لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله شروط الاستئناف
وصلنا الآن إلى قمة الهرم: الوجود الذي تمثل رؤاه (دينية كانت أو فلسفية) مرجعية الجماعة وأصل الفروع أي السياسة والاقتصاد والعلوم والفنون.
أدعي أن العرب اليوم فقدوا كل مرجعية سوية. فما لديهم ليس مرجعية بل كاريكاتور صراع حضاري كحرب أهلية بين كاريكاتور تأصيلي وكاريكاتور تحديثي.
أعلم أن وصفي الجامع والمانع للأحوال قد يستفز الكثير من القراء. لكن من أراد أن يعالج الادواء حتى وإن لم يكن له الدواء عليه أن يصدق التشخيص.
تعريفي لما يؤدي دور المرجعية في صراعات النخب العربية الحالية أنا نفسي أضيق به. فإن صدقت نفسي قلت: لا داعش التأصيلية ولا داعش التحديثية تمثلني.
والداعشان التأصيلية والتحديثة تسيطران على المناخ الروحي في المحميات فجعلتا التدعشن محور إنقلاب مما ألصق به من الاولى يتبرأ بتبني الثانية.
وقد حدث ذلك:
فبعض الاحزاب الاخوانية تتبرأ الآن منهم بالتقرب من الثانية. السعودية التي سلمت بما تتهم به جعلت العتيبة قدوة فلسفية لتحديثها.
فلم يبق مصدرا لمرجعية العرب غير البغدادي (زعيم داعش التأصيلية) والعتيبة (زعيم داعش التحديثية):
وكل مسلم بحق وكل حديث بحق لا يجد نفسه لا وراء البغدادي ولا وراء العتيبة. لن يتبع كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث إلا السفهاء والعملاء.
وما لم نخرج من الحرب الأهلية التي هي صراع حضارات داخلي فنتحرر من سيطرة الدواعش على المجال السياسي والثقافي لن نستطيع علاج أدواء الامة.
وقبل الكلام في المرجعية أو رؤى الوجود قمة لهرم الصفات والوظائف علي أن أشير أن وضع الشيعة أسوأ من وضع السنة بخلاف ما يظن من تخدعه العنتريات.
فما تعاني من السنة في هذا الصراع ما يزال غير محسوم. والوهم الشيعي يظن أصحابه أنهم حسموه بدولة تجمع بين الكاريكاتورين في دستورها نفسه.
فالسلطة الدينية فيها تجمع بين داعشية البغدادي وداعشية العتيبة في جسم واحد: المرشد والحرس. الأول كنسية قروسطية والثاني مليشيا فاشية حديثة.
والحكومة مجرد سلطة تسيير الأعمال الشكلية الموجهة إلى الداخل (الخدمات) وإلى العالم (الدبلوماسية): ووحدة الداعشيتين مآلها كالكاثوليكية.
مآل إيران إلى علمانية فرنسية.
ولا أستبعد أن يكون مآل السعودية مثلها. والعلامات المتواترة حاضرة: شباب البلدين “طلعت روحه” من الدجل الديني
أما بقية السنة فالمآل فيها ما يزال غير بين الاتجاه. والسعودية لن تمثل الإسلام السني مستقبلا. سيمثله من جرب العلمانية وتجاوزها إلى الإسلام.
وبهذا المعنى فالمسلمون الصادقون اليوم هم من سيبدع مقومات المرجعية الإسلامية بغوص فلسفي حقيقي في مقومات رسالة الإسلام بمدلولاتها القرآنية.
وإذن فالإسلام ليس ماضيا درسه ومستقبله العلمانية بل الماضي هو العلمانية والمستقبل هو الإسلام المستعاد بعد تحريره مما شابه بسبب انحطاط أهله.
فنحن في لحظة تاريخية جليلة أشبه ما تكون بلحظة النشأة الأولى: لحظة الاستئناف بإبداع معاني الرسالة وكأن القرآن نزل اليوم ليحررنا من النكوص.
وكل حلمي هو أن أسهم ولو ببذرة في إعادة اكتشاف معاني الرسالة ودلالات الاستراتيجية القرآنية في توحيد البشرية حول قيم الاستخلاف القرآنية.
ولهذا حاولت أن أعيد النظر في جل علوم الملة لبيان أنها لا تستند إلى القرآن بوصفه المرجعية بحد ذاتها بل بقراءته في حالة الطوارئ بعد الفتنة.
فالحرب الأهلية التي ولت الفتنة الكبرى فرضت على الأمة حالة طوارئ وعطلت الدستور إلى الآن: فاعتمد الفكر الإسلامي على الاستثناء بدل القاعدة.
وتفرع ذلك بين التحريف المطلق قولا وفعلا وهو الحل الشيعي الذي أعاد السلطة الروحية الكنسية والحق الإلهي في الحكم: عصمة الإمام ووصية الحكم.
وهما حلان ينفيان ثورتي الإسلام أي الحرية الروحية (لا وساطة) والحرية السياسية (لا وصية). لكن السنة نفتهما بالفعل وحافظت عليهما بالقول.
أي إن الفقه السياسي السني يقول بالاختيار والبيعة الحرة وبعدم الوساطة لكنه في الفعل أضفى الشرعية على المتغلب وجعل رجال الدين وسطاء (الفتوى).
ومما ينبغي الإشارة اليه وهو ظاهرة شديد الغرابة وارجج انها ذاتية للحضارة كحضارة وليست بالإسلام: مرجعية الزهد السنية ومرجعية التصوف الشيعية.
وهما في البداية مثل الإسلام ظاهرة سلوكية وحادة لتطبيق ما يسميه ابن خلدون بمجاهدة التقوى ومجاهدة الاستقامة. ودعوى الكشف واللدنية تحريف شيعي.
وقد عين ابن خلدون لحظة هذا التحريف فنسبها إلى اختلاط التصوف بالباطنية في العراق ومحاكاته التنظيم الشيعي للدولة الخفية بمعنى اخوان الصفا.
فتكون الظاهرة مثلثة الأبعاد: الأصل هو الزهد ثم تفرعه إلى ما بقي سنيا وما اخترقه التصوف:
وتداخل الوجهان.
فتكون المرجعية ذات خمسة أفرع:
وهنا أيضا:
انفصل التصوف عن الخلق الديني تبعا للانفصال الشيعي المذهبي السياسي.
فتحدد الخلق الديني كزهد تبعا للأصل السني المذهبي السياسي.