طبيعة الداء أو تماثل الفتنتين الكبرى والصغرى – الفصل الثاني

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله طبيعة الداء أو تماثل الفتنتين الكبرى والصغرى

الفتنة الكبرى حالت دون ما كان ينبغي أن يحصل مباشرة بعد تحقيق الشروط القاعدية الخمسة: 1. المشروع القرآني 2. تجسده في دولة الرسول وسنته 3. ثم تثبيت مركز المكان 4. ثم تثبيت مركز الزمان 5. ثم توحيد المرجعية التي كان يتهدده الانفراط بسبب الخلافات حول بعض الآيات. لكن المأسسة لم تتجسد فعلا المؤسسة الوحيدة التي كان يمكن أن تنسب إلى مفهوم السياسة بالمعنى الحقيقي الكلمة بمعنى نظام الانتخاب ونظام التداول على التربية الحكم بعدي الدولة الروحي والمادي لم يصبح موضع سؤال معرفي حقيقي بل بقي مسالة ممارسة عملية بمحاكاة الرسول فكان اثرها الفعلي محدودا بحضوره في الاذهان. وحضور النموذج في الأذهان يتعلق بما يمكن تسميته بأخلاق الرأي العام في تحديد ما يسميه الغزالي بـ”معتبري الزمان”. كان معيار تحدد الأغلبيات عند الاختلاف مستمدا من هذا المفهوم لدى الرأي العام الجمعي الذي ما يزال مزاجه الخلقي والسيسي محكوما بحضور نموذج الرسول في الأذهان: كبار الصحابة فالغزالي يسمي هذا العامل المحدد مهابة معتبري الزمان في الرأي العام الجماعي (التي هي منزلة خلقية سياسية). ولذلك كما قال الغزلي في فضائح الباطنية لوصف رؤية السنة للحكم بالمقابل مع الوساطة والوصاية الشيعية هو موقف معتبري الزمان: فقال لما مد الفاروق يده لمبايعة الصديق حسم الخلاف. واعتمد نفس العامل المؤثر: الفاروق أوصى به الصديق فحصلت الأغلبية. والغزالي لا يؤمن بالإجماع في السياسة بل هو يعتبر الشرط الضروري والكافي هو الشرط الذي يجعل من يحكم حاصلا على الاغلبية الرادعة لامكان الخروج على الحاكم. وفيها مقومان: الشرعية والشوكة. لكن نباهة الفاروق وفهمه لما بدأ يزداد تأثيرا من الخلاف الذي ظهر من اليوم الأول لوفاة الرسول قرر لما غدر في المسجد بالا يعتمد الوصية لأنه بات واثقا من أنها لم تعد كافية لتحقيق المهابة. فكون لجنة ترشيح للخلافة وطلب منها أن تختار من يعرض على المبايعة ليكون هو الخليفة. ويمكن القول إن المأسسة بالمعنى الحديث للنظام السياسي الإسلامي بتعيين لجنة الترشيح لكنه كان جنينيا فلم يعالج تعدد الترشح لتوسيع الاختيار وتحديد مدد الحكم شرطا للتداول عليه. ولما كان الخلاف من البداية فإنه تطور بسبب طول المدة التي حكم بها عثمان وانتهت العملية كلها بالاغتيال. والاغتيال فسره ابن خلدون كما أسلفت بكون القبائل “المتحضرة” والكبرى لم تكن قابلة لحكم قريش إلا على مضض وهي التي حسب رايه حركت المعارضة فآلة إلى الاغتيال. وسواء كان تفسير ابن خلدون صحيحا أو غير صحيح فالمشكل ليس في ذلك بل في طبيعة الفتنة الكبرى ما هي؟ وهنا يأتي الكلام على ما سميته الفتنة الصغرى (بين الديني والعلماني) التي نعيشها اليوم مع إحياء الفتنة الكبرى (بين السنة والشيعة) فهما يشتركان في دور الدين في السياسة وفي طبيعة علاقة الشرعية بالشوكة أو القوة لأن الوازع الذاتي وحده لا يكفي بل لابد من الاجنبي لتلازمهما في كل دولة. والامر الثابت أن الحرب الاهلية التي حصلت بين المسلمين والتي دامت نصف قرن حتى استتب الامر للأمويين (في عهد عبد الملك) لم تكن بين سنة وشيعة بل هي صفين من قريش ولما تصبح ذات دلالة سنة شيعة إلا بعد أن بحث كلا الصفين عن التبرير الديني لسياسته. فالثابت أن الإمام علي وأبنائه لم يكونوا يبررون سيستهم بما آل إليه المذهب الشيعي بعدهم بأسطورة وساطة آل البيت ووصايتهم على الامة. واعتقد أن هذه الاسطورة نمتها الهزيمة في حروب من انتسب إليهم بعد أن حسم الأمر للأمويين ثم خاصة بعد أن أصبح لدور بعض الفرس في نشأة الدولة العباسية. وهذا هو وجه الشبه الثاني مع الفتنة الصغرى. فالتبرير الصريح للعلمانية في بلاد العرب أتى متأخرا لما مرتين الأولى لما توهم بعض