لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله طبيعة القرآن
القرآن يحدد صفات “مؤلفه” بكونه فنانا ورياضيا خلق عالما طبيعيا بإبداع فني (الرمز الفلك) ورياضي (الرمز كل شيء خلقناه بعدد) وخلق من يصنع التاريخ.
والمكلف بصنع التاريخ له شيء من صفات الخالق وإن كانت نسبية وسماه خليفة يفعل بنفس الغايات والأدوات: غاية جمالية خلقية وأداة رياضية تجريبية.
ولهذا التكليف خمس مستويات:
إعداد الرسول المذكر بما فطر عليه الإنسان
باستراتيجية توحيد الإنسانية
ليكون جماعة عينة نموذجية من الإنسانية
وذلك بـ:
فلسفة دين وفلسفة تاريخ نقديتين لتجارب البشرية الروحية والسياسية
والغاية هي تحقيق شروط أهلية الإنسان للاستخلاف أو لأخلاق القرآن
والوجه النقدي من القرآن للتجارب السابقة يتأسس على مبدأ جوهري هو اعتبار كل الرسالات السابقة هي ما يبقى بعد تخليصها مما لا يناسب هذا التعريف.
وما فيها مما لا يناسب هذا التعريف يعتبره القرآن تحريفا. ومنهجية التمييز بين ما يناسبه وما لا يناسبه يسميها القرآن منهج “التصديق والهيمنة”.
أي إنه لا يرفض اي دين وأي تجربة رفضا مبدئيا بل هو يحللها ويدرسها ويقيمها بمبدإ “التصديق والهيمنة”. وأساس هذا المنهج هو مفهوم وحدة الإنسانية.
فما بمقتضاه يصدق ويهيمن هو ما يعتبره فطرة كونية عبر عنها رمزيا بشهادة أبناء آدم وهم في ظهور آبائهم انشدادا لنسبية الإنسان للوعي بالمطلق.
ويتجلى إعداد الرسول فيما يشبه الترجمة لحياتيه المادية (ألم يجدك يتيما فآوى) والروحية (ووجدك ضالا فهدى) وتربيته الخلقية (بقية السورة).
ومن ثم فما فيها مما ليس فيه هو ما يسميه القرآن تحريفا للدين وما يحتاج للنقد التحرير منه دون أن يكون في ذلك عداء: والتحريف ينتج عن السياسة.
وله مصدران: إما السلطة الروحية التي تستبد فتتوسط بين المؤمن وربه أو السلطة السياسية التي تستبد فتتوسط بين المؤمنين وحكمهم أنفسهم بأنفسهم.
ومصدره الأول: تواطؤ بين طاغوتين: روحي يتوسط بين المؤمن وربه وسياسي يتوسط بين المؤمنين وحكمهم أنفسهم: طاغوت الاستبداد في التربية والحكم.
والمصدر الثاني سماه ابن خلدون “فساد معاني الإنسانية” أي الشعوب التي ربيت وحكمت بهذين الطاغوتين فصارت بأخلاق منافضة لحقيقة الإنسان الحر.
فالجمع بين المصدرين علته عدم تبين الرشد من الغي عند الضحية والطاغوتان الروحي والمادي عند مستعبديه الحائلين دون الاستمساك بالعروة الوثقى.
هذه فلسفة الدين القرآنية. فما هي فلسفة التاريخ التي تترتب عليها؟
فدون أن يكون التاريخ خارجا عن سنن الله فإن لهذه السنن معنى دقيق يساء فهمه.
ففي الطبيعة سنن الله محتمة لما يحدث وليست مشرعة لحرية الساعي لتحقيق ما يحدث كما في التاريخ. سنن الله في لها إذن مفهومان: محتمة ومخيرة.
فما تنطبق عليه السنن المحتمة ينتسب إلى الطبيعة وما تنطبق عليه السنن المخيرة تنتسب إلى التاريخ. والتاريخ في علاقة بالطبيعة تعوق الحرية.
لذلك فمسؤولية الإنسان مقصورة على مبدأ حصر التكليف فيما هو في الوسع. فيكون نصيب الإنسان في التاريخي هو قدر اجتهاده وجهاده الصادقين لا غير.
وهذا الاجتهاد والجهاد الصاقين هما مضمون سورة العصر:
الوعي بالخسر الممكن
الإيمان أو الانشداد إلى المطلق
العمل الصالح. وهذا واجب الفرد
أما واجب الجماعة وطبعا ينطبق على الفرد بوصفه منها فيوجد أمران آخران:
التواصي بالحق
التواصي بالصبر شرطي التواصل أولا والتعاون ثانيا
فالإضمار جاء في علامتين:
الاستجابة للرب.
وإقامة الصلاة.
والصريح طبيعة نظام الحكم: الأمر أمر الجماعة. وأسلوب الحكم: الجماعة تحكم نفسها بالشورى.
وغاية الحكم التغلب على أهم الحوائل دون الاخوة الإنسانية: العدل الاجتماعي في سياسة الثروة برمز الإنفاق من الرزق: مجمل فلسفة التاريخ القرآنية.
