1-عادت إمبراطورية إيران وبغداد عاصمتها حاليا:هذا ما أعلن عنه الإيرانيون. والغزو متواصل بتواصل حال النخب العربية ليس الحاكمة فحسب بل كلها.
2-فعلق الأستاذ: لا يمكنني أن أزايد على عراقية العراقي أو شامية الشامي أو يمنية اليمني أو مصرية المصري أو سعودية السعودي. ولا فائدة من ذكر الباقي.
3-لذلك فمن المفروض ألا أعلق: فإذا قبلت نخب هذه البلاد العربية أن تعود إلى وضع المناذرة والغساسنة فلن أزايد عليهم فأكون أكثر ملكية منهم.
4-لكن بعض الأمور جديرة بالتعليق دون أن تزايد على وطنية هؤالاء: أولها أنه لا يوجد من له أخلاق الملوك حتى يعاب عـلي إن علقت بادعاء الملكية أكثر منه. فالملوك لا تُملك من غيرها لأن الملكية السياسية لا تقبل القسمة ومثلها السيادة.
5-وهذا ليس مجرد رأي: فالكلام على إمبراطورية أجنبية تسيطر يعني أن ملوك المنطقة صاروا توابع وليسوا ملوكا بل ولاة لديها: بدأ بعضهم يركض إليه.
6-كلامي يتجاوز الحكام فلا يقتصر عليهم: كل النخب التي بيدها فاعلية المآل الحالي سبقت الحكام فأوهنت روح الشعوب ويسرت الاستكانة: المربون والمثقفون والاقتصاديون.
7-وكلامي يتجاوز حالنا اليوم. فتلك كانت حالنا قبل الإسلام. وتلك كانت حال ألمانيا قبل ثورتها في نهايات القرن الثامن عشر لما كانت في ذيل دول أوروبا الناهضة: يكفي حاكم صالح بشرط النخب المؤمنة (وقد كان هذا الحاكم الصالح يصف نفسه بهارون رشيد الألمان).
8-والكلام على هذا الشرط قاله أفضل الخلق: ألم يكن الرسول يدعو: اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين؟ لماذا أقول هذا؟ حتى لا نحمل الحكام المستحيل: الحاكم وحده لايكفي.
9-ذلك أن الكثير يبالغ في النكير على الحكام ويبقى متفرجا. كان يمكن أن أكون من المتفرجين إذ ليس أيسر من الفرجة والزعامة الكلامية مع القعود. وما أكثر المتفرجين القاعدين.
10-وكم من مثقف طماع وانتهازي تصور نفسه يعبر عن محبة لي فنصحني بالابتعاد وعدم الخوض في الأحداث حتى لا أحسب على هذا النظام أو ذك فأخسر رضا هذا النظام أو ذاك. ( وقد قال لي مدير الصفحة إن أحد المعلقين-وقد عرفه من مضمون تلميحاته- ادعى معيرا بسبب سخفه وبلادته أني مدين للخليج بطبع أعمالي ناسيا أنها قلة من كثرة).
11-وكم من اقتصادي طفيلي يتصور نفسه ناجحا إذا وفرت له العمالة لإسرائيل أو إيران بعض الربح لتحقيق بعائد الأمور التي يسعى إليها مستخدمه. وهو لو كان يعلم أنه بذلك قد رهن نفسه فبات ضحية الابتزاز الدائم لاحتقر ذاته.
12-وكم من مثقف متذاكي يتصور التحديث استيراد القشور فيكون مسعاه للتهديم وليس للبناء فييسر الغزو: يهدون ما به تغزو إسرائيل وإيران أوطانهم أي بالدين المحرف في حين أنه يتخلى عن الدين السوي حتى يقال عنه إنه تقدمي وعلماني وليبرالي رغم تحالفه مع الاستبداد والفساد ومجرد ولاة لإمبراطورتيتي إسرائيل وفارس..
