ه
صفقة القرن الحقيقية لا تتعلق بفلسطين مباشرة
كثرة الكلام على “صفقة القرن” أو ما عزمت عليه الثورة المضادة العربية وإسرائيل وإيران وأمريكا من تصفية القضية الفلسطينية وإيران وروسيا من توظيف للتدجيل على الشعوب لا تعنيني كثيرا. فأنا اعتقد ألا أحد يستطيع تصفيتها ما ظلت فلسطين بقدسها في قلب أي مسلم فضلا عن أهلها المباشرين فإني لن أتكلم فيها.
سأتكلم على طرف الصفقة العربي.
اعتقادي أن علنية الصفقة هي التي يمكن اعتبارها أمرا جديدا لأن الصفقة بدأت في نفس الوقت ببداية سايكس بيكو ووعد بلفور مع الحرب العالمية الأولى وخطط لها قبل ذلك بكثير. ولذلك فالأمر الذي يحتاج إلى تحليل هو ما الذي حدث فجعلها تنتقل من السرية إلى العلنية؟ أمران متضادان بحصيلة موجبة.
فأما المعنى الأول من الضدين فيبدو سلبيا وهو المقابل الذي ينتظره المصافقون العرب إلى حد الصفاقة: ما وعدتهم به اسرائيل وأمريكا بخصوص ما اضطرهم للقبول بكل الشروط ومنها الانتقال من السرية إلى العلنية. ليس حمايتهم من إيران كما يحاولون إيهام شعوبهم بل حمايتهم من ثورة شعوبهم. وهي محال.
وإذن فالمقابل سيكون “فشوش” لأن ثورات الشعوب إذا بدأت لا يستطيع أحد إيقافها حتى لو استطاع تعطيلها وتعثيرها والطرف الثاني في الصفقة يعلم ذلك لكنه يمنيهم ويربح الوقت وله في ذلك سند كبير من طرف ثالث هو إيران وروسيا اللذين لهما حلم الحصول على سهم من الصفقة نظير خدماتهم ضد الثورة.
وما يجري حاليا بين أمريكا وإيران لا علاقة له بالصفقة ولا بحماية الخليج من إيران بل الهدف هو فرض شروط اتفاقية جديدة حول الملف النووي لحماية تفرد إسرائيل به وبتمويل عربي إن تعنتت إيران فاضطرت أمريكا للحرب. فذلك من شروط تمرير الصفقة بل حول علاقة إيران بإسرائيل وسايكس بيكو ثـانية أوسع من الأولى.
وهنا يأتي المعنى الثاني وهو الموجب حقا: فحتى الخلاف الإيراني الإسرائيلي على أهميته فهو ليس الدافع الحقيقي لما يجري بل الدافع الحقيقي هو اكتشاف الأمر الذي لا يريد أن يعترف به أعداء الاستئناف. أمريكا وإسرائيل اكتشفا بعد قرن أن سايكس بيكو الأولى فشلت لما أدركا دلالات الثورة.
وما يثبت ذلك هو بالذات مآل الثورة في مصر وله علاقة بعلنية موقف الثورة المضادة في الحلف مع إسرائيل والصفقة التي تراد لفلسطين: الأنظمة التي نصبتها سايكس بيكو الأولى فهمت أنها فشلت وأن وجودها أصبح رهن الحماية المباشرة والعلنية التي وعدوهم بها وهي لجعلهم يمولون سايكس بيكو الثانية
الصفقة الحقيقية هي سايكس بيكو الثانية وهي تستهدف الشرق الأوسط الكبير مشرقه ومغربه وخاصة تركيا التي تمثل الدليل القاطع على فشل سايكس بيكو الأولى بمعنيين:
- بمعنى دلالة ما تفيده عودتها المتدرجة لذاتها وفشل العلمنة القسرية
- ودلالة ما تفيده نجاح تنمية شرطي الحداثة المستقلة والسيادة.
فلا يوجد عاقل لم ينتبه إلى العلاقة الوطيدة بين ثورة الشعوب العربية وتركيا العائدة إلى ذاتها والمثبتة بأن هذه العودة هي شرط التنمية المستقلة المحققة لشروط السيادة ما يعني أنها صارت مستهدفة أكثر مما كانت في سايكس بيكو الأولى ومن ثورة شعوب الإقليم لاعتقادهم أنها مثال وحام ممكنين.
