لما بدأت عاصفة الحزم لم يكن أحد يعتقد أن الملك السعودي الحالي كان ضد الثورة بل صدرت عنه بعض التصريحات عبر فيها عن موقف نقدي من تأييد المملكة لضرب الإسلاميين في مصر لكنه سرعان ما انقلب وعاد إلى سياسة الملك عبد الله ربما لأن أصحاب السلطة الخفية ساوموه وفرضوا ما حصل لاحقا. وطبعا لم تكن مواقفه مجرد شائعات لأن أفضل محللين سعوديين أثق في نزاهتهما وكفاءتهما أحدهما عالم اجتماع والثاني صحفي كانت كتاباتهما تشي بهذا التحول على الاقل إلى ما بعد الشهور الأولى من عاصفة الحزم التي لم يكن أحد يتصور أنها ضد الإسلام السياسي بل هي ضد التدخل الإيراني في اليمن. لكن تبين بالتدريج أنها في الحقيقة ضد الثورة التي لم تنسب إلى الشعب اليمني بل اعتبرت من مؤامرة التيار الإسلامي في اليمن وأن الحوثي نفسه مكن هو وصالح لاستعادة اليمن إلى ما قبل الثورة. وهنا بيت القصيد: ما كنت أظنه أخطاء استراتيجية في الحرب هو في الحقيقة الاستراتيجية الخفية فيها. لم يكن التدخل حربا على الحوثي وصالح بل على ثورة الشعب اليمني التي يعتبرونها مؤامرة الإسلاميين وليست ثورة شعب مثل ما حدث في جل بلاد العرب. ارادوا تمصير الثورة بالطريقة السيسية. لكن الحوثي ارتهن صالح وأصبحت ذراع إيران تستفيد من الاستراتيجية الغبية للتدخل باسم العرب. ولم أفهم علة الاذن الصماء على الكثير من النصائح التي قدمتها إلا بعد أن فهمت أن الاستراتيجية المعلنة لم تكن هي الاستراتيجية التي تقودهم. وقد توهموا أن الاستراتيجية الخفية كانت من حيث لا يعلمون كلها لصالح إيران دون أن تضر بالإسلاميين لأنهم فهموا اللعبة فبقوا بعيدا رغم ما حل بتعز. واليوم فإن اليمن لن يحرره منهم ومن الحوثي وإيران إلا شباب ثورته والإسلاميون. ومعنى ذلك أن شباب ثورة اليمن سيعود وهو الذي سيحميهم من إيران لأنه هو دون سواه سيقضي على آثار غبائهم وعلى قاعدة إيران على حدود السعودية. ولا مفر من هذا الحل الوحيد لقياداتها للخروج من المأزق الحالي. وكنت قد توقعت أن شباب العراق وشباب سوريا رغم سيطرة إيران شبه المطلقة سيقضي على الاحتلال الإيراني وقريبا جدا. لكن توقعي كان مجرد نتيجة لتحليل ولم يصبح عندي شبه حقيقة واقعية إلا بعد ما رأيت ما يؤكد بداية هذه الثورة بعد إرهاصاتها في مظاهرات ضد الفساد سابقة دعت إلى طرد إيران. فما رايته في أحد ملاعب جنوب العراق أكد لي أن ثورة الشباب العراقي على الابواب. ورغم أني ضد البعثية فإني أفهم أنهم اختاروها شعارا ليس لأنهم بعثيون بل لأنهم عراقيون يحنون إلى سيادة العراق التي كانت مصانة في عهد البعث. إن “بعث” صارت تعني شيئا آخر للشباب: سيادة العراق وتجاوز الطائفية. صحيح أن اليمن لم يصل بعد إلى المرحلة التي يكتشف فيها المعتمدون على إيران من شبابه (الحوثيون) ما اكتشفه شباب العراق لان إيران لم تسيطر بعد عليه كما سيطرت على العراق لما يقرب من عقد ونصف وهي كذلك لم تستطع ان تسيطر على سوريا رغم تبعية النظام لأن الثورة غلبتها ولم ينجها إلا بوتين. وهكذا فكل الذين خانوا الأمة وكونوا الثورة المضادة ضد ثورة شبابها بجنسيه الساعي للتحرر وإخراج الامة من الاستثناء من قيم العصر باتوا كما يثبت ذلك اليمن في مأزق لن يخرجهم منه إلا الشباب الثائر خاصة وان إيران نفسها توجد مثلهم في نفس المأزق لأن شبابها بجنسيه على أبواب الربيع. وما يجعلني شديد التفاؤل في توقعي لهذا المآل هو أن بوتين لن يستطيع حماية نظام الملالي لأنه هو بدروه في مآزق أكثر منهم وأن ترومب لن يستطيع حماية أصحاب الثورة المضادة مموليها ومنجزيها من الأنظمة العربية القبلية والعسكرية. فهو يفضل بقاء المآزق حتى يحلبهم إلى آخر قطرة في الضرع. صواريخ البارحة على السعودية يمكن أن تكون نهاية المأزق إذا فهموا خطأهم الاستراتيجي ففهموا أن هزيمة الثورة مستحيلة وعلموا أن الحل الوحيد هو ما عملته أوروبا بعد الثورة الفرنسية: سحب البساط منها بتحقيق الإصلاحات التي طالب بها الثوار ومهادنة الربيع وإلا فالنهاية آتية لهم ولإيران. ما حدث في ملاعب العراق وما حدث في هزيمة الاستراتيجية التي اعتمدها ممولو الثورة المضادة في اليمن والمأساة التي آل إليها حكم السيسي لمصر وصمود الثورة في سوريا وفي ليبيا ونهاية المطاف لبوتين والملالي وعجز الإدارة الامريكية الحالي كل ذلك مما يؤكد أن قيادة المعركة عادت إلى الشباب. ويمكن أن أضيف أمرين آخرين لعلهما هو الأهم: فشل الانقلاب في تركيا وفشل محاولة غزو قطر. فالفشل الاول لكونه بفعل الشعب يمثل نهاية حكم العسكر في تركيا وبداية فهم الحل في مصر. لن يسقط حكم العسكر في مصر إلى نزول العشب المصري كما نزل الشعب التركي ليخرجه من الميادين عنوة بالجماهير. وفشل غزو قطر له علاقة بفشل اسقاط النظام في تركيا وعودتها إلى ذاتها وهو درس ذو فائدتين: 1. عودة تركيا إلى ذاتها جعلتها في أقل من عقدين تستعيد قوتها. 2. فمكنها من نجدة من يحاول من المسلمين التحرر من الهيمنة وإن في حدود. ولذلك ثمرتان: ملجأ قيادات الثورة (تركيا) وصوتهم (قطر). وهكذا فما أراده أصحاب الثورة المضادة موليها (الأنظمة القبلية) ومنجزيها (الأنظمة العسكرية) فشل فشلا ذريعا فصاروا وإن لم يظهر ذلك إلا في اليمن في وضع الدفاع بدل الهجوم وسيؤدي حلب ترومب وبوتين لهم إلى إفلاسهم اقتصاديا فضلا عن الهزيمة العسكرية التي لن ينجيهم منها إلا شباب اليمن. وأعتقد أن تركيا وقطر بدأتا تنتقلان من الدفاع إلى الهجوم: فهما بتدريج بطيء بدأتا تحاصران الإمارات (اخراجها من القرن الأفريقي) وإنشاء قواعد تركية لا بد أن يكون لقطر فيها دور على الاقل في المساعدة على التمويل كلاهما بداية لمحاصرة من لا يستحق اسم شيطان العرب لأن الشيطان ذكي. وبخلاف ما يتوهم بعض السعوديين فإن في ذلك مساعدة لتحرير القرار السعودي من هيمنة الإمارات التي هي مجرد قاعدة للقرار الإسرائيل والإيراني في آن لأن المستهدف هو تفجير السعودية بضربتين: ضرب قوتها الروحية (تمثل السنة) وقوتها المادية (تفريغ الصناديق) بوهم مستقبلي يهدم قوتيها فيفتت أرضها. بدأ ضرب الثورة في مصر وسينتهي فيها لأن فشل السيسي المؤكد الآن يعني نجاح الثورة ولن يزيله إلى الشباب بجنسيه عندما يخرج الجيش من الميادين ويعيد سلطة الشعب وحريته وكرامته. وهو آت لا ريب فيه. وفشل بشار مؤكد بسبب وضع إيران وبوتين فلن يبقيا ليحمياه. وانتصار الثورة الذي منعاه سيعود. كما أن ليبيا مهما قيل تمكن شبابها من الصمود وهو لا يزال الطرف الأقوى في المعركة ليس من حيث الشرعية فحسب بل وكذلك حتى من حيث القوة على الارض. ونفس الأمر يقال عن تونس ولعل وضعها قد يفسد مؤقتا إذا واصل المؤمنون بالثورة الخوف من اعدائها وعدم استرجاع المبادرة.