لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله صورة التعامل
وبذلك نصل إلى رؤية كاريكاتور الحداثة للإسلام الذي يتصوره رؤية كاريكاتوره ورؤية كاريكاتور الأصالة للحداثة التي يتصورها رؤية كاريكاتورها.
وهما من جنس دونكخوت يحاربان نواعير الطواحين فإن الحقبة تتحدد بدورهما أكثر منها بحقيقة الإسلام والحداثة. فما القصد بخلط الإسلام بكاريكاتوره؟
مفهوم الإسلام المتطرف سواء استعمل بأقصى حده بمعنى الإسلام الإرهابي أو بأدنى حده بمعنى الإسلام الذي له ما يقول في السياسة يحتاج إلى تحليل.
ومفهوم الحداثة المتطرفة له نفس الدلالة سواء بأقصى الحد أو بأدناه ارهابا أو قولا في السياسة. فمن يوجه التهمة في الحالتين: من يرفضون حقيقتهما.
كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث كلاهما ومن موقعين يتصور خصيمة ممثلا لما يدعيه فيتبادلان تهمتي التطرف بلغة دبلوماسية والإرهاب بلغة حربية.
والموقع الأول موقف النخب الحاكمة وعملائها والموقع الثاني موقف حماتهما أعني الاستعمار وذراعيه في الاقليم أي إيران وإسرائيل: هما مصدر التهمتين
سيقول بعض القراء وصفك التهمتين الخاصتين بالإسلام مفهوم. هل يصح نفس الوصف بالنسبة إلى الحداثة؟
الجواب: هل يريد أعداء الإسلام حداثة حقيقية؟
لو أراد أي حكم إسلامي أن يطبق قيم الحداثة-مثلا الديموقراطية- ألا يتهم بكونه متطرفا: انظروا كيف يتهم جل حكام الخليج وحماتهم تركيا أردوغان؟
فأغلب حكام الخليج يتهمون أردوغان بالعلمانية الملحدة وأغلب حكام الغرب يتهمونه بالدكتاتورية: والأولون يدعون التدين والثانون الديموقراطية.
حكام الخليج يفضلون النفاق الديني بتضخيم دور العبادات وإهمال حقوق الأمة التي أقرها الإسلام لحكم نفسها بنفسها لتعارضها مع استبدادهم وفسادهم.
وحماتهم يريدون تركيا الفاقدة للسيادة بالديموقراطية الصورية التي يشرف عليها العسكر من جنس نظام السيسي ولا يريدون ديموقراطية لحكم وشعب سيدين.
لذلك اجمع الفريقان على ضرورة اسقاط الديموقراطية في الجزائر أولا ثم في تركيا وفلسطين ومصر وتونس وليبيا واليمن مفضلين المستبدين والفاسدين.
ويحق لنا الآن أن نسأل عما وراء اتهام الإسلام والحداثة الحقيقيين بالتطرف والإرهاب؟
أليس هو ما لأجله يحاربهما الصفان: الحرب على شروط السيادة؟
فالمستعمر يريد المحافظة على طابع المحميات للبلاد التي يحكمها حكام يريدون المحافظة على الفساد والاستبداد أي على ما يرفضه الإسلام والحداثة.
ولهذه العلة عبرت عن أعجابي بشباب الخليج: فهم مع قيم الثورة الروحية والسياسية لأنهم في لحظتنا أكثر الشباب في العالم خضوعا للعبوديتين فيهما.
ولا بد هنا من التذكير بأني طلبت من مساعدي مدير الموقع أن يطلعني على تجربة بنات الخليج: فهن أشد وعيا بهذه القضية لأنهن أكثر تضررا من الوضع.
علما وأني اعتقد أن الإناث في كل العالم حتى وهن اميات أدرى بهذه الاشكالية من الرجال لعلتين: النضوح العضوي والروحي بخلاف بادئ الرأي.
فالإناث يبلغن قبل الذكور عضويا ويعرفن ضعفهم الحقيقي روحيا. وللعلة علاقة بالجنس الذي هو مصدر قوة الإناث وسر سلطانهم في كل المجتمعات والحضارات.
