**
تنبيه مدير الصفحة :
كما وعدت أواصل نشر سلسلة من مقالات الأستاذ أبي يعرب كلما رأيت الظرف مناسبا لعرضها على القارئ العادي بعد أن كانت بحوثا تعرض في إطار ضيق.
وهذا بحث معمق صنفه أستاذنا أبو يعرب منذ أكثر من عقد (في ماليزيا) نعيد نشره لعل النخب العربية خاصة والمسلمة السنية خاصة تدرك ما ينبغي التحرر منه لتحقيق شروط الاستئناف الذي آن أوانه لأن الأمة دخلت المعركة الحاسمة مع امبراطورية الظلم والظلام وحلفائها من خونة الإسلام المعروفين منذ الحلف مع الصليبية ومغول الشرق وأجلافه إلى الحلف مع مغول الغرب وأجلافه.
فاتحة
لا تزال النخب العربية في دعوات الإصلاح أصلانية (تدعي الكلام باسم الدين) كانت أو علمانية (تدعي الكلام باسم العقل) هاجسها الجواب عن سؤال فاسد سبق إلى طرحه المرحوم شكيب أرسلان سؤال: ” لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم”؟ فهذا السؤال يعتمد على مقابلة لا تستقيم بمقتضى ضمائرها التي تجلت بالتدريج لمن يحسن قراءة أحداثه ببصيرة. فلا علاقة للتأخر بكون المسلم مسلما. وليس غير المسلم كله متقدما إذ لا علاقة للتقدم بكون غير المسلم غير مسلم. بل إن مجرد وضع مثل هذا السؤال يؤدي حتما إلى أجوبة فاسدة.
لذلك فهو دليل كاف على أن فكر المثقفين العرب نكص إلى ما قبل بدايات الفكر الفلسفي العربي المسلم المتحرر من شروح الفلسفة اليونانية وهذيان المتكلمين والصوفية الفكر الذيأسس لشروط النهوض أعني للنظر العامل (ابن تييمة وابن خلدون). ونكوصه إلى ما دون البدايات يغني عن إثبات أنه دون الغايات.
ففهم الظاهرات الروحية (ابن تيمية) والعمرانية (ابن خلدون) بعللها الذاتية لها هو الذي يضع السؤال الملهم ويطلب الجواب المبلسم. فبدلا من تفسير تقدم الأمم وتأخرها بالعوامل العميقة التي يتقوم بها كل عمران ترى مفكرينا من أمثال واضعي التقارير العربية (تاريخ كتابة هذا المقال مباشرة بعد التقرير العربي الأول) يبالغون في درو العامل الإيديولوجي والعقدي إلى حد تصور التاريخ خاضعا لعامل وحيد هو الإرادة الواعية التي تنقلب إلى عصا سحرية تتخطى المحددات الموضوعية لعمل التاريخ.
لكأن فكرنا لم يحاول علاج الظاهرات العمرانية ومنها تقدم الأمم وتأخرها منذ نهاية القرن الرابع عشر بعللها الحقيقية فحررها من تفسيرها بالعقائد اعتناقا لها (وهو الجواب الغالب على مدرسة الاستشراق) أو تخليا عنها (وهو الجواب الغالب على الرادين على مدرسة الاستشراق). لم هذا النكوص المشين رغم أن ابن خلدون فضلا عن العلوم الحديثة قد أرجعها إلى مقومات كونية تحدد العملية العمرانية ذاتها في مستويي الفواعل المؤثرة في الإنسان:
من حيث انتسابه إلى التاريخ الطبيعي (حاجاته وغرائزه الطبيعية)
ومن حيث انتسابه إلى التاريخ الحضاري (حاجاته وعاداته الحضارية)
ومن حيث فعل المستوى الأول في المستوى الثاني
ومن حيث فعل المستوى الثاني في المستوى الأول؟
فيكون السؤال الذي ينبغي أن نطلب الجواب عنه هو: لمَ لم يتجنب فكر النهضة هذا السؤال الزائف سلبا؟ أو لمَ لم ينتبه إلى السؤال الصحيح؟ ولم صار ذلك من ثوابت فكرنا إلى الآن؟ بحيث يحمل الإسلام وزر الانحطاط عند صفي المعركة العلماني بسبب العمل به وغير العلماني بسبب عدم العمل به بدلا من البحث في ما وراء ذلك مما يجعل العمل به أو عدم العمل به معلولا بما لدى الإنسان من فطرة حدد الإسلام شروط عملها وكان الانحطاط حائلا دونها.
منطلق البحث عن الجواب هو في تحديد طبيعة الفكر الذي يطرح سؤال النهوض بهذه الصورة: إنه فكر نكص إلى علم الكلام والصراع المذهبي بعد أن كان الفكر العربي الإسلامي قد تجاوز هذا الضرب من التفكير منذ القرن الثامن بدايته (ابن تيمية) وغايته (ابن خلدون). فهو لا يطلب تفسير التقدم والتأخر بالاعتماد على قوانين العمران الكلية لعمومها النوع البشري بل هو يحصره في عقائد الناس فيرجع التعليل إلى دين أو حضارة بعينهما دون اعتبار لسياقها الذي هو المحدد لاثرها عليه. وهذه القوانين هي التي كان يمكن أن نتوسلها لفهم تأخر المسلمين بصرف النظر عن كونهم مسلمين ولفهم تقدم غيرهم بصرف النظر عن كون غيرهم غيرَهم أي ليس مسلما ومن ثم لتحديد ما ينبغي فعله لملامسة الجوانب المهمة من المسألة وإدراك ملابساتها.
ويقتضي ذلك أن نعالج أسباب الإجماع السلبي حول نفي شروط تحقيق القيم الإسلامية وحقوق الإنسان الأسباب التي أبقت على الفصام بين قيم الإسلام التي تعود إليها كل هذه الحقوق بتوسط المقاصد الخمسة المعلومة[1] وواقع المسلمين بحسب الخطة التالية:
- المسألة الأولى: عوائق الإصلاح الذاتية وكيف ينبغي فهمها وعلاجها العلاج العلمي الذي يخرجنا من المسائل الزائفة التي تصبح هي نفسها مصدر الأزمات.
- المسألة الثانية: التشخيص الذاتي لأسباب الإخلال بقيم الإسلام الموصل إلى عدم احترام حقوق الإنسان
- المسألة الثالثة: علل فشل النهضة في تجاوز الفصام بين قيم الإسلام وواقع المسلمين الذي يخلو نظامه التربوي والسياسي والاجتماعي والثقافي من شروط حماية حقوق الإنسان
- المسألة الرابعة: علل فشل التشخيص التيمي: بسبب التقليل التيمي من شأن العامل المادي في تحقيق مقاصد الشرع ومن ثم في إيجاد مؤسسات حماية حقوق الإنسان التربوية والسياسية.
- المسألة الأخيرة: علل فشل التشخيص الخلدوني: بسبب التقليل الخلدوني من شأن العامل الرمزي في تحقيق مقاصد الشرع ومن في إيجاد مؤسات حماية حقوق الانسان التربوية والسياسية.