. 13-فإسرائيل اساسها خرافات وإيران أداتها خزعبلات ومثقفونا يخربون أساسي الحضارة الإسلامية الجامعين بين الدين والدنيا: الاجتهاد والجهاد. لكن هذا النوع من المثقفين تخلوا عن الدين والدنيا مكتفين بقشور الأخيرة ومحاربة قشور الأول لأن لبهما لا ينال منها السخفاء.
14-والحاكم حتى لو فرضناه صالحا وحكيما وذا دهاء لا يعمل إلا بما لديه من إمكانات وأولها الرجال: وإلا لما قال الرسول اللهم أعز الإسلام بــأحد العمرين ولما كان للصحابة ما كان لهم من دور حتى إن دولة الإسلام لم يتحقق جل أسسها في الأعيان إلا بفضلهم بعد وفاة الرسول الأكرم.
15-لكن من نهضوا للجهاد منا أو تصورناهم كذلك كانوا إما لجهل بالاستراتيجيات اللطيفة والعنيفة أو لعدم وعي بحيل من يتلاعب بهم فإن مسعاهم يزيد الطين بلة وعلة. ذلك أنهم أفسدوا ترتيب المهام فقدموا ما ينبغي تأخيره وأخروا ما ينبغي تقديمه فصاروا عالة على الرسالة.
16-فالرسول وصحبه لما شرعوا في تحقيق حرب التحرير من التبعية لفارس (المناذرة) ولبيزنطة (الغساسنة) لم تكفه النبوة بل بينوا الحاجة إلى الرجال: وكان ذلك بخطة جعلت القبائل العربية التي كانت تتنافس في الاقتتال الداخلي تتنافس في تحقيق الرسالة ونشر قيمها بما لديها من فرسان ورجال.
17-ولما شرعت ألمانيا في بناء وحدتها وسر قوتها لم تكتف بجيش بروسيا بل كانت نخب الإمارات الألمانية وهي أكثر عدة من أقطار وطننا رجالا بحق أسهموا بالاجتهاد والجهاد في بناء أركان القوة العظمى التي نرى.
18-ففي الحالتين العربية ضد فارس وبيزنطة والألمانية ضد فرنسا والنمسا كان للثورة التربوية والثقافية والاقتصادية في الجداول (إمارات ألمانيا المتفتتة) مصدر قوة للنهر (وحدة ألمانيا العظمى).
19-والمشكل اليوم عند العرب هو أن جداول الأمةل نخبها المسيطرة على التربية الثقافة والاقتصاد أصبحت راضية بالدون وهي من جنس نخب المناذرة والغساسنة: بل إن بعضها يعتبر ثورة الإسلام ودولته نكوصا بالقياس إلى ما كانوا عليه لما كانوا عبيدا تماما كما نرى بعض النخب الآن تتوق لعودة الاستعمار تفضيلا للذل والهوان على الرجولة والعنفوان.
20-لذلك يحق للمسؤول الإيراني أن يعتبر امبراطوريتهم قد عادت وأن بغداد عاصمتها حاليا وأعينهم ذاهبة إلى مكة والمدينة لإخضاع الإسلام كله. ومليشيات إيران العربية هي التي أشرت إليها عندما قلت إنه ليس علي أن أزايد عليهم في حبهم لأوطانهم: كيف لا يعجب المرء عندما يرى العراقي والسوري واليمني واللبناني وهلم جرا جاعلا من وطنه ساحة معركة تحقق لإيران ما تلهي به أعداءها بذواتهم من أجل حماية مشروعها الاستعماري لبلادهم؟
21-إن تخفيف المسؤولية على الحكام ببيان دور النخب لا يعني أن المسألة دورية: فيمكن لحكام صالحين إذا كانوا شبابا ذوي طموح أن يغيروا الوجهة.
22-لكن الحاكم الصالح إن وجد يمكنه أن يحقق الفارق: ذلك أن النخب العميلة حتى وإن كانت متنفذة فهي أقلية .وهي لم تصبح متنفذه إلا بسبب فساد بعض الحكام وقلة درايتهم بمجريات الأمور من حولهم وأحيانا بسبب التنافس الداخلي بين المتربصين بالكراسي.
23-فالقدر-لأن الشعب اراد الحياة-للقيادة الشابة في البلد المستهدف في الغاية لافتكاك قيادة الإسلام منهم يستجيب لهم لتغيير مجرى التاريخ.
24-ويقتضي الأمر استعمال ما استعمل في التجربتين المشار إليهما: العربية الأولى عند نزول القرآن والألمانية الأولى عند الشروع في الوحدة الأولى (ونفس الأمر تكرر في تحقيق الوحدة الثانية بعد نهاية الحرب الباردة وتوحيد الألمانيتين): استعمال خمس عصبيات تتحدد بها لحمة الجماعة المؤمنة بذاتها.
25-أولاها عصبية الدم (دعم القبائل) والثانية عصبية الولاء (حماية الأقليات) والثالثة عصبية القوم (توحيد القبائل العربية) والرابعة عصبية العقيدة (توحيد المذاهب السنية)والأخيرة عصبية الإنسانية (المواطنة): وخمستها هي مراحل العصبية بمعناها الخلدوني كما بينا في غير موضع أعني ما يحرر من دلالتها البدائية التي هي عنده عصبية مفضية إلى الهرج وحائلة دون تكوين الدول المستقرة (في أن تعدد العصبيات إلخ…).
26-ذلك أن دعم القبيلة من دون المستويات الأربع الموالية مدعاة للهرج وحائل دون بناء الدول القوية والمستقرة. لكنه بالمستويات الموالية أي بالولاء والقوم والعقيدة والإنسانية يصبح أقوى من الصلب. وبذلك وحد الرسول الأكرم أمة الإسلام بدءا بنواتها أي العروبة: وحد الإسلام العرب فتغير التاريخ الإنساني.
27-كيف يكون ذلك؟ هنا لا بد من فهم التجربة المحمدية: فالتوحيد يكون بأدوات التوحيد المناسبة للعصر. وهي تعود كلها إلى التغلب على حيزي الوجود المكاني والزماني اللذين يمكن أن ييسرا الاتصال والتواصل أو يسهلاهما: وتلك مهمة الجغرافيا والتاريخ وما يتترتب على الأولى من قوة مادية وعلى الثاني من قوة روحية وعلى الجمع بين القوتين من مشروع طموح يغير التاريخ تاريخ الجماعة ومن حولها من الجماعات المنافسة على المكان والزمان في العالم.
28-فبالجغرافيا يمكن للسعودية- التي هي قارة- إذا وجد فيها شباب لهم طموح الجد المؤسس أن توحد أرضها فيشعر الجميع بأن الدولة في خدمة الجميع: فتتقوى القبيلة بوصفها خلية من الكل بمعنى المستويات الموالية من العصبية كما شرحنا.
29-وبالتاريخ ماضيه ومستقبله إذ يلتقيان في حاضره أحداثا وأحاديث يمكن توحيد القبائل بالتزاوج وخاصة بينهم وبين الأمراء فيتحد الدم وتزول الفوارق الطبقية فيتقوى النظام لأن الجميع يصبح له منه حصة: وتصبح كل القبائل العربية من طينة واحدة فيندمج الأمراء في الشعب ويصبح الشعب كله أميرا على أمره برضاه.
30-فإذا اتحدت الأرض بمستويات العصبية الخمسة نتجت القوة المادية أي الاقتصاد والدفاع. وإذا اتحد التاريخ بالدلالة الرمزية لوحدة المستويات الخمسة نتجت القوة الروحية أي الثقافة والمناعة لجماعة تكون أواصر القرب والنسب فيها أساسية مع الشعور بالانتماء وهو مفهوم الوطنية. فتحصل القوة القاهرة.
31-وعندئذ تكون السعودية وحدها-لأن انتظار اندماج الخليج يعني انتظار جودو- السعودية وحدها تكون كافية لرد إيران إلى حجمها الطبيعي: وما عجز دونه العراق في حرب الخليج الأولى لغياب ما وصفنا يصبح يسيرا بتوفره في الحرب القادمة بلا ريب لأن الاستعداد الشيعي لغزو بلد الحرمين معلن وليس خفيا إلا على النعام.
32-ولست بهذا مدعيا الملكية أكثر من الملك لأن الأمر يهم كل مسلم له بالحرمين صلة روحية: فلو قدر الله فتحقق ما تحلم به إيران فينبغي أن نقول على السنة السلام لأن مكة ستكون عاصمتهم. وهم لا يخفون ذلك إذ هو الشرط الوحيد الذي ينقص دعواهم تمثيل الإسلام حصرا فيهم.
33-مكة والمدينة لا يخصان السعوديين وحدهم بل هما عاصمة كل سني مؤمن. والتشيع أكثر عداء للإسلام حتى من اليهود والنصارى: فالرجل يتكلم على إمبراطورية فارس أي الانتقام من عمر. ولما كان كل سني يعد ناصبيا عندهم فمعنى ذلك أن المجازر الجارية في العراق والشام حاليا ستصبح عامة في كل أرض العرب.
34-والسعودية لا فكاك لها من هذا الدور. فمثلما اختار الله قريشا نواة البداية لتحقيق مشروع الرسالة الخاتمة فإن أهل الحرمين هم منطلق الاستئناف أو الانكفاء: الحرمان هما إذن وطن كل من يؤمن بالاستئناف ويرفض الانكفاء.
35-ينبغي أن تكون السعودية بروسيا العرب والله أمدها بكل ما تحتاجه لأداء هذا الدور فلها أكثر إمكانات مما كان لبروسيا التي كانت تمثل القومية والقوة المادية فحسب:أما السعودية فلها مع ذلك الحرمان قلب الإسلام وملتقى حيزي الفعل الإنسان مكانه وزمانه.
36-تابع:إسرائيل والغرب لا تيخيفهم إيران لا مباشرة ولا في منافستهما على الإقليم: هي دون كوريا الشمالية وأبعد عن روسيا أو الصين أو الهند.
37-لذلك فهم يستعملونها لمنع الخطر الذي لا يستهينون به وإن استهان به أهله: وحدة سنة المنطقة ذات الأغلبية الساحقة من العرب أي 350 مليونا.
38-وليس ذلك عندهم مجرد توهم:التجربة التاريخية وإلإمكانات الفعلية والموقع الاستراتيجي ووحدة اللغة ووحدة الأرض وخاصة شباب ساكنيها والطموح.
39-فإذا أضفت الخالد من القيام الروحي(الإسلام ومشاعره)والتالد من القيام الحضاري(ما أبدعه الجدود)وحافز الشباب بجنسية فهمت سياسة الغرب.
40-لا اقلل من جنون خارطة إيران لكن خارطتها نخادعة لشعبها حتى يتقبل هزيمة الاتفاقية حول الملف النووي: لكنها همزة لعلها توقظ بعض العرب.
41-والمثل التونسي يقول الحر من غمزة والعبد من همزة.فإذا لم يتحرك وعي مليشيات إيران العربية فهم إذن دون العبيد كرامة:لا رجولة ولا فحولة.
42-عجبا: كيف تقبل مليشيات إيران العربية في تعتبره مستعمراتها أن يحاربوا لكي يستعمرواوكيف يمول بعض العرب الآخر المحتل الذي يدعي حمايتهم؟
43-ماذا حل بالعرب حتى يصبحوا دمى تحركهم القوى التي تحتل أرضهم وتنتهك عرضهم وتشوه دينهم وتفسد حياتهم وتستغل ثرواتهم=كل ذلك بدمهم ومالهم؟