لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله سياسة النعامة
أرفض بإطلاق ما جمل باسم المصالحة الإدارية لأن حقيقته هي استرضاء لصوص العهد السابق الذين أرجعوا نظامه رغم أني أول من دعا للمصالحة المجتمعية. في أول كلمة لي خلال افتتاح الحملة الانتخابية الحرة الأولى بعد الثورة في سيدي بوزيد دعوت للمصالحة بين فرعي حزب التحرير التونسي وحزب الدستور. فالحرب الأهلية بين أدعياء التحديث وأدعياء التأصيل لم يعد لها مبرر لأن كلتا الدعويين بينت حدودها وينبغي الخروج من الصدام الثقافي الداخلي. لكن ما يسعى إليه أصحاب المصالحة مع لصوص العهد البائد الذين مولوا عودتهم مصحوب كما هو بين بالحرب على المصالحة المجتمعية لمواصلة صدام الحضارات. فبقاؤهم مشروط بالتبعية الثقافية استكمالا لتبعية مموليهم الاقتصادية وتبعية نخبهم السياسية مزيني التحديث المستبد بحرب دائمة على ثقافة الشعب. ليس للسبسي والمافيات التي أعادت النظام السابق إلى الحكم من سند غير هذه المافيات وحزب فرنسا وأدعياء اليسارية والقومية خدم الاستبداد والفساد. فهؤلاء جميعا يرفضون المصالحة المجتمعية ويقبلون بالمصالحة المافيوية حتى وإن عبروا عن معاندة بمعارضتها القولية ورغم تورط النهضة في الثانية. قبلت النهضة مضطرة بترضية التجميل الإسمي للمصالحة المافياوية تجنبا لفخ اليسار والقوميين بمزايدة الحرب على الفساد وهم أكثر خدم أدواته ولاء. لكن حتى هذه الحجة لم تعد مقنعة: فحاجة النظام الذي عاد إلى التظاهر بالحفاظ على الديموقراطية كان كافيا لأن تناور النهضة فلا تركع للخوف دائما. لكني لا أريد أن أكون ملكا أكثر من الملك. هم أدرى بشؤونهم. ولولا الخوف من الوصول إلى سقوط “العرصة” الثانية لسياسة تونس سلميا لما تكلمت. في بلاد العالم كله تعتمد بنية الدول على قوى سياسية ذات خمسة “عرص”(=اساطين أو عمد): محافظ وليبرالي ويساري ويميني ووسط.. الخوف على المحافظ. ذلك أن الليبرالي (البورقيبية) واليساري ضد المحافظ (الجبهة) واليميني ضد الليبرالي (من هم على يمين الليبرالية) والوسط كله تحللت وتفتت بلا حد. وفي غياب القوى السياسية القوية لا يبقي للحكم إلا الاجهزة التي هي عادة أدوات الحكم. لكن في غياب القوى القادرة على الحكم تحكم الأدوات. كل ما يفعله السبسي وفتات حزبه وفتات بقية الاحزاب هو نصب الفخاخ التي ستؤدي بالنهضة – بالتنازلات المتوالية – إلى التفتت هي بدورها بفقدان هويتها. لذلك أكتب في المسألة. فالنهضة هي الآن الحزب الوحيد الذي ما يزال محافظا على سر وحدته أعني على ما يستمده من مرجعيته من قيم خدمة الامة والوطن. لكن التنازلات المتوالية لا يمكن أن تكون من استراتيجية خدمة الامة (كل الأمة وليس تونس وحدها) والوطن (تونس) بل اختراق جرثومي “قصة” للكرسي. “قصة” بالتونسي تعني اختزال الطريق للكرسي: وأعني أن المخترقين يبررون هذه التنازلات بالتوافق موهمين النهضة بخدمتها لأنها سبيلهم للكرسي. ولهم امثلة في الحكومة السابقة ولعل الأمثلة في هذه الحكومة أكثر. يتظاهرون بصداقة النهضة فيخترقونها للوصول إلى الكرسي ثم يطعنونها من خلف. لا أشك في أن قيادات النهضة وهم أكثر مني تجربة ليسواغافلون عن ذلك. لكن ما يحدث لا يبين ما يقتضيه الوعي به من إجراءات تستعد للضربات الآتية منهم. تجربة التربية في الحكومة السابقة من أكبر الادلة. وقد تتكرر في عدة مجالات وهي جزء من مناورات السبسي والتعطيل الدائم لاستكمال الانتقال. وعلى كل فأنا شبه متأكد من أن الانتخابات البلدية لن تحصل بل أكثر من ذلك فقد لا تحصل أي انتخابات قبل التحقق من ربحها بظاهر الديموقراطية. وآخر كلمة: عدم الاستفادة من حاجة الخصم مع التأكد من أنه يعمل لئلا يبقى محتاجا لك يفرض عليك ان تتوقف عن التأجيل وأن تضع النقاط على الحروف.
الكتيب