إذا جمعنا بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ ونظرنا في تأسيسهما اكتشفنا فلسفتين اخريين:
ما بعد الأخلاق
ما بعد الذوق
ما بعد العلم
فما بعد الأخلاق رؤية وجودية تصل بين الطبيعي والتاريخي فريدة النوع ولا مثيل لهافي الفلسفات والأديان إلافي فهومهما الحديثة من ديكارت فنازلا.
ثم ما بعد الذوق أو الرؤيوية القيمية للوجود الطبيعي والتاريخي بمعنى أكسيولوجيا دينية للعالم ملازمة للنفس المطمئنة كما في نقد الحكم الكنطي.
وطبعا فهذه الرؤية القرآنية لا تدين لكنط بل هي من مقومات الرؤية الدينية للوجود في كل الأديان ولم تصبح صريحة إلا في القرآن ونقده للتحريف.
والأخيرة مثل الاولى فريدة النوع وهي خاصة بالقرآن: نظرية المعرفة الصريحة فيه. فهو حدد العلاقة بين علمين نسبي ممكن للإنسان ومطلق يختص به الله.
وهي إذن نظرية علم تنفي القول بالمطابقة وتبين أن العقل منعكس على نفسه أي إنه يدرك غيره ويدرك ذاته وحدود قدراتها. أساسها الوعي بالفرق.
والوعي بالفرق مخمس الابعاد: في الإرادة والعلم والقدرة والحياة (الذوق) والوجود (الرؤى): كل هذه الصفات متضمنة بذاتها للفرق انشدادا بالمطلق.
الدين يبدأ بالوعي بأن الإنسان مريد وعالم وقادر وحي وموجود وكلها نسبية أي مدركة لذاتها ومدركة لكونها ليست مطلقة ومن ثم فهي مشدودة للمطلق.
وهذه هي حقيقة الإنسان من حيث هو وعي بالفرق: أي إنه لا يدرك ذاته إلا بصورة إضافية لما يعلو عليها في كل ما تتصف به من صفات الوعي وثمراته.
وهذه هي حقيقة الإنسان من حيث هو وعي بالفرق: أي إنه لا يدرك ذاته إلا بصورة إضافية لما يعلو عليها في كل ما تتصف به من صفات الوعي وثمراته.
وعندما أشرت إلى فلسفتين أخريين بعد فلسفة الدين وفلسفة التاريخ وسميت الأولى ما بعد الاخلاق للوصل بينهما والثانية فلسفة الذوق ذكرت ثالثة.
وسميتها نظرية المعرفة ولم احدد منزلتها لكأنها ليست فلسفة مثل غيرها من الفلسفات الاربع الاخرى: إنها الوسيط بين الأوليين والأخيرتين.
فنظرية المعرفة تعود في الحقيقة إلى إدراك الفرق أي أن المعرفة مشروطة بإرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود كلها لا يمكن لصاحبها ألا يدرك نسبيتها.
والعلة أن ما أريده لا أقدر عليه كله. وما أذوقه لا أعلمه كله. ورؤايا الوجودية محددة بهذا الفرق في ذاتي: القدرة دون الإرادة والعلم دون الذوق.
وهذا الفرق الذي في ذاتي يبقى دائما دون ما بين ذاتي والوجود الخارجي في قدرتي العضوية والروحية. فاشعر حينها بمحدوديتي وفنائيتي لطلبي المطلق.
الأديان الطبيعية والفلسفات الإلحادية تتصور المطلق موجودا في العالم نفسه. وبفضل عالم الفن والرياضيات ندرك أن العالم الطبيعي مجرد ممكن.
والممكن المجرد لا يعلل نفسه. فيبدأ البحث عن الوجود الضروري فيتبين أن حقيقة الإنسان تجمع كل أدلة وجود الله بمجرد وعيه بالفرق الذي في ذاته.
وكل هذه المسائل من التجربة الوجودية الشاهدة وليست كلاما في الغيب: أي إن انشداد نسبية الإنسان بإطلاق ما يتعالى عليه هو عين الوعي بالذات.
وهذا هو عين ما سميته بالتلازم بين قطبي المعادلة الوجودية: لا يمكن تصور الإنسان من دون تلازمه مع الله ولا تصور الله من دون تلازمه مع الإنسان.
صحيح أن الطبيعة والتاريخ يبدوان وسطين قد يحولان دون الوصول إلى فهم هذه العلاقة: فالطبيعة والتاريخ يؤلهان ميثولوجيا بمنطق القوة الطبيعية.
فيكون التدين الوثني إما لآلهة طبيعية كما في الميثولوجيا أو لأصنام بشرية كما في الاستبداد (الدولة الفرعونية) أو بهما معا: منطلق النقد القرآني.
أدرك القرآن بنقد الوثنية الطبيعية (الميثولوجيات) والوثنية التاريخية (الفرعونيات) صلتها باعتبارها مصدر التحريف: علة التحريف هي مثلجة السياسي.
نظرية المعرفة القرآنية ابستمولوجيا نقدية تحرر من مثلجة الطبيعة والتاريخ التي جعلت عبادة الله التحريرية عبودية للاستبداد الطبيعي والسياسي.
وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها