تنبيه مدير الصفحة
إذا كان الجزء الأول يتضمن بعض التعقيد فإن هذا الجزء أشد تعقيدا منه. وقد يكون ما يتلو بعده أشد وأشد. لذلك نعتذر للقارئ المتسرع وخاصة القارئ المعتاد على الأكلات السريعة. من ليس له الصبر الكافي على متابعة الترابط المنطقي بين عناصر العلاج فليسمع لنصحية أفلاطون في صدر بابه.
ملاحظة:
تنشر هذه الفقرات بإملاء الأستاذ في شكل تغريدات هي ملخصات يقوم بها مدير الصفحة. والأصل هو هذه الفقرات. لذلك تجدون دائما م.ص. التي تغيب في الفقرات الكاملة.
مبدأ ابن خلدون و تطبيقاته الموجبة و السالبة
1-أحاول الوفاء بما وعدت في غاية الجزء الأول من”طبيعة المعركة” لأمهد للجواب عن سؤال شروط الاستئناف بعد أن بينت بمبدأ ابن خلدون أن التحرر والتحرير متلازمان وجودا وعدما وأن الوعي بهذا التلازم في الحالتين بدأ يبزع.
2-بينا التلازم من منطلق إرادة الاستئناف في حالتي ما بدأ من بلد القيراون وما بدأ من بلد الحرمين. وعلينا أن نبينه من منطلق إرادة منع الاستئناف: فـمنع الاستئناف خاضع هو بدوره لمبدأ ابن خلدون. كيف نبين ذلك؟
3-بينا بالمبدأ الخلدوني التلازم بين اصلاح العلاقات الداخلية للتحرر من الاستبداد والفساد واصلاح العلاقات الخارحية للتحرر من الاستضعاف والاستتباع إذ تبين للفاعلين في الحالتين أن فعل كلا منهما مشروط بفعل الثاني.
4-ولنبين أن من يسعى لمنعهما يخضع لنفس المبدأ -لأن العدو لا ينقص ذكاء وحيلة-ومن ثم فلا بد من تحديد الفرضية التي تضفي التناسق المنطقي على الأفعال المعادية للاستئناف مع افتراض أنها شيطانية إلى أقصى حد.
5-بعبارة وجيزة: ما الغاية التي يمكن افتراضها لجعل مؤامرات الغرب ومناورات أداتيه (إيران وإسرائيل) وسلوكيات مليشياتهما الخمسة قابلة لتاويل متناسق ومفهوم بمبدأ ابن خلدون؟
6-لا بد إذن من مرحلة متقدمة على الكلام في الإصلاحين الساعيين للتحرر من الاستبداد والفساد داخليا وللتحرير من الاستضعاف والاستتباع خارجيا أي من مرحلة تساعد على فهم استراتيجية الثورة والاستراتيجية المضادة التي يحاربها بها أصحابها.
7-ولاعلاقة لمنهج الافتراض المساعد على تأويل الظاهرات بالقول بممجوجة “نظرية المؤامرة”بل هو محالة تفسير فرضية بنموذج نظري تكون العلاقة بين مقدمه وتاليه في القول مطابقة للعلاقة بين العلة والمعلول في موضوع القول.
8-وهذا محض تطبيق لمبدأ ابن خلدون: أفعال الإنسان ليست فوضى بل هي سعي هادف يفهم بما فيه من انتظام بين غايته ووسيلته أو بين مقدمه وتاليه: ومن ثم فيمكن عودة ان نستنتج بالعودة من الغاية إلى البداية استراتيجية العدو وسعيه لوأد الثورة.
9-ما الغاية التي يمكن أن تعلل ما ندعيه من أن الغرب وأداتيه (إسرائيل وإيران) ومليشياتهما الخمسة يسعون إليها ونعتبرها سلب غايتنا الإيجابية؟ وكيف يمكننا الانطلاق منها فرضية عمل علمية لتحديد ما يمكن من تأويل ظاهرات الأحداث؟
10-إنها “منع الاستئناف” استئناف العرب السنة الذين يمثلون غالبية ما يسمى الآن بـ”الوطن العربي” والذي هو مركز ما يسمى بالعالم الإسلامي في أمة ذات حيوية عجيبة كذبت تنبؤات القائلين بخروج الإسلام من التاريخ (هيجل) .
11-ولا يمكن تصديق هذه الدعوى من دون إثبات أمرين: أولا أن هذا الاستئناف أمر محتمل ومأخوذ بعين الاعتبار عند من وصفناهم بالسعاة إلى منعه. والأمر الثاني أن هذا الأمر المحتمل إذا تحقق يمكن أن يعتبر منافسا مخيفا بقدر يبرر دعوانا بأنه يسعى لمنعه تحوطا من خطر محتمل على سلطانه.
12-والتنافس على خيرات العالم -وهو سر العلاقات الدولية وما يحكمها من شريعة غاب بينة للجميع- التنافس وما ينتج عنه من سطلان يخضع عندما يذهب إلى غايته إلى منطق التاريخ الطبيعي: البقاء للأقوى.
13-ويوحد بين الأمرين أمر أعمق هما وجهاه في الحقيقة أعني أن العدو يعتبر حصول الاستئناف حائلا حقيقيا دون مطامحه. فالولايات المتحدة وذرعاها (إسرائيل وإيران) ومليشياتهما يعتبران استئناف العرب لدورهم خطرا على مشروعهم في المنطقة والعالم.
14-ذلك ما نحاول بيانه بالاعتماد ليس على الافتراض الآن فحسب بل على الأحداث والأحاديث مع اعتبار التواصل التاريخي في الصفين للاستئناف وعليه وبصورة تمكننا من تأويل كل العلامات ذات الدلالة في النزال التاريخي الذي تعيشه الأمة وخاصة شبابها بجنسيه.
15-المسألة الجامعة هي: هل توجد علامات تثبت أن للاستئناف فرصة حقيقيقة قابلة للتصديق ما يجعل أعداءه يخشون نجاحه فيقبل فرضية لتأويل سلوكهم؟
16-لا بد من الإشارة إلى أن الاستراتيجيات لا تبنى على ما هو بالفعل من المعطيات فحسب إلا عند صاحبها لكنها تأخذ بعين الاعتبار ما هو بالقوة منها عند العدو.
17-وأهم عامل في الحرب هو معرفة قدرة العدو على المطاولة-وهي قدرة ترد خاصة إلى حصانته الروحية أصل قوته المعنوية- لأن المطاولة هي التي تنقل ما هو بالقوة عنده إلى الفعل بحيث يكون أهمال حسبانها في تقدير قوة العدو أكبر خطأ استراتيجي.
18-إذن نحن سنحسب فرصة الاستئناف وحظوظه وكأننا العدو الذي يخطط لمنعه آخذا بعين الاعتبار ما هو بالفعل وما هو بالقوة من قوتنا التي يريد منع استئنافها : سيعتبر ما يوجد بالفعل وما يوجد بالقوة مما يساعد على الاستئناف لمنعه.
19-وهنا سنعتبر مرحلتين: ما تقدم على الانحطاط قبل سقوط الخلافة العباسية وما تلا الانحطاط منذ شروع المسلمين في الانحطاط والتصدي للاستعمار.
20-والمرحلتان متشابهتان:صليبية ثم مغول الشرق لمدة قرنين.استعمار ثم مغول الغرب لمدة قرنين.صمدنا أمام الأولى والانتصار على الثانية مؤكد.
21-لم هو مؤكد؟ فما بين الهجمتين عالج فكر الأمة علل عدم الانتصار في الأولى فحدد شروط الانتصار في الثانية.ولا بد من نظرية شخصية مؤقتا.
22-لو قارنا ما تتميز به الوحدة الأوربية شبه الموجودة عن الوحدة العربية شبه المنعدمة: لوجدنا تناظر متعاكس عجيب.فلنفهم هذا التناظر العكسي.
23-ما يوحد أوروبا أو يكاد هو الاقتصاد والعملة أي ما يحول دون وحدتنا.ما يوحدنا أو يكاد هو الثقافة واللغة أي ما يفرض “يكاد”وهم يسعون إليه.
24-التناظر العكسي أعمق: لا بد لهم من لغة أجنبية تمكنهم من تجاوز العقبة:الإنجليزية.لا بد لنا من عملة أجنبية تمكن من تجاوز العقبة: الدولار.
25-وحدة الأمم العميقة رمزية وذلك هو موضوع النظرية التي نضعها بالتسليم المؤقت: رمز الفعل أو العملة (رمز القوة الاقتصادية) وفعل الرمز أو اللغة (رمز القوة الثقافية).
26-فكيف تتحقق هذه الوحدة الرمزية ببعديها الرامزين للاقتصاد والثقافة وكيف تمنع؟ جواب الأول=استراتيجية الثورة والثاني=استراتيجة الاستعمار.
27-نظريتنا الثانية: نظرية الأحياز.لتحول دون الاقتصاد الواحد لا بد من تفتيت المكان. لتحول دون الثقافة الواحدة لا بد من تشتيت الزمان.
28-الجغرافيا الاستعمارية والتاريخ الاستعماري تبنتهما النخب العملية ليفضيا إلى قتل رمز الفعل (العملات) وإلى قتل فعل الرمز (اللغات).
29-مشكل الاستعمار معنا أنه إلى الآن لم ينجح تماما في قتل فعل الرمز (اللغة والثقافة) رغم نجاحه إلى في قتل رمز الفعل (العملة والاقتصاد).
30-ويمكن أن نعتبر معركة النخب ضد اللغة العربية والثقافة الإسلامية ومنزلتها أهم علامات الفصل بين العملاء والنبلاء من شباب الأمة بجنسيه.
31-وهنا نكون قد عدنا بالتدريج إلى تدرج الثورة في السعي إلى الوعي المطابق للوضع موضوعه: الثورتان تحررا وتحريرا وصلتا إلى هذه النتيجة لما تبين أن تحقيق أهداف كل منهما متشارط مع تحقيق أهداف الآخر.
32-أعني أن الثورتين فهمتا أن ما تعتبرانه عائقا دون مطالبهما في الثورة على الاستبداد والفساد داخليا والاستضعاف والاستتباع خارجيا هو دلالة حال الرمزين والموقف منهما .
33-دلالة الرمزين هي استعمال العدو للحيزين لمنع القوة المادية (تفتيت المكان لمنع الاقتصاد القوي) والقوة الروحية (تشتيت الزمان لمنع الثقافة القوية) وذانك هما أداتا الاستضعاف والاستتباع.
34-وبذلك يتبين أن الاستضعاف المادي (الاقتصاد) والاستتباع الروحي (الثقافة) يتحققان بتفتيت المكان والزمان أي بتوظيف الجغرافيا والتاريخ.
الإطار النظري الجامع
35-الحصيلة: مبدأ ابن خلدون ثم نظريتان نضعهما ونطلب التسليم بهما لأن تأسيسهما وشرحهما يوجد في بحوثنا النظرية خارج هذا الحيز يؤسسان للعلاج. ويمكن القول إن أول من تفطن لفاعليتهما وإن دون تأسيس نظري هو عبد الملك بن مروان.
36-مبدأ ابن خلدون بيناه. النظرية الأولى: الوحدة الرمزية لأي جماعة هي وحدة رمز الفعل مقياس الاقتصاد (العملة) ووحدة فعل الرمز مقياس الثقافة (اللغة).
37-النظرية الثانية : رمز وحدة الاقتصاد هو العملة الواحدة واساسها وحدة الجغرافيا القاعدية. رمز وحدة الثقافة هو اللغة الواحدة وأساسها وحدة التاريخ القاعدية.
38-أضفت شرط “القاعدة الذاتية” في دور رمز الفعل (العملة) وفعل الرمز (اللغة) احترازا لئلا يعترض على النظرية بالاقتصاد والثقافة المعولمتين. فدور أي اقتصاد أو ثقافة في المعولم منهما بقاعدتهما الذاتية.
39-والمثال هو الدولار والانجليزية. دورهما في الاقتصاد والثقافة المعولمتين علته أنهما ينطلقان من قاعدة ذاتية قادرة على الدور الذي يؤديانه.
السؤال الأساس
40-وصلنا إلى بيت القصيد: هل العرب خاصة والمسلمين بقيادتهم عامة لهم بالقوة الثابتة قاعدة مادية ورمزية قد تجعلهم ذوي دور في الاقتصاد المعولم واسياد الإقليم بدلا من القوى المنافسة لهم فيها وعليها ؟
41-وهل هذا الدور إذا حصل لن ينتج عنه ضرر لمن يستحوذ حاليا على كل الإمكانيات التي لديهم والتي يمكن أن تحجب عمن يستبد بها داخليا وخارجيا؟
42-ها نحن إذن بدأنا نصل إلى جوهر المشكل الذي نعالجه تحت عنوان ما طبيعة المعركة: فقد بدأ العرب محاولتين ضد الاستبداد والفساد داخليا وضد الاستضعاف والاستتباع خارجيا. فكيف يـحاول الأعداء وأدهما لئلا تتحولا إلى ثورة بالفعل؟
43-وهل يمكن أن نحدد من تجمعهم مصلحة السعي لوأد المحاولتين العربيتين ومن لهم مصلحة في الاستحواذ على ما بيد العرب من شروط القوة المادية والروحية ليكون هو البديل منهم في السلطان على الإقليم ومنع الاستئناف ؟
نتائج نظرية
44-حددنا:1-الغاية الجامعة بين الحركتين اللتين يمكن أن تصبحا ثورتين2-الغاية الجامعة بين الساعين لأجهاضهما داخليا 3-والساعين لأجهاضهما خارجيا4-التراتب والتلازم بين الغايتين الموجبتين لأصحاب الحركتين5- والتراتب والتلازم بين الغايتين السالبتين لمحاربيهما.
45-والتطابق بين تراتب الغايتين واشتراطهما الاستئناف وبين تراتب الحربين على الغايتين بهذه الصفة مثبتا لصحة فرضيتنا وليس قولا بالمؤامرة.
46-وإذن فالعدو جهاز كامل له رأس هي الولايات المتحدة خاصة وتوابعها الغربية عامة وله ذراعان هما إيران من داخل الإقليم وإسرائيل فرضوها على الإقليم وخمس مليشيات عربية عميلة للذراعين والراس هي: بقايا الباطنية والصليبية والشيوعية والليبرالية العلمانية والمليشيا الجامعة بينها أربعتها أعني القومية الفاشية سواء كانت ذات أنظمة أو توابع لها.
47-وهذا الجهاز برأسه وذراعيه ومليشياته يلعب اللعبة التي وصفتها بحرب الخيال العلمي: يخترق المقاومة السنية ليجعلها تهديما ذاتيا لغايتها.
48-ويدعي الحرص على تحقيق غايات الأمة في الإصلاح الحداثي وفي محاربة عدوها الإسرائيلي حتى يجمع إلى جانبه النخب والشعب الغافلين عن الخطة.
49-لكن أمرين فضحا اللعبة المسرحية: صمود الشعب السوري فضح المليشيات ومحاولات تمكين إيران فضح الغرب فحصل الفرز بين المقاوم بحق والمخترق.
نتائج عملية
50-فكل مقاوم لم يعد له مبرر في الخروج على استراتيجية التحرر والتحرير بل ينبغي أن يصبح من جنودها وأن يؤمن بدهاء يناور بما يتجاوزخبث العدو.
51-والفرق بين الدهاء والخبث بين: الأول يستعمل مبدأ ابن خلدون ويؤمن بأخلاق القرآن والثاني يستعمل مبدأ مكيافيلي ويؤمن بأخلاق عبدة العجل.
52-استعادة وحدة المكان شرط القوة المادية ووحدة الزمان شروط القوة الرمزية من منطلق وحدة الحصانة الروحية: تلك هي شروط تحقيق أهداف ثورتي التحرر والتحرير.
53-وعكسها هو أدوات الحرب على الثورتين: تفتيت المكان لمنع القوة المادية وتشتيت الزمان لمنع القوة الروحية لأن فقدان القوتين هو شرط نجاح الاستضعاف والاستتباع وما يترتب عليهما من استبداد وفساد لمن نصبهم العدو ولاة لديه علينا.
المصادر العملية و النظرية لنظريتي الإطار
54-والخلق العلمي يوجب الاعتراف بالفضل لذويه: فقد استوحينا نظرية الرمزين الموحدين للأمم من فعل ثوري أقدم عليه عبد الملك ابن مروان: فلولا صكه العملة لما توحدت دار الإسلام ولولا تعريبه الديوان لكان حال العربية حال اللاتينية ولصارت لغة القرآن لغة تعبدية وليست لغة الحضارة كلها.
55-كما استوحينا نظرية الصلة بين الرمزين ووحدة الجغرافيا ووحدة التاريخ من فعل ثوري متقدم عليه قام به الفاروق عندما جعل لدولة الإسلام ديوان (إدارة) جامعة تضمن وحدة المكان وبداية تاريخ جامعة تضمن وحدة الزمان.
56-وليس من شك في أن الرجلين -وإن بغير وعي-كانا مدركين لدور الرقم والحرف في تأسيس الحضارات العظيمة كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم في تحديد الآيات التي تبين أنه الحق (فصلت 53).
57- فالحرف أساس الحدس والكلمة واللغة ومن ثم الفكر الإبداعي والحديث القيمي عن الآفاق والأنفس (الآداب والفنون)
58-والثاني أساس القيس والمقدار والعملة ومن ثم الفكر العلمي والحديث الرياضي عن الآفاق والأنفس (العلوم والتقنيات).
59-والجمع بين الحرف والرقم والكلمة والعملة هو أساس أدوات استعمار الإنسان في الأرض أدواته الرمزية التي من دونها يكون مبدأ ابن خلدون مزحة: فالفعل المنتظم لا يمكن من دون هذه الأدوات الأربعة التي مجموعها هو وظائف الرمز الحضارية.
60-وبذلك نكون قد أدركنا أن ثورة الأمة الحديثة من خلال عودتها على فهم تراثها ونفاذها إلى فهم تراث غيرها من الحضارات التي تنافسها ومن التي هي ند لها هو المنطق الوحيد الممكن لجعل الحركتين ثورتين.
طبيعة المعركة – الجزء الثاني – أبو يعرب المرزوقي