ولهذه العلة فإني سأخصص محاولتي ليس للصفقة الخاصة بفلسطين فهي عندي لم تعد هي المطلب الأول للأعداء بل هي تعتبر ثمرة المطلب الأول التي تحصل بطبعها إذا هو تحقق أعني الصفقة التي تجعل أغبياء العرب يمولون سايكس بيكو الثانية وخاصة تفتيت الهلال وتركيا ثم يتلوهما تفتيت الخليج والمغرب.
والسؤال: ما المقابل الذي ينتظره المصافقون العرب أي حلف الفجار الذي يقود الانتحار -الإمارات والسعودية ومصر وتوابعهم في النخب السياسية العربية والكردية والتركية والأمازيغية التي تمثل أدوات التفتيت والاختراق باسم الحداثة والعلمانية والتنوير والحرب على ما وسموه بالإسلام السياسي؟
وعندما يستعملون النبز بالألقاب يسمون أصحابه بالإخوانجية والإرهابيين وقصدهم بالذات ثورة الشعوب التي تريد استرداد شروط الكرامة والحرية للأفراد داخليا وشروط التنمية المستقلة والسيادة والتي هي العدو الحقيقي الذي تخافه الأنظمة العميلة سواء كانت تابعة لإسرائيل أو لإيران ومن وراءهما.
وحتى أزيل من أمامي خدعة العداء بين إيران وروسيا وإسرائيل وأمريكا في الاقليم فلأشر إلى أمرين: هل كانت إسرائيل وأمريكا تنتظران وصول إيران إلى هذا المستوى من الاستعداد والقدرة وتسمحان لروسيا التي صارت من العالم الثالث أن تصل إلى المتوسط وقد عجزت دونه لما كانت إمبراطورية سوفياتية؟
إذا كان حمقى القيادات العربية يجهلون دوافع إيران وروسيا الحقيقية في الاقليم فإن اسرائيل وأمريكا لا يجهلونها. إيران تريد استرداد ما تزعمه حقا لها أي ما كانت عليه فارس قبل الإسلام وروسيا تريد استرداد ما تعتبر تركيا قد أخذته من بيزنطة الأرثودوكسية لتدارك فرصة أضاعتها ثورة 17.
سيقال هذا تخريف: ألا ترى تركيا “متحالفة” مع روسيا ومع إيران حاليا؟ وهم يعتقدون أن تركيا ليست واعية بأنها تناور للضرورة وليست حليفة لأي منهما. وهذه من حجج الحمقى الذي يعتبرون تركيا “عثمانية” تهدد أرض العرب وتحالف أعداءهم في حين أنهم هم الذين يمولون أعمال هؤلاء العدوين للحرب عليها. ولا يعلمون أنها هي بدروها مهددة أكثر من العرب وأن قياداتها لا تجهل ذلك وتحاول أن تفهم حمقى القيادات العربية التي تنتحر ولا تدري ما ينتظر بلادها من تفتيت.
إيران وروسيا يتحينان الفرصة ويتصوران أن إسرائيل وأمريكا قد تسمحان لهما بتجاوز دور الجرافة في خطتها لسايكس بيكو الثانية فيتركانهما يحلمان وتلك هي علة السماح لهما باحتلال العراق وسوريا ولبنان وحتى اليمن ولكن لحين عندما تنضج الثمرة وتخمد الثورة ويتم القضاء على تركيا لا قدر الله.
ولأن الكثير لا يفهمون هذه الحقائق يتصورون أردوغان “يشري في الكلوف” أو يتحرش دون داع فيستعدي إسرائيل وأمريكا والعرب بتدخله في سوريا والعراق ومصر وليبيا والسودان. ولا يدرون أنه إنما يفعل ذلك إلا لأنه فهم الاستراتيجية العامة التي تستهدف كل الإقليم وخاصة راس تركيا وثورة الشعوب.
صحيح أن التاريخ لا يتكرر بالتطابق لكن بناه العامة فيها ما هو ثابت: فحتى لما كانت تركيا “الرجل المريض” في نهايات القرن التاسع عشر وقبل سقوط الخلافة كانت تمثل ملجأ النخب التي بدأت تتحسس شروط النهوض والاستئناف. وهي اليوم ليس ملجأ لهم وحدهم بل هي كذلك لملايين اللاجئين من العرب.
سأفترض أن إسرائيل وأمريكا سيوصلان الأحمق صاحب المنشار لكرسي الملكية في السعودية مع حاشيته من البلداء رغم أنها بها آلات الخريجين من أعرق الجامعات الغربية وسيوهمون الأكثر منه حمقا أن بلاده صارت اسبرطة-بمحتليها من الهنود والفرس-لأن سكانها العرب لا يمكن أن يكونوا حتى حامية فضلا عن جيش اسبرطة وفضلا عن الأمة والجهل والبداوة التي لا تعوضها العناوين الأكاديمية المضروبة والمشتراة.
وهذا ممكن بل وكثير الاحتمال فهم أوصلوا أحمق رئيس عرفته البشر لرئاسة أعرق دولة في تاريخ الإقليم رغم أنه تقدم السيسي إلى امتحان الانتقال من الابتدائي إلى الثانوي لفشل. ولو حارب حتى الخنافس لهرب من طنين الذباب. والنتيجة أن مصر صارت أضحوكة العالم وخرجت من الجغرافيا ومن التاريخ لأنها صارت دمية ناتن ياهو.
وإذا كان هذا مآل مصر وهي أعرق دول الإقليم وأكبر أقطاره فما بالك بالسعودية أو بالإمارات أو بالبحرين أو بدولة حفتريش وهلم جرا من الأذيال التي تنوي تفتيت أقطارها باسم العرقية (كعلمانيي الأكراد والاتراك والأمازيغ) أو باسم الطائفية في نفس الدين أوبين الاديان بشعار العلمانية والقومية.
المعركة الحقيقية هي إذن هذه الصفقة الأصلية -سايكس بيكو الثانية- وليس صفقة القرن الفلسطينية. فصفقة فلسطين كما كانت جزءا من سايكس بيكو الأولى فإنها يراد لها أن تكون جزءا من سايكس بيكو الثانية. مثلما كانت الأولى مترتبة على الاولى فالثانية يريدونها مترتبة على الثانية. لكن هيهات. وهيهات أقولها مرتين:
- سايكس بيكو الأولى فشلت بدليل تعافي تركيا وحصول ثورة الشعوب بدلالتيها التي أخافتهم أي إنها ثورة الاستئناف الإسلامي بقيم كونية تتعالى على المقابلة أصالة حداثة.
- وسايكس بيكو الثانية في هذه الحالة لن تجد أرضا ممهدة كالأولى وتلك هي علة حاجتهم لنفس العملاء
وأختم برد على اتهام من حداثيي العرب الذين تمولهم الثورة المضادة. يتصورون أني مثلهم تمولني تركيا وقطر أو احتاج إلى التمويل. والكل يعلم أني لا صلة لي لا بقطر ولا بتركيا. كما يعلم الجميع ألا أحد نقد قطر مثلي لأن كونها مظلومة لا يعني أن تصبح الخصومة عداء يتابع كل كبيرة وصغيرة للتنديد بهم بمنطق البادئ أظلم بل.
وقد خاطب أردوغان مباشرة في أول لقاء به لأشير بأن عرب اليوم أنداد للأتراك وأن التعامل بيننا ينبغي أن يكون معياره الندية وأن المستهدف ليس قوميتينا بل المشترك بينهما أعني الإسلام السني الذي أدخلنا للكونية بدورنا التاريخي العالمي بخلاف ما يزعم هيجل ضدنا وضد تركيا بالذات عندما الذ تصورنا قد خرجنا من التاريخ وعدنا إلى البداوة بعد اخراج الخلافة من أوروبا (البلقان واليونان).
ولو كنت ممن يتنازلون عن طلب الحقيقة من اجل الاخلاد إلى الأرض لما استقلت من السياسة نهائيا خاصة في بلاد العرب الذين السياسة عندهم لا تتجاوز استخدام الشعوب ونهب ثوراتها بدل خدمتها تنمية ثرواتها. ومن تابع ما قلته للأمم المتحدة في تقييمي لسياستها إزاء مهربي أموال الشعوب يعلم موقفي.