لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهشكوك على نظرية المقاصد
عندئذ أطرح الأسئلة ليس لهم حل:
من سيكون القاطع؟
وكم عدد المقطوع أيديهم؟
إذا كان أكبر اللصوص هم الحكام وحاشيتهم من النخب فهم سيقطعون أيدي من جوعوهم حتى يرضوا الدجالين ممن يتصورون الشريعة هي قطع الايدي. فيكون السارق الاكبر مضحيا بالسارق الاصغر الذي هو من جوعه فاستسرقه.
ألا يكون الرسول في كلامه على الملك العضوض قد قصد ذلك ونبه إليه؟
هل نقبل أن يصبح الفقه وتأصيله مجرد أداة لخدمة أغراض منافية لثورتي الإسلام أي الحرية الروحية والحرية السياسية حتى يكون المؤمن مؤمنا وعاملا صالحا والامة متواصية بالحق ومتواصية بالصبر؟
هل نحن كذلك؟
ما الفرق بين فقهاء أمراء الحرب وفقهاء حكام المحميات العربية مثلا؟
هل منهم من يمكن أن يدعي أنه يعمل بشرع الله؟
لكن “العلماء” المزعومين والدعاة هل يتجاوز دورهم الفصام بين الاقوال والأفعال مغلبين منطق الضرورات تبيح المحظورات فيجعلون الشريعة مجرد غطاء يبرر حكام الطغاة من النوعين؟
وهبنا تصورنا ثورة من قلة مخلصة لا ينطبق عليها هذا الوصف فلا يكون أمراء حرب ولا حكام محميات هل يمكن للشريعة الإسلامية أن تقطع أيدي ثلاثة أرباع الشعب المسلم؟
فالتسارق هو المناخ العام في المجتمع إذ ليس من الضروري أن تكون السرقة عينية: فالغش والاحتكار والتطفيف كلها سرقات خفية.
لكن الأهم من ذلك كله هو أن كل وظائف الدولة العشرة مبينة على أكثر من السرقة فهي حرابة: فإذا من بيده سلطان الدولة ولو جزئيا يستعمله سلاحا للتغطية على فساده واستبداده: فالقضاء والأمن والدبلوماسية والدفاع والاستعلامات جلها وفي بعض بلاد العرب كلها تعيش من عرق الامة وتخدم عكس دورها.
والأمر لا يتوقف عند وظائف الحماية الخمسة هذه بل يتعداها لوظائف المجتمع الاهلي الخمسة أيضا فالتربية النظامية والتربية الاجتماعية والإنتاج الثقافي والإنتاج الاقتصادي والبحث العلمي كل ذلك هو وظائف الرعاية التي تعمل بعكس دورها وإلا لما انحططنا ولكنا في قمة الهرم الدولي.
والوظائف العشر تعمل عكس دورها ومن ثم فهي تسرق أجرها مقابل عمل لم تقم به بل قامت بعكسه فصارت الامة تدفع اجر من يعمل على تخريب وظائفها والتخريب هو دائما لصالح الأعداء الذين يستفيدون من هشاشة الامة التي يريد لها الإسلام أن تسود العالم فصارت مسودة بأراذله وأخبث البشر.
الحثالة ممن يسمون أنفسهم فقهاء المعارضين للحكام باسم الإسلام في الحركات التي تدعي الجهاد يتصورون دولة طالبان وداعش وبوكو حرام هي الدولة الإسلامية. وهي في الحقيقة النقيض المطلق لنظرية الدولة الإسلامية كما حاولت بيان حقيقتها ظنا أن حفظ بعض المتون البالية علما للشرائع.
ولا فرق بينهم وبين الفقهاء الذين يبررون سلوك حكام المحميات. أولئك هم مبررو سلوك أمراء الحرب باسم الإسلام الذي شوهوه وهؤلاء هم مبررو سلوك أمراء المحميات التي اقتطعوها من دار الإسلام لتصبح مجرد قواعد لإمبراطورية مغول الغرب: الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذان النوعان من الفقهاء المزعومين يمثلون شبه كنسية تضيع الحرية الروحية بوساطة تنويمية للشعوب أساسها تحريف الرسالة التي أتت للتحرير وليس للتزوير. الوساطة الروحية تبرر الوصاية الاستبدادية لحكام المحميات باسم الدين أو باسم الفقه ولأمراء الحرب الذين يدعون المعارضة بنفس الاستبداد.
والنوعان أخطر على الرسالة وثورتيها أي الحريتين الروحية والسياسية من كل طغاة العالم وحتى من الاستعمار وعملائه لأن هؤلاء يضاعفون قوة مقاومة العدوان بقيم الإسلام وأولئك يشوهونها فيسهمون في إضعافها ويكادون يبررون هروب الشباب إلى العلمانية والإلحاد بتخريفهم ونفي التطور العلمي.
توهم أدعياء الرسوخ في العلم عكس ما وصفتهم به آل عمران 7 واستبدلوا الإيمان بالغيب بدعوى علم عطفوه على علم الله وهو عندي عين الكفر بكل القرآن لأن علم الإنسان ليس محيطا كعلم الله حتى يكون الراسخون مثله قادرين على تأويل المتشابه: فهذا دليل مرض القلب وابتغاء الفتنة.
وما “يقهرني” حقا هو تخريف القائلين بالإعجاز العلمي. لو صح أن القرآن يحتوي على هذا الاعجاز وكان الوصول إليه بشرح النصوص لكان أصحاب هذا الوهم أول الكاشفين على اسرار الكون الطبيعي والتاريخ ولغزوا المجرات واستخرجوا من الارض ما فيها من الثروات ولما كان منا متسولون حماية ورعاية ولكانوا هم الرواد لا ينتظرون اكتشاف غيرنا ثم يدعون وجوده بعده في تفاسيرهم الوهمية. وهم من حيث لا يعلمون يجعلون حقائق القرآن تاريخية لأنه لا يوجد علم نهائي بل كل ا لعلوم في تطور دائم. فهل ما يدعون وجوده في القرآن يصبح كاذبا بعد أن يتجاوزه العلم؟ الدجالون فسروا القرآن ببطليموس.
وإذا كانت الطبائع لا تعلم بشرح النصوص فمن باب أولا ألا تعلم الشرائع به. فالشرائع أكثر تعقيدا من الطبائع ومن ثم فعلمها أعسر. وإذا كانت الطبائع لا تعلم إلا بالإبداع الرياضي والتجربة المادية فإن الشرائع تضيف إليها بسبب ما فيها من طبائع الابداع السياسي والتجربة الخلقية.
ومن يجهل هذه الشروط المضاعفة لعلم الطبائع ولعلم الشرائع لا يحق له أن يبدى رايا في الفقه وفي تأصيله. فالإنسان كائن طبيعي (على الاقل بمادة بدنه) وتاريخي (على الأقل بمادة عقله) وهو يعرف فردا وجماعة بعلاقة عمودية مع الطبيعة (مصدر زاده المادي) وعلاقة أفقيه مع التاريخ (مصدر زادة الروحي)
وهذا هو مناط أحكام أفعال العباد وهو مجال اختبار أهلية آدم وأبنائه للخلافة:
والقرآن فيه دستور سياسي للتربية والحكم بتوجيه الإنسان نحو شروط الحياة المنظمة في استعمار الارض
ودستور معرفي لتوجيهه نحو العمل على علم.
والتحديد التوجيهي هو الهداية التذكيرية للإنسان حتى يستعمل ما جهز به فطريا للتعامل مع الطبيعة والتاريخ بما له من إرادة وعلم وقدرة وحياة ووجود تؤهله لأن ينجح في الاختبار جوهر الحياة الدنيا مطية للحياة الأخرى. ذلك هو مفهوم الرسالة الخاتمة والشاملة للإنسانية وشرط الشهادة عليها.
ذلك ما افهم من الرسالة الخاتمة وثورتيها أي الحرية الروحية علاقة مباشرة بين المؤمن وربه والحرية السياسية علاقة غير مباشرة بينه وبين ربه لأنها تمر بعالم الشهادة الطبيعي والتاريخي الذي اختباره يكون في ما يعلمه وما يعمله للتعامل معهما تعميرا للأرض بقيم الاستخلاف لحساب يوم الدين.