واستثناؤهم من السلطة السياسية من أكبر الأكاذيب. فلهن سلطان على ذوي السلطان وهو السلطان الخفي واللطيف والأقوى في كل المجتمعات والحضارات.
ولهذه العلة فإني اعتقد أن شباب الامة ذكورا وإناثا انحازت اغلبيتهم للثورة صادقين: أي إنهم مدركون لوحدة الروحي (الإسلام) والمادي (الحداثة).
أدركوا أن التعارض بين الحداثة والإسلام من حيل كاريكاتورهما لدى المستفيدين من نفي وحدة القيم رغم ثنائية تجليها في الشروط المادية والروحية.
وهذا هو أهم تقدم حصل في الأذهان وما الثورة إلى بداية السعي لتحقيقه في الأعيان: الحرب على الإسلام وعلى الحداثة هي حرب علة الحرية والكرامة.
إنه أهم تقدم حصل في الأذهان والثورة هي بداية السعي لتحقيقه في الأعيان: الحرب على الإسلام وعلى الحداثة هي حرب علة حرية الإنسان وكرامته.
حرية المرأة وكرامتها تعاني نسبيا أكثر من حرية الرجال وكرامتها لأنها تتضمن الظلم الذي يعاني منه الرجال وظلم الرجال وإذن فهن أوعي بالداء.
وليس في كلامي انحياز للنساء بل محاولة فهم الامور بعللها الموضوعية: فالأكثر معاناة من اي عدوان أو مرض يكون عادة أكثر وعيا به وسعيا لمقاومته.
وقد بحثت في الفصلين الأولين في الوضع الروحي وفي هذا الفصل أتكلم على الوضع السياسي: والوضع الروحي واحد للجنسين ومثله الوضع السياسي.
وما رأيت كتابا سماويا يخاطب الجنسين في الوضعين مثل القرآن: فهو يخاطب الجنسين دائما وخاصة في جوهر السياسي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالسياسي ليس مقصورا على الحكم بل هو يتعلق بما هو أعمق من الحكم: التربية والقيم التي يخضع لها الحكم إذا كان ذا شرعية: حقوق الإنسان وواجباته.
الثورة-وقد عشت أيامها الاخيرة لم تكن للذكور وحدهم بل كانت أيضا للإناث. والإناث المحرومات من كل الحقوق أولى بالثورة من بنات تونس وتركيا مثلا.
توقعي على ضيق اطلاعي أن إناث الخليج سيكن شبيهات على الأقل في مجال الإبداع الأدبي ببنات انجلترا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ولما كانت كل ثورة تبدأ بأساليب التعبير وأهمها الادب فإن ما أتوقعه هو أن أكبر أديبات عربيات سيكن خليجيات فنفس العلل تؤدي إلى نفس النتائج.
وطبعا فالعلل هي هنا ما وصفت في الفصلين الاولين روحيا وما أنا بصدده في هذا الفصل من علل سياسية واجتماعية من دواع الثورة على الموروث.
فالفقير الذي يجوع وهو يرى ثروات بلاده الغزيرة توزع بلا حسيب ولا رقيب على مافيات الحكم وعملائهم وحاميهم لا يمكن ألا يثور مهما كان خائفا.
فتكون ثورته قلبيه وهي أضعف إيمان وإذا كان ذا ثقافة تقليدية قد يصبر على هذا الظلم لأنه ينسبه إلى إرادة الله معتبرا ما يحصل قضاء وقدرا.
لكنه بمجرد أن يفهم حقيقة القضاء والقدر يصبح من القائلين بشعار الثورة كما صاغه أبو القاسم الشابي: فمن “لا يريد الحياة يعيش ذل العبودية”.
لذلك فالبين أن غالبية الشباب العربي الذي يعيش المهانة والمذلة والفقر فهم هذه الحقائق وثار من الماء إلى الماء خاصة وبحبوحة البترول أفلت.
تلك هي علل ثقتي في شباب الامة وإيماني بأنهم جيل الاستئناف مثل جيل النشأة التي حققت شروط نجال الرسول الخاتم بخلاف كل الرسالات السابقة.
وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها