طبيعة القرآن، هل هو وحي مرسل ام ابداع محمدي؟ – الفصل الأول

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله طبيعة القرآن

الفصل الاول

هذا تمرين فرضي وليس قصا لقصة حقيقية: قراءة القرآن برؤيتين متنافيتين:

  1. اعتبار القرآن من تأليف محمد.

  2. قراءته كوحي إلهي مبلغه محمد.

والتمرين الفرضي هو الجواب عن السؤال التالي: كيف الحسم بينهما إذا تطابق ما ينتظرانه من الرسول والفيلسوف في مضمون القرآن؟

كيف سنميز بينهما؟

وبما أني اعتقد أن الديني كديني والفلسفي كفلسفي يعالجان وجود الإنسان وشروط الوعي بنسبيته وبانشداده إلى المطلق فالمسألة ليست ذاتية.

وهما يعالجانه نظريا وعمليا أي إنهما يدرسان شروط الوعي ومقوماته وشروط إيقاظه لدى الغافلين عنها ببيان الحوائل دون الوعي بالفرق شرط الشروط.

نحن إذن أمام موقفين ينطلق منهما درس القرآن:

  1. يصدق الرسول: انا مبلغ رسالة أوحيت إلي ولست كاتبها.

  2. أنت كاتب رسالة ولست مبلغا وحيا.

ماذا لو تبين أن الرسالة واحدة وفيها من الإبداع ما لا يختلف فيه صاحبا الموقفين لكنهما يختلفان في كونه من تأليف إنسان أو من كلام الرحمن؟

بعبارة أدق: هل مجرد القول إن الرسول كان أميا يلغي فرضية من ينسب إليه إبداعا ليس بالضرورة من الوحي أو هو من الوحي العام الذي يتوجه حتى للنحل؟

كيف نميز بين وحي الرسل وإلهام النحل وهي ليست متعلمة ولم تدرس العلوم والفلسفة؟

هل يمكن أن يكون القرآن إبداعا من جنس ما يتلقاه النحل؟

هل صاحب الموقف المشكك في أصل القرآن ناسبا إياه إلى محمد يمكن أن يكون صادقا في قراءة القرآن بإنصاف العلماء دون أن يتحير حتى لو شكك في أميته؟

يعني هل لو كان محمد حائزا على ثقافة عصره فيعسر أن يكون تحصيله أرفع من تحصيل أفلاطون وأرسطو قائدي الفكر الإنسان بعده لألف سنة معلومة؟

ولا أتكلم على مضمون علمي جزئي كما يدعي أصحاب الأعجاز العلمي. فهذا أمر لا أقره لأني اعتبره حطا من منزلة القرآن الذي هو ما بعد العلم والعمل.

ما أقصده هو “الحكمة” القرآنية التي تحدد مفهوميا ودراميا معضلات الوجود الإنساني الكونية والأبدية التي لا يخلو منها عصر مقومات لمصير الإنسان.

ورأيي الذي هو متجاوز لمجرد الفرض كتمرين هو أن المشكك في الوحي لا يمكن أن يشكك في المضمون الحكمي للقرآن ببعديه النظري والعملي إذا كان منصفا.

وأعني بالمنصف من يطلب الحقيقة ويتحرر من الأحكام المسبقة التي يمضغها أدعياء الحداثة من العرب والمسلمين فيتصرف بأخلاق طالبها من العلماء.

صغت المشكل والتمرين الفرضي الذي أنوي القيام به ويمكنني الآن أن أضع معايير الحسم في المسألة انطلاقا من نظرية الإبداع بنوعيه الذوقي والعقلي.

ولأوجز ما سبق أن عرضته حول الإبداع الذوقي والعقلي وعلة تسمية وصف الأول بمحدد الغايات والثاني بمحدد الأدوات في كل حياة تعي شروط بقائها.

فيكون مميز الإنسان أنه مبدع لغاياته وأدواته مهما كان مستواه الشخصي ومستوى جماعته مستواهما الثقافي فيما يتعلق بالغايات والأدوات الضرورية.

وهذا النوع الأول من الإبداع يمكن اعتباره عاما ولا يبدأ التمايز بين الأفراد والأمم إلى بما يتجاوز ذلك فيعود عليه ليحدث تمايزا فيه بينهم.

من قرأ مقدمة ابن خلدون يجد هذا القانون واضحا إذ اعتبر الباب الأول شاملا للمقدمة كلها وقرأ الأبواب الخمسة الباقية ذهابا من الثاني إلى الرابع.

ثم قرأها عودة من السادس إلى الرابع. فالباب الرابع يتكلم على المدينة محلا للقاء الذهاب والإياب في بلوع الفرد والجماعة إلى تقديم الكمالي.

والعلة هي أن الضروري يتناقص دوره في الذهاب من البداوة إلى الحضارة (قانون الطبيعي) والكمالي يتزايد دوره في الإياب من الحضارة إلى البداوة.

والتوازن بين الطبيعي والثقافي يكون في المدينة التي هي محل الإبداع الذي يمثل ما يتميز به الإنسان من إبداع ذوقي وعلمي تجميلا للحياة وتحليلا.

ويبرز هذا التجميل والتحليل في الأصل الواحد بين الذوقي والعقلي: الوعي ببنى المكان ورسمها والوعي ببنى الزمان وترنيمها. الرسم والموسيقي.

فالرسم مكاني بالجوهر حتى لو كان غائرا (النحت المحفور) أو ناتئا (النحت البارز) فيكون الرسم شاملا لكل أبعاد المكان وهو وعي بنسبه الهندسية.

والموسيقي زمانية بالجوهر إما كصوت غير ناطق (موسيقى الصوت) أو صوتا ناطقا (موسيقى الغناء) فتكون وعيا بأبعاد الزمان الساكت والناطق ونسبه العددية.

وإذا حركنا الوعي بأبعاد المكان فجعلناه مبدعا لفن مؤلف من نسب المكان ونسب الزمان كان ذلك رقصا فيه نسب بين مكانين مكان الجسد ومكان حيز حركته.

فيكون الرقص تحريكا للنسب الهندسية وهو نظير الغناء الذي هو عكسه بنيويا لأن تمكين للبنى العددية في نظام رمزي هو اللسان: الرقص والغناء.

الرقص والغناء اشتراك بين مكان البدن وزمان اللسان تزمينا للأول وتمكينا للثاني حتى يقع التمازج بين الإنسان وحيزيه الطبيعيين بعلم الرياضيات.

الرياضيات أداة والفنون غاية وهما يتعينان فعليها في الوجود الخارجي الذي يبدعه الإنسان في شكل نتوء على الوجود الخارجي الذي تبدعه الطبيعة.

وبهما ينتأ الإنسان فوق الطبيعة وكأنه كائن ما بعد طبيعي بمعنى يأتي بعدها لأنه يتضمن قبلها ما يجعله بالجوهر لا يوجد حقا إلا إذا تعالى عليها.

وهو يتعالى عليها بإدراك الفرق بين نسبيته وانشداده إلى المطلق متعينا في لاتناهي المكان ولا تناهي الزمان بالقياس إلى مكانه وزمانه الذاتيين.

رقصه في المكان وغناؤه في الزمان هما نشوة هذا الإدراك لأنهما هما ما به يتعالى على بدنه كمكان وعلى وعيه كزمان توقا لشغل كل المكان والزمان.

فالرقص رسم في المكان مجنح. والغناء وقع في الزمان مجنح. وتجنيح البدن واللسان هما ما في الإنسان من تعال الكيان على حيزي المكان والزمان.

فينتج اللامكان (اليتوبيا) واللازمان (العالم الثاني) بوصفهما وعيا بالسرمدية المتجاوزة للأزلية والأبدية في خلود وجودي هو المصدر الأول للإبداع.

ويمكن للإنسان بفنه أولا وبعلمه ثانيا أن يجعل مكان الطبيعة وزمانها حالة خاصة من مكان وزمان مطلقين بعدة بنى مجردة أعلى من الرياضيات الأولية.

إنهما جناحا الإنسان في اللامكان واللازمان قياسا لحسي المكان والزمان وهندستهما وعددهما الأولين منطلق الإقلاع الذي يرمز إليه الرقص والغناء.

فالرقص رسم بدني للحركة المتناغمة في رسم مكاني: والتناغم بما هو إيقاع هو موسيقى صامتة ومن ثم فهو نسب عددية لمنفصلات في نسب هندسية لمتصلات.

والتعبير عن الوعي بالتناغم البدني في حركته والروحي في عبارته هو عين ما في القرآن من مميزات أسلوبية لا يمكن تصورها من دون رياضيات عالية.

فالقرآن كرسالة-سواء نسبناه إلى إبداع محمد أو إلى تلقيه إياها وحيا-يستدف حركتي البدن والروح موضوعا لفعله الفني والعقلي لتحقيق تناغمهما.

وهو لا يفعل عفويا بل هو واع بهدفه ويقدم له علاجا سياسيا ذا بعدين: التربية والحكم المحقق لهذا التناغم في تعمير الارض بقيم الاستخلاف الكوني.

ولا أحد يمكن أن ينكر أن القرآن لا يقرأ بحق إلا مشفوعا برقص بدني وبغناء صوتي كلاهما بالفعل أو بالقوة. فعموم تأثيره لا يكون كونيا إلا بهما.

تأثيره المشروط بفن الرسم وبعلم الرياضيات ليس كونيا لأنه مشروط بعلم الهندسات والعدديات اللامحدودة بما هو محسوس منهما في العالم الطبيعي.

وأعجب ما في القرآن أنه يعتبر العالم رياضي هندسي البنية المكانية (الفلك أحد تطبيقاتها) وعددي البنية الزمانية ويعتبر ذلك من الزينة الطبيعية.

فهو يعتبر العالم عملا فنيا (زينة) وعقليا (هندسة وعدد) ويجمع بين المفهومين الفني والعقلي مفهوم الآية: كآية في الجمال ونقول آية كذا أي دليله.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي