرأة بالمشاعية الأفلاطونية وأداة تسويق لغيرها من البضائع والمرأة المشاركة في الجهاد. هذه ذات فاعلية تغير التاريخ. وتلك بضاعة رخيصة تحمل دعاية التسويق أو خداع المخابرات والمخدرات.
45-لا أحد يحدد منزلة المرأة من خارجها بل ما ينبع من وعيها بذاتها هو المعتبر: عملها في الجهاد والاجتهاد يجعلها كاملة الدور والمساواة إنها لا تتحرربالجندر بل بدورها الثوري.
46-دورها الثوري ليس تزيين دعاية التحديث والتنوير الذي يغطي على الاستبداد والفساد الذي جعل الأمة أكثر تبعية مما كانت في عهد الاستعمار.
47-دورها كما حاولنا بيانه في البحث المنشور في الموقع ليس منة من أحد بل هو ناتج عن كونها غاية الإنتاجين ودافعهما الأساسي والمؤسس لوجهتهما.
48-هي غاية لأن الثورة والرتبة ماديا والتراث والمنزلة رمزيا كل هذه القيم غايتها عند تجاوز الحاجي إلى الكمالي هو ذوق المرأة فعلا وانفعالا: في الحضارات التي للشرف والعرض معنى تعد المرأة سيدة الجميع بخلاف ما آل إليه الأمر بسبب الانحطاط.
49-وليس ذلك منة من الرجل بل هو في الحقيقة ما يضفي المعنى على كل جهده وخاصة إذا كان مع صاحبة تؤمن بالزوجية التي هي شرط وحدة الكيانين.
40-صحيح ان ذلك من أعسر المواقف بسبب التوازي بين الفعلي والخيالي أو الموجود والمنشود: لكن النضوج الروحي والخلقي هو تحسن الأول بالثاني.
41-وعسكه يؤدي إلى فقدان الغايتين: حل افلاطون أزال الحب والنسب فأصبح اللقاء بين الجنسين حبا لحظا غير ثابت وأصبح الأطفال بلا نسب ولا أم ولا أب. بل إن الجنس نفسه في سعيه للتخلص من مسؤولية الحب والنسب المستقرين يصبح عقيما لأنه يصبح يقدم المثلي على الغيري: متعة متحررة من الوظيفة العضوية والنسلية.
42-الحل الأفلاطوني يبقي مشكل الحب والنسب بلا حل: يقصر العلاقة على “الجماع العابر” وخاصة المثلي المتحرر من مسؤولية العناية بالثمرة دون إطار نفسي بعلاقة مستقرة حتى من دون مشاعية الملكية.
43-لذلك فالمهرب كان جعل الحل الأفلاطوني رديفا للتخادع الأسري بالخيانة المتبادلة وهو مقوم للحداثي التنويري إن لم يفعله فهو رجعي ظلامي. لا يمكن في هذه الحالة إلا حل العلاقة المثلية التي تحقق المتعة دون العناية بالثمرة لأنها معدومة.
44-وهو لا يقبل نصفه أي يسمح لنفسه ما لا يسمح به لصاحبته. لذلك فقل أن ينجح زواج حداثي وتنويري إلا إذا اعترف لنفسه أنه يتظاهر بهما لا غير.
45-لا تسألوني هنا عن الحل ما هو؟ فذلك ما حاولت البحث عنه في الدراسة التي أشرت إليها.ولا أدعي الحسم في مسألة ملازمة للإنسانية أبد الدهر.



يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي