لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهشروط الاستئناف
وصلنا الآن إلى الفصل الاخير من شروط الاستئناف ونخصصه للقدرة صفة مناظرة للاقتصاد الذي جعلناه هنا قمة الهرم بدل المرجعية في فصل سابق. فيصبح من الواجب أن نشرح هذا التغيير في بنية هرم صفات الأفراد والنخب ووظائفهم هنا بخلاف ما عرضناها عليه في فصل تحديد معير التقييم. ففي تحديد المعايير لتحديد شروط الاستئناف والبناء الحضاري السوي عرضنا هرم الصفات والوظائف بصورة تجعل المرجعية هي ذروة الهرم والبقية قاعدته. لكننا هنا جعلنا ذروة الهرم الاقتصاد. فما العلة يا ترى؟ العلة هي أن الامر الآن يتعلق بالهرم الذي هو هرم دين العجل مرجعية العولمة ومحميات سادتها. فشبائه الساسة وأصحاب الرؤى والعلماء والفنانين كلهم يعبدون العجل بمادته أو دور رمز الفعل (الاقتصاد) وخواره التابع لمعدنه فعل الرمز (الثقافة). والاستئناف الذي نطمح إليه هو تحرير البشرية من دين العجل. لذلك فكل ما يجري هو من مفاعيل الحرب على الإسلام بوصفه الأمل الوحيد لتحريرها منه. ليست عبادات الإسلام هي التي تزعجهم بل رسالته التي لا تقتصر عليها بل تشمل السياسة التي هي تربية وحكم يصلحان ما أفسدوه من معاني الإنسانية. فتفهم أن حكام العرب بصنفيهم القبلي والعسكري يحاربون هذا الدور أكثر حتى من حماتهم الذي يحاربونه منذ نشأته إلى حرب الكاريكاتورين الحالية. وهذا الوصف الذي يشبه المعادلات الرياضية لعرض اشكاليات الوضع العربي الراهن وشروط السيادة حماية ورعاية مشروطة بالفرضيات النظرية التي وضعناها. وما لم نؤمن بأن المسائل التي تتعلق بالأدواء تشخيصا وعلاجا لا تدرك بالصدفة فهي ليست تطرأ في الاذهان بمحرد الحدوس العفوية لن نستطيع التقدم. فنظرية الأحياز الخارجية لقيام الجماعة والداخلية لقيام الأفراد وتناظرهما ونظرية الصفات المقومة لكيان الفرد والنخب تحددان نسيجها وتفاعلاتها. وأخيرا فهرم الصفات وتناظره مع هرم الوظائف هي التي تجعل التشخيص يصبح شديد الدقة فنرى في الغاية العلاقات بين عناصر وضع الامة وطريقة العلاج. نحن الآن أمام قمة الهرم: نخبة القدرة في أي جماعة هي نخبة الاقتصاد. ومنها يأتي الخير كله أو الشر كله لأنها بدين العجل تتحكم في بقية النخب. وقوة الاقتصاد (رمزها العملة) وقوة الثقافة (رمزها الكلمة) هما وجها كل سلطة: على الإنسان فردا وجماعة بالذوق والعلم بمستوييهما غاية وأداة. فالإنسان تابع لحاجاته المادية والروحية إذا لم يكن وراء الطبيعة والتاريخ مجالي وجوده ما يتعالى عليهما فيعليه معه لئلا يكون مخلدا إلى الأرض. كل أدواء الإنسان فردا وجماعة وجنسا تعود إلى الأخلاد إلى الأرض لأنه هو مصدر اللامتناهي الزائف: فالذوق بمستوييه (الأكل والجنس ورمزاهما) لا يشبع. والعلم بمستوييه سد حاجتهما وحاجة رمزيهما) يهم تطبيقاته إشباع ما لا يشبع فيخرب العالم ويفسده (التلوث والأوزون): سلطان الاقتصاد على الإنسان. والمجتمعات التي صارت هذه رؤيتها الوجودية (العلج الذهبي) كلها مريضة بالاستهلاكوية المخربة للعالم. ونحن في خراب مضاعف: استهلاكوية دون إنتاج. كمن يعيش بزاد ناضب: “اجبد ما ترد الاجبال تنهد” مثل تونسي بمعنى أننا ليس لنا ما يعوض ما نفقده من زادنا الذي هو منتج ناضب هو ثروات الطبيعة. وهذه الحال التي يصبح فيها الاقتصاد ذروة الهرم ليست محلية فحسب بل هي عالمية بل هي جوهر العولمة التي هي عصر العجل الذهبي بمعدنه وخواره. السلطان العالمي بيد مافيات المعدن والخوار: 1. البنوك والبورصة والاقتصاد المشتق. 2. هي الإعلام والفنون للتخدير السياسي والثقافي: عصر المافية ومشكلتنا أننا خاضعون لمستويين من المافية: المافية التابعة وهي محلية في المحميات والمافية المتبوعة وهي دولية في الحاميات: الحرب على الإسلام. وبفضل سلطان معدن العجل (ورمزه العملة) وسلطان خواره (ورمزه الكلمة) يوظف أدنى ما في الإنسان لتأبيد السلطان: 1. استعباده ببدنه 2. استعباده بروحه وهنا يصبح الغذاء والجنس أهم أداتي العبودية. وغالبا ما يستعبد الفقراء بالغذاء والاغنياء بالجنس: أداتا التجنيد المخابرات والتبشير الإيديولوجي. ويصحب التجنيد المخابرات تخريب كل دولة تحاول التحرر وبالتبشير الإيديولوجي (والديني) يصحبه تخريب كل مرجعية تصمد ضد التحريف: سيطرة مادية وروحية. وبالمستويين المحلي والدولي نفهم ما يحدث في دولنا التي هي محميات لقوى دولية ولأذرعهما في الإقليم (إيران وإسرائيل): مافيات داخلية وخارجية. وكما بينا في كلامنا على الزوج الأول الإرادة السياسية والرؤية الوجودية سيطرة الاستبداد والفساد بنفس الآليات وارهاب المحميات الرسمي الداخلي. لكنه حاصل على تأييد الإرهاب الرسمي الدولي الذي يمارسه الحماة على الشعوب ويوظف له طراطير العرب أدوات تعذيب وتجويع ونفي لكل حقوق الإنسان. فتصبح النخبة السياسية ونخبة الرؤى و”العلماء” والفنانين كلهم في خدمة صاحب العجل: فيحال دون التخلص منه بما يؤدي إلى افساد معاني الإنسانية. ابن خلدون حصر افسادها في علتين هما وجها السياسة: عنف التربية وعنف الحكم. لكن العصر الحديث بين أن هذا العنف ليس مقصورا على العنف المباشر. ذلك أن الجماعات الحديثة صارت تابعة في كل شيء للدولة الحديثة رعاية وحماية. فيكون العنف بهذا السلطان المطلق: فالحماية والرعاية تنعكسان. لا حماية داخلية لعدم وجود قضاء وامن عادلين بل هما أدوات طراطير المحميات. ولا حماية خارجية دبلوماسيتها وجيشها أعداء الامة لا الجماعة منهم. ولا رعاية تكوينية لإهمال التربية النظامية والاجتماعية ولا رعاية تموينية لفساد الثقافة روحيا والاقتصاد ماديا مع انعدام شرطي الحماية والرعاية. فلا وجود لنظام استعلام واعلام للحماية الداخلية والخارجية ولا وجود لنظام بحث وإعلام علميين لسد حاجات التكوين والتموين: استبداد وفساد وجهل. النظامان موجودان لكن وظيفتهما في واقع الامر عكس حقيقة وظيفتهما في واجبه: لا حماية يعني عدوان الأقوى على الأضعف داخليا وخارجيا. وكذلك بالنسبة إلى الرعاية: إهمال التكوين التربوي والاجتماعي وإهمال التموين الثقافي والاقتصادي يجعل أحوال الأمة أشبه بما نراه في مصر خاصة. انهيار نظام التكوين تربية واجتماعا وانهيار نظما التموين ثقافة واقتصادا علته أن النخب الحاكمة ليس إلا مافية محلية في خدمة المافية الدولة. بقية العرب مثل مصر. وهم نوعان: من يقرب من حالة مصر فقرا لكن الديموغرافيا أقل خنقا للبلاد ومن يبدو غنيا وازمة في البترول ستلحقه بالبقية. وهكذا فقد تبين أن الهرم في الصفات (إرادة علم قدرة حياة ووجود) وفي الوظائف التي تناظرها (سياسة علم اقتصاد فن ورؤى) هو مفتاح التشخيص والعلاج. آمل أني قد عرضت بأوضح ما يمكن شروط الاستئناف واستراتيجية التحرر والبناء الحضاري لشباب الثورة الذي عليه أن يطلب شروط الحرية والكرامة قبلهما. فمن لا يغير الشروط لا يمكن أن يغير النتائج: تحرير جغرافية العرب وتاريخهم شرط في تحرير ثمرتهما أي التراث والثروة وخاصة المرجعية: الإسلام. وبذلك تصبح ثورة العرب في الاستئناف المطلوب والمنتظر مثل ثورتهم في النشأة الاولى: تحرر الإنسانية من العولمة: عبادة العباد بعبادة رب العباد.