النخب أن الإسلام من الماضي في بداية القرن الماضي (أتاتورك وبورقيبة) ثم لما انعكس الأمر وهزمت الانظمة العسكرية والقبلية فأصبحوا يدعونها ليرضوا حماتهم. ذلك أن الأنظمة العربية بصنفيها القبلي والعسكري كلاهما فاضي ولا علاقة له بالدين ولا بالعلمانية بل هما يتعلمان كل فنون الانظمة الفاشية ويبررانها بقشور الأصالة وقشور الحداثة. فحتى أتاتورك وبورقيبة لم يكونا علمانيين وحتى كبار ملوك الخليج لم يكونوا إسلاميين. كلهم توابع لمن نصبهم. واليوم نلاحظ أن الأنظمة العربية القبلية والعسكرية متحالفة ضد القيم المشتركة بين الإسلام والحداثة ومتحالفون مع غاية الثيوقراطيا وغاية الانثروبوقراطيا لأن الأساس في هذه الانظمة ليس إلهيا ولا إنسانيا بل هو عجلي أي يحكم بمادة العجل وبخواره: المال والإيديولوجيا. ومن ثم فلا عجب أن يتحالفوا مع كل أعداء الثورة والإسلام والديموقراطية التي تجعل الشعوب سيدة ذاتها وليس الموزية أعني مع إيران وإسرائيل وروسيا وأمريكا. فهم جميعا متحالفون ذاتيا أو موضوعيا أو بالصفتين ضد أمرين: سيادة المسلمين وما في الإسلام من قيم تجعل المسلمين يطلبونها حتما. وبذلك تفهم أن الإسلام الجامي والصوفي والعلمانية التي تكون في ديموقراطية موزية هو ما يطلبه أعداء الأمة والإسلام. فالأمة بقيم الإسلام (اجتهادا وجهادا) لا تقبل التبعية بل تريد السيادة والإسلام الذي لا يرضى بالتبعية والذل بل يريد الحرية والكرامة هما ما يحاربه أعداء الثورة والإسلام. وطبعا فالإسلام والحداثة المتطابقان في القيم الكلية ليس اسلام كاريكاتور التأصيل الناكص عن قيم الإسلام الكونية وليس حداثة كاريكاتور التحديث الناص عن قيم الحداثة الكونية لأن هذين يمثلان انحطاط الحضارتين الإسلامية بما حصل فيها من تخلف والغربية بما آلت إليه من استعمار. انحطاط المسلمين علته خيانتهم لقيم الديني ونكوصهم دون الحريتين الروحية والسياسية وانحطاط الغربيين علته خيانتهم لقيم الفلسفي ونكوصهم دونهما بسبب الاستعمار. وعلى كل فهذا هو ما ورثته النخب الكاريكاتورية التي تدعي التأصيل والتي تدعي التحديث: علة صدام الحضارات الداخلي. وهكذا فنحن الآن نعيش نوعين من الحرب الاهلية في مستوى سنة الاقليم وفي مستوى الإسلام عامة سنة وشيعة. والأولى صدام حضارات ناتج عن الفتنة الصغرى علته فاشية العلمانيين. والثانية حرب دينية ناتجة عن الفتنة الكبرى علتها طائفية المتشيعين. وهما سلاحان يستعملهما الاستعمار لمنع الاستئناف. لكن المقارنة بين الفتنتين تقف عند هذا الحد لأن الكبرى صدمة عولجت بفرض حالة الطوارئ في الحلول السنية بالقوانين الاستثنائية وبتعطيل دستور النظر والعقد (التربية) والعمل والشرع (السياسة) ومن ثم التخلي عن الحريتين والصغرى صدمة ستعكس المسار لأن الثورة تعالجها بالحريتين من الاستعمارين. لذلك فالحل شرطه الأول الخروج من صدام الحضارات الداخلي بين كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث ومنهما تتكون مليشيات السيف ومليشيات القلم وهما مرتزقة عند الانظمة القبلية والعسكري وإيران وحاميها وإسرائيل وحاميها وكلهم يحارب الإسلام بدعوى حمايته مما صنعوه أي الإرهاب. لذلك فهم يحاولون إلصاق تهمة الإرهاب بالثورة بعد أن فشلوا في اتهامها يكونه مؤامرة غربية عليهم لأن الغرب يساندهم ولا يساند بعد أن فهم أن أحلامه أضغاث لأن من اختارهم الشعب ليسوا العملاء الذي أعدهم لتبديل “الطرحة” بل هم من ناضلوا حتى يحققوا بوحدة القيم الكونية صلح الفلسفي والديني. ولأجل هذا الصلح أكتب هذه التغريدات الموجهة للشباب بجنسيه حتى يتحرروا من كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث بعد أن يفهموا أن القيم الكونية تعود إلى الحرية الروحية والحرية السياسية وكلتاهما مطلب الديني الصادق والفلسفي الصادق المتحررين من الوساطة والوصاية على الإنسان.

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي