لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
أشرت سابقا (أ – ب) إلى أن الاستعمار غير المباشر للوطن العربي يستعمل ذارعين بخمس مليشيات عربية من صنفين مضاعفين تجمعهم مظلة القومية الفاشية.
وهي ظاهرة أصبحت بينة للعيان وخاصة في الشام والعراق وحتى مصر.
فأما الذراعان فهما إيران وإسرائيل وكلتاهما تريد استرداد إمبرطورية قبل إسلامية يعتبرون العرب قضوا عليهما في الماضي وحائليـن دون عودتهما.
قد أفهم دوافع الذراعين ومستخدمهما الغربي لكني لم أجد تفسيرا مقنعا للمليشيات الخمس:
- الباطنية
- والصليبية
- والعلمانية
- والليبرالية
- والقومية.
ما يحيرني هو كيف لعربي أن يكون على بينة من خطة العدو لأمته وهو مستهدف معها مهما حاول إيهام نفسه بأن مستخدمه يستثنيه ويقبل بهذه العمالة؟
فمهما كان له من الحقد على السنة فينبغي أن يسأل نفسه:
هل الحقد على السنة يجعله يتنازل عن أرضه ووطنه لمن يعلن صراحة أنه يريد اجتثاث شعبه؟
وعندما أسمع نصر الله أو الكلب الذي يعتبر من باع العراق الكلبي بطلا أعجب من معدنهم أو أبو فضل قرد مجنون لبنان : رضعوا الخيانة.
فلا إسرائيل ولا إيران تخفيان هذا القصد بل هما تفاخران به:
فالتشييع والتنصير والعملنة واللبرلة والقومجة كلها أدوات لضرب مبدأالحصانة لكنها مجرد أدوات لاغير.
ومعنى ذلك أن
- إيران ستعاملهم كما تعامل عرب الأحواز.
- وإسرائيل ستعاملهم كما تعامل عرب غزة.
كلاهما يستعملهم وسيرميهم بعد أن يـحقق بهم ما يسعى إليه أي ضرب أساس المناعة.
لكن ذلك لن يتم لأن العرب هم الأقوى فضلا عن الحق.
وأساس المناعة هو العمود الفقري للجماعة التي هم فيها أقليات ما كانوا ليبقوا لو كانت الأغلبية كما يدعون تسعى للقضاء عليهم لأنها حفظتهم.
وها هم الآن بصدد إفناء ذواتهم لمجرد أن إيران وإسرائيل وربهما قد وضعوهم في فوهة المدفع.
ولما كنت أعتقد أن الباطنية والصليبية والعلمانية الليبرالية والقومية الفاشية مؤلفة من بشر فاقدين للعقل والوعي فلا بد من تفسير مقنع لسلوكهم :
هم يحققون أجندة تخدم ذراعي الغرب إيران وإسرائيل لاسترداد ما يسمونه إمبراطوريتهم على أرض العرب.
فلا يمكن الاكتفاء بقوة دعاية الذراعية ومستعملهما ولا باتهام المنتسبين إلى المليشيات بمجرد الميل إلى الخيانة.
فكلا التفسيرين غير كاف.
هذه هي المسألة العويصة التي أريد علاجها بموضوعية لا يمكن أن تحصر الداء في المليشيات لأن التفسيرين هذين لاتأثير لهما إلا ببيئة مساعدة هي التي توفرها الأنظمة التي تدعي القومية.
ذلك أن هذه المليشيات تنقسم إلى قسمين
- أحدهما موروث عن الماضي الذاتي
- والثاني عن الماضي الاستعماري
والأخير أو المظلة تدعي الدواء بالداء : دعوى توحيد العرب بضرب اساس وحدتهم الروحية.
فالباطنية الحالية هي تفريخ انفراط عقد دولة الإرهاب الفاطمية والصليبية هي بقايا المستعمرات الصليبية: وكلتاهما عششتا في الشام خاصة.
وهما إلى الآن تواصلان ما نبه إليه ابن تيمية عندما اعتبر الحسم معهما أهم من الحسم مع الغزاة الذين كانوا سيغادرون بفضل النصر عليهم.
والعلمانيون والليبراليون هم بقايا الاستعمار أو من نوبهم في النقلة من المباشر إلى اللامباشر وكل من فرخ منهم خلال ما يسمى بالاستقلال الذي هو انتقال إلى الاستعمار اللامباشر بواسطتهم.
وهؤلاء يواصلون بنفس المنطق علاقة المستعمر بالانديجان في تعاملهم مع الشعوب احتقارا واضطهادا واستغلالا بحيث لا يتصورون غيرهم حاكما للبلد التي ينهبون ثرواتها وينقلونها إلى حيث يعدون لمفرهم عند الحاجة.
وبذلك نجد الجامع بينهم في المظلة القومية الفاشية:
فهذه تعلم أنها لا تستطيع أن تحكم بلاد العرب السنة إلا بسند أجنبي وبقوة المخابرات والسلاح.
فيكون الجامع هو ما يصل بين الفتنتين الكبرى والصغرى:
- الاولى موروثة عن ماضينا الأهلي منذ أربعة عشر قرنا.
- والثانية موروثة عن ماضينا تحت الاستعمار منذ قرنين.
والجامع الأعمق هو تنكر الأنظمة الفاشية بمظلة القومية :
فالبعثان (العراق وسوريا) والناصريتان (ناصر والقذافي) كلهم أعدى من المليشيات للإسلام لأن عداوتهم تتخفي بدعوى العروبة.
فعداء المليشيات يفترض الاعتراف بتاريخ الإسلام ممثلا لعدوهم الذي يريدون الإطاحة به.
أما القوميات العربية فهي تلغيه تماما وتعود إلى ما قبله: البابلية والفرعونية والقرطاجنية والفينقية إلخ….
الكلام على العروبة والأفعال تهدم أساسها الذي أدخلها التاريخ الكوني وجعلها قطبا عالميا بتراث كوني جامع لما تقدم عليه ومعد لما يواصله.
والجمع ليس دينيا وخلقيا فحسب بل هو كذلك فلسفي وعلمي : فنموذج التصديق والهيمنة القرآني في الأديان طبقه فكر المسلمين على كل الإبداعات الإنسانية ليحفظ من التراث الإنساني السابق أفضل ما فيه.
لذلك فكذبة العروبة غير الإسلامية المظلة والمضلة هي التي جعلت الباطني والصليبي والعلماني والليبرالي تكون علاقته بها ليست عداوة للخلافة فحسب بل للإسلام ذاته.
ومعنى ذلك أن المليشيات رغم عدائها للإسلام والمسلمين السنة خاصة أقل عداوة من الأنظمة القومية التي سعت نسقيا للتهديم بمنطقين متكاملين ومتداخلين.
- أولهما كان يقتضي إحياء الفتنة الكبرى للاعتماد عليها في ضرب الإسلام من داخله.
- والثاني في زرع الفتنة الصغرى لضرب الإسلام من خارجه.
- والفتنة الكبرى مدارها حول الحكم هل هو بالاختيار (السنة) أم بالوصية (الشيعة).
- والفتنة الصغرى مدارها حول الحكم هل يتلاءم مع مرجعية دينية (المسلمون) أم يتنافى معها (العلمانيون).
ذلك أن وضع الإسلام بين قوسين للبناء على ما قبله وما يظن ما بعده هو الشرط الضروري وكانوا يظنونه كافيا لتأسيس الوصل المباشر بين حاضر سنده حقبة الاستعمار وماض سنده ما قبله.
لكن المقاومة التي عمرها قرنان أثمرت ما قضى على كل أحلامهم:
- عادت العربية والقرآن وتاريخ الأمة
- فلم يصبهما ما أصاب اللاتينية والمسيحية.
لذلك فوحدة الأمة على الأقل الروحية والتاريخية ما تزال صامدة حتى وإن فتتوا مكانها بالجغرافيا التي فرضها الاستعمار وعملاؤه.
فكان ذلك أول انتصار للحصانة الروحية التي أضفت على المقاومين رغم الضعف مناعة مادية جعلت جسم الأمة يقاوم ويزداد قوة بفعل المقاومة.إلى أن حدثت المعجزة حيث كان ينبغي أن تحدث:
في تونس حيث ظن العملاء أنهم نجحوا في الجمع بين ما تقدم على الاسلام وما تأخر عنه حسب وهمهم :
- العودة إلى ماقبل الإسلام (قرطاج ويوغرطة)
- والقفز إلى ما يظنه بعد (محاكاة المستعمر في الحرب على مقومات الذات).
ثم بالتدريج انتقلت الشرارة إلى مراكز الخلافة الاربعة التي كان فيها للإسلام سيادة العالم:
- الشام
- والعراق
- والجزيرة
- وتركيا.
فجاءت لحظة الحسم واقتضى الظرف التاريخي أن يتم ذلك بوحدة مركز خلافة البداية ومركز خلافة الغاية.
ولحظة الحسم ينبغي أن تكون بحجم لحظة البداية:
- بدأ تاريخ الإسلام بمعركة عالمية ضد إمبراطوريتين انتصرنا عليهما.
- وهو يستأنف بنفس المستوى ضد أمبراطوريتين أعتى من الأوليين.
لكن الله أمدنا بما يجعلنا أهلا لها ماديا وروحيا.
ونقطة التقاطع بين المدينة-اسطنبول و بغداد-دمشق أي بين عواصم الخلافة تجعل الحسم وكأنه يعيدنا إلى مرحلة الحرب الأولى من دون الخيانة.
لن يوجد لاورنس عرب جديد ولن تحصل خيانة أخرى فيقع الاتحاد بين بداية الخلافة (المدينة) وغاتيها (اسطنبول) للاستئناف بشكل إسلامي معاصر.
الجيل السابق لاردوغان فكر في هذا الاستئناف فضُرب.
لكن الشباب تجاوزوا العثرة.
وآمل أن يتجاوز الجيل الجديد من قيادات السعودية العثرة.
فلا يمكن أن تبني دولة متينة ومتحررة من الهشاشة الداخلية إذا لم يحصل شرطان أشرت إليهما حتى قبل التغيير في السعودية:
- أولا لا بد من اختلاط الطبقة الحاكمة بالتزاوج بين الأمراء والأميرات وبين أبناء القبائل وبناتها فيتحد الشعب ولا يبقى فيه ما يشبه طبقات الهند الثابتة (الكاست).
- وثانيا لا بد من أن تتساوى القبائل السعودية في الحقوق والواجبات من خلال توزيع الثروات والمنازل بالعدل بين الجميع حتى يتسابق الجميع في خدمة الدولة التي يشعرون أنها دولتهم لا دولة طبقة ليست منهم.
ذلك أنه من دون هذا التجاوز على المنوال التركي المحقق للصلح بين الأصالة والحداثة قد يصبح للذراعين وللمليشيات اليد الطولى في الإقليم.
يمكن الجواب عن سؤالنا:
كيف نفهم ظاهرة المليشيات التي يستعملها الذراعان؟
السر هو هذه العلاقة مع الحركات التي تدعي العروبة وتهدم أساسها.
- في الظاهر يبدو وكأن المليشيات أدوات يستعملها القوميون.
- في الباطن العكس هو الصحيح.
ولعل أهم دليل على ذلك هو ما يجري في سوريا منذ الثورة.
وحتى قبل ذلك لكن لا أحد أدرك العلة:
الحرب المستمرة بين البعثين العراقي والسوري.
فحلف البعث السوري مع إيران ضد البعث العراقي أيضا دليل.
البعثان يمثلان درجتين من درجات معاداة الإسلام السورية أكثر طائفية وتبعية للملالي.
لكنهما متفقان على الاستغناء عن روح العروبة: الإسلام.
والدليل أن صدام جعلته الحرب مع إيران يدرك الحاجة إلى الإسلام (والله أعلم بالسرائر: هل هو صادق أم مجرد توظيف). وحتى المؤسس يقال إنه قد أسلم
الباطنية والصليبية مليشيتا إيران والعلمانية والليبرالية مليشيتا إسرائيل لم يكن بوسعها محاربة الإسلام مباشرة إلا بالعروبة المغشوشة.
ترجمت مرة نصا لمستشرقة ألمانية حول علاقة القرآن بما قبله أوردت فيه رأي سمير قصير يدعي فيه ألا قطيعة كيفية حصلت بمجيء القرآن في الشرق.
- وليس القصد إثبات التواصل الحضاري في الشرق بعهديه قبل الإسلام وبعده بل بيان أن الإسلام لم يضف شيئا عدى نفي التواصل.
- وضمنا القصد هو أن الشرق من دونه لا يخسر شيئا لأن الإسلام “دين البدو”‘ بل بالعكس هو من دونه أفضل.
تلك هي طبيعة كل ما مر خلال عصر الأنظمة التي تدعي القومية والثورية ومقاومة الامبريالية وهي بخطة قد لاتكون واعية بها تحارب روح العروبة: الإسلام السني.
وبذلك فلا فرق بينها وبين إيران وإسرائيل إلا في عدم الوعي بالغاية مما يفعلون:
- إيران وإسرائيل يسعيان لاسترداد إمبراطورية
- وهم يخدمونهما.
والخدمة هي عين ما نرى من أفعال بشار والسيسي وحفتر وصالح وكل من يمولهم ويحميهم: العودة إلى مرحلة المناذرة والغساسنة بالتبعية الذليلة لقوى العصر.
لذلك فمن دون عودة الطموح العربي إلى قيادة الأمة كلها تماما كما كان الأمر في بداية الرسالة فإن عودتهم إلى التاريخ العالمي ليست مضمونة.
والأمة التي دخلت التاريخ أول مرة دخول من له القيادة العالمية لا يمكن أن يرضى شبابها بجنسيه بدون ذلك مطلبا للعلالي والمجد الرسالي.
وطلب العلالي والمجد الرسالي ليست تكبرا بل أنفة وكبرياء وأخلاق رؤساء :
وكما قال ابن خلدون فالإنسان بحق رئيس بالطبع.
ونحن شعب الأحرار كرمنا الله بالقرآن وكلفنا بالشهادة على العالمين إذا كنا مسلمين بحق لا يمكن أن نقبل بأن يحكم الغرباء الديار.
لا بد من مسح كل عار والتحرر من وهم استقرار الأغمار تحت سلطان الأغيار.
وكم أكون سعيدا لو أن ما أكتبه يحيي في شباب الأمة بجنسيه هذا الطموح الكوني فيجعلهم خير خلف لخير سلف فلا يكونا حفدة عاقين لبناة الحضارة وفاتحي العالم باسم أسمى القيم.
فالعالم اليوم بات مزبلة طبيعية (التلوث الطبيعي) وثقافية (التلوث الحضاري) وهو إذن بحاجة لأمة تستأنف دورها لتحرر البشرية إيمانا بالأخوة الآدمية (النساء 1) وبمعيارها الخلقي الا تفاضل إلا بالتقوى (الحجرات 13).
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/