لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله شروط الاستئناف
نبدأ الآن دراسة الأمراض التي ينبغي التحرر منها حتى يتم البناء الحضاري على أسس سليمة تمكن من الاستئناف الذي يكون على الأقل بحجم النشأة الأولى.
والأدواء نحددها بأمراض النخب الخمس التي هي نخبة الإرادة ونخبة العلم ونخبة القدرة ونخبة الحياة ونخبة الوجود. وهي موجودة في كل أمة كوظائف.
فكل إنسان له هذه الصفات الخمس لكن من غلبت فيهم واحدة منها على البقية ينتسب إلى مجموعة في الامة هي النخبة التي تعرف بتلك الصفة مميزة لها.
فنخبة الإرادة ذوو ميل إلى السياسة ونخبة العلم ذوو ميل إلى المعرفة ونخبة القدرة ذوو إلى الاقتصاد ونخبة الحياة ذوو ميل إلى الفن: فروع اربعة.
ومن تقاربت فيهم الميول الأربعة ذوو ميل إلى الرؤى الوجودية الشاملية للسياسي والعلمي والاقتصادي والفني. وهم قلة في كل مجتمع كالفلاسفة والانبياء.
ويمكن أن نعتبر الاربعة الأول فروعا تمثل قاعدة هرم النخب في أي مجتمع ورأس الهرم هو نخبة الرؤى التي لها إدراك يشملها جميعا برؤاها العامة.
لكن كل واحدة من هذه النخب لها شيء من البقية وخاصة من الرؤى الشاملة المرجعية سواء كانت فلسفية أو دينية ودور المرجعية واحد رغم تعدد مضامينها.
فدور كل واحدة منها أنها تخدم البقية أو تستخدمها لتحقيق وظيفتها السياسية أو المعرفية أو الاقتصادية أو الفنية أو الرؤيوية: صلتها بوحدة الجماعة.
ووحدة الجماعة ليست تصورا ذهنيا فحسب بل هي الأحياز الخارجية ووجودها في كل فرد أيا كان نسبه النخبوي هو الأحياز الداخلية أي حضور الخارجية فيه.
والأمراض تصيب علاقة الافراد ومجموعات النخب بالأحياز الخارجية أو بصورة أدق مدى حضورها في الأحياز الداخلية أو تناغم كيان الجماعة وكيانه.
والأمراض كلها نفسية أو روحية لأنها تتعلق بالمطابقة بين حقيقة الصفة التي يعتقد أنها حقيقته في تصوره وفي انجازه: ولنسم ذلك العزيمة والطموح.
ويمكن الرمز إليها بعلاقة القول بالفعل: فعادة ما يكون القول تعبيرا عن التصور والفعل عبارة عن الإنجاز. وهذا ليس من عندي فبه يعرف القرآن الشعر.
فمعيار الشعر في القرآن نقيض معياره في نقاده العاديين في الأدب العربي: الشعر قرآنيا ليس أعذبه اكذبه بل أصدقه ولي مطابقته لما يسمونه الواقع.
الصدق علاقة بين الخيال والمثال. الخيال تصور يقال والمثال فعل ينجز. فلأن المثال غاية الخيال يكون الشعر إبداع لب الوجود وليس نسخا لظاهره وقشره.
ومعيار النقد القرآني هو الذي استثنى الشعر الراقي بمطابقة القول للفعل بهذا المعنى وليس بمعنى المطابقة مع ظاهر الوجود الذي يسمونه واقعا.
فجاء الاستثناء تعريفا بالإيمان: وهو علاقة بين تصور متناه وحقيقة لامتناهية. والأول خيال والثاني مثال في منظور القرآن. معان جليلة يعسر فهمها.
وطبعا فالمطابقة مستحيلة إلا للمصطفين. وهذا ليس مجال بحثنا. وإذن فالقصد ليس المطابة التامة بل السعي إليها قدر المستطاع لتصدق صفة الموصوف.
ما معنى صدق الصفة؟
أن يكون صاحب الإرادة فعلا لا قولا والعلم فعلا لا قولا والقدرة فعلا لا قولا والحياة فعلا لا قولا والوجود فعلا لا قولا.
والآن فلنسأل: هل السياس العربي سياسي حقا؟
هل العالم العربي عالم حقا؟
هل الاقتصادي العربي اقتصادي حقا؟
هل الفنان العربي فنان حقا؟
بهذا أشخص.
والجواب عن هذه الأسئلة يمثل تشخيص امراض الأمة المتعينة في نخبها معبرة عن إرادتها وعلمها وقدرتها وحياتها ووجودها كما ينبغي أن يكون التعبير.
و”معبرة كما ينبغي التعبير” ليست تقييما غير موضوعي أو خاص بجماعة دون جماعة بل هو تقييم موضوعي ويصح على كل جماعة لتعلقه:
بالصفات
بالأحياز
فالإرادة لها حقيقة والعلم له حقيقة والقدرة لها حقيقة والحياة لها حقيقة والوجود له حقيقة والتعلق بالأحياز هو تعلق هذه الحقيقة بتمامها بها.
ولما كانت الصفات خمسا والاحياز خمسا وكان التعلق هو ما بين الأحياز الخارجية والأحياز الداخلية فحقيقة الصفات هي نسبة تحاضر نوعي الاحياز.
وقبل تقدير النسبية الدالة على حقيقة الصفات فلأبين علامة المصطفين فلأبين علامتهم: هم من لا يقول إلا ما يفعل ولا يفعل إلا ما يقول: صادق أمين.
المصطفى لا يكذب ولا يخادع ما يقوله يفعله. ولا يغدر أو يخون ما يفعله يقوله. وهذه صفات خاتم الرسل وهو يشهد بها لكل الرسل شهادة باصطفائهم.
ويعسر أن نطبق هذه المعايير على الناس العاديين: لذلك نكتفي بالمطابقة النسبية وخاصة بالسعي الجدي نحو المطابقة والأفعال بالنيات في الأخلاق.
لكن هذا المعيار “السعي الجدي لجعل الخيال هادفا للمثال” ليس خلقيا فحسب بل هو معرفي كذلك: أي إن حقيقة الصفات معلومة وبها يقاس السعي خلقيا.
سأقوم بتشخيص الأمراض بأن آخذ هذه النخب الخمس لأقيمها بالاعتماد على حقيقة الصفة وما يترتب عليها ومدى سعيهم لأن تكون افعالهم عاكسة لها.
وهو تشخيص عادل ومنصف لأني أجعل كل نخبة (وكل فرد منها) حسيب نفسه ورقيبها: سأقارن أقواله بأفعاله معتبرا الأولى صورته عن نفسه والثانية حقيقته.
وهوما يعني أني غني عن أقواله كلها بل سأكتفي بدعواه الانتساب إلى واحدة من هذه النخب فأقاضيه بحقيقتها في ذاتها مقارنة بإنجازه لما يعبر عنها.
بقي أن ندرس هذه النخب لتشخيص الداء ووصف الدواء ما أمكن ذلك وسنتبع الخطة التالية اعتمادا على ما سميناه هرم الصفات: بدأ بالقاعدة زوجين زوجين.
نعلل مزاوجة الارادة صفة السياسي بالقدرة صفة الاقتصادي ثم العلم صفة المعرفي بالحياة صفة الفني لنصل إلى قمة الهرم صفة الوجود بصفة الرؤى.
فنخصص الفصل الخامس للمزاوجة الاولى والفصل السادس للمزاوجة الثانية والفصل السابع لقمة الهرم.
فنخصص الفصل الخامس للمزاوجة الاولى والفصل السادس للمزاوجة الثانية والفصل السابع لقمة الهرم. ثم نختم البحث بفصل ثامن حول دور الكلمة والعملة.
والكلمة هي رمز التواصل بين البشر لتبادل القيم المعنوية جوهر الثقافة والعملة هي رمز التواصل بينهم لتبادل القيم المادية جوهر الاقتصاد.
وهما مدار السياسة والاقتصاد سلطتا الفاعلية المباشرة والمادية يليهما العلم والفن مدار الفاعلية غير المباشرة والرمزية وتحكمهما العلاقتان.
والعلاقتان هما العمودية بين البشر والطبيعة والأفقية بين البشر والبشر وهما ممتنعتان من دون فاعلية الكلمة رمز الثقافة والعملة رمز الاقتصاد.
الكتيب
وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها