لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله سوء حال العرب
لا شك في أن الأنظمة العربية القبلية كانت أكثر حذرا وكنت أعتقد أن ذلك كان بسبب صمود اللحمة القبلية التي تحمي أعيان ذاتيتها المادية والروحية. وأقصد بأعيان القبيلة الماديين الموسرين منها وأعيانها الروحيين المثقفين منها شيوخ دين ونخب حديثة. لكن بت واثقا بأن لوثة الأنظمة العسكرية دبت. وليس في السياسة والحكم فحسب لان ذلك واحد في كل الانظمة الإسلامية منذ الانتقال من قوة الشرعية إلى شرعية القوة أي من بداية الفتنة الكبرى. والمشترك اليوم بين النظامين القبلي والعسكري في بلاد العرب هو سر وحدتهما في محاولة سحق كل قيادي محتمل من أعيان الجماعة الماديين والروحيين. وفضل الربيع العربي هو مضاعف: اتحدت الثورة المضادة أي نوعي الأنظمة، القبلي يمول والعسكري يضرب ثم أن أصبحا يضربان معا. فبدأت الشعوب تتحد. كنت أعلم بحدس واطلاع أن الشعوب بدأت الوحدة في مرحلة التصدي الأولى بمنطق كلام الرسول عن رفض المنكر في الجماعة: حصلت وحدة الرفض في القلوب. وكان ذلك خافتا في البلاد ذات الوفرة المادية من بلاد الخليج إلى أن أتى أحد جنود الله الخفيين: أزمة البترول التي أوقفت رشاوي المكرمات والترضيات. فمكنت من المرحلة الوسيطة بين غضب القلوب وتحرك الألسن. فكان رد الفعل الغبي من الأنظمة القبلية اللحاق بالأنظمة العسكرية فضربوا حرزي القبلية. وهذا ما يجري اليوم في الخليج: لم يعد الفرد محميا بالقبيلة كما كان سابقا في أنظمة أساسها قبلي فيه شيء من حرمة الفرد وخاصة أعيان الثروة والعلم. قذافي الخليج هو الذي بلغ الذروة ليصبح ملك السعودية بمساندة من عملاء إسرائيل فيه. لكن ذلك هو بداية الانتقال إلى موجة الغضب اللساني الحالي. وفي هذه المرحلة الثالثة بحسبان الغضب القلبي والوسيط بينها وبين اللساني تكتشف الشعوب قيادات المستقبل لأن النظام الذي يضربهم هو الذي يعينهم. اليوم قذافي السعودية هو الذي يعين قياداتها على الأقل الروحيين لأني لست على علم بقيادات اقتصادية تضرب حاليا لكني واثق من أن ذلك موجود أيضا. وهذان النوعان من القيادات الذين يضربهم الأنظمة القبلية بعد أن أصبحت مثل العسكرية تحصد الرؤوس حتى تبقى بلا بديل هم قيادات المستقبل حتما. وذلك سواء سلميا دون حرب أهلية أو حربا إذا وصل ما يحدث إلى الدرجة التي وصل إليها في الأنظمة العسكرية العربية: فهي جميعا آلت إلى حرب أهلية. وإذا واصلت الأنظمة القبلية العربية هذا السلوك فهي ستمر حتما بالعسكرة أي إن الانقلابات ستكون عسكرية فمن يملك القوة والتنظيم سيستغل الوضع. وهذا هو الوسيط الثاني الناقل من اللسان إلى اليد في المراحل الثلاثة التي يتكلم عليها الرسول في نظام عكسي فكلامه على شعوب حرة قبل الانحطاط. أما الشعوب التي استعبدت قرونا ففسدت فيها معاني الإنسانية فإنها تمر بنفس المراحل وفي اتجاه مقابل مع وسيطين: القلب واللسان واليد مع الوسيطين. فبين القلب واللسان لا بد من عموم الغضب وتزايد اللسان وهذه مرحلة وسيطة قد تطول. وبين اللسان واليد لا بد من عموم اللسان وتزايد اليد: الثورة. فيأتي الانقلاب العسكري الذي يحول دون الثورة الشعبية. وهذا ما أتوقعه للخليج. وهو تجانس الحافر على الحافر بين النظامين العسكري والقبلي. لكن الثورة آتية لا ريب فيها لأنها بدأت في الأنظمة العسكرية العربية وقد لا تنتظر الانظمة القبلية عقودا مثلها فشعوبها أقدر ماديا وحتى ثقافيا. ثم إن صمود نظامها القبلي قد يحمي قياداتها بحد معقول بخلاف ما في الانظمة العسكرية حيث كان النظام القبلي قد تحلل فصار الفرد عديم الحماية. ولعله من مكر الله الخير أن يصبح أعداء الشعوب هم الذين يعينون أفضل قياداتها المادية والروحية بما يقومون به من محاولة حصد الرؤوس للبقاء. صحيح أن المرء يألم لما يعلم أن أفاضل النخب الدينية والثقافية عامة والاقتصادية والاجتماعية عامة هم من يتعرضون اليوم للاضطهاد في السعودية. لكن ذلك على ألمه وهوله هو الفجر الجديد لتجاوز الاستبداد والفساد الذي باع البلاد واستعبد العباد فأصحبت خدمة الحرمين خدمة “الحراميين”. سخفاء الليبراليين والعلمانيين فرحون بما يجري ويعتبرون كلامي تدخلا فيما لا يعنيني. فرحهم دليل غباء وحكمهم علي أغبى: لا أومن بالقطرية. وطني الأول هو دار الإسلام. وطني الثاني هو أي قطر عربي أو مسلم يضطهد فيه إنسان وخاصة الفضلاء من الجنسين وأخيرا فأنا تونسي بحياتي الدنيوية. أما خونة الأوطان المحتجون بالقطرية فهم أول من يبيعها بسبب كليشيهات الحداثة التي هم أبعد الناس عنها الحداثي السوي يدافع عن الحرية والكرامة. أما هم، فهم حلفاء الاستبداد والفساد فيما يسمونه دولا وطنية وهي ليست دولا بل محميات وليست وطنية لأن أنظمتها مستبدة وفاسدة تحتمي بالأعداء. والثابت أن حكام العرب سادتهم حكام الذراعين (إيران وإسرائيل) لأنهم يحمون استبدادهم وفسادهم من شعوبهم وتدرجها من القلب إلى اللسان إلى اليد. والثابت أن الشعوب في هذا التدرج لم تعد تصدق كذبة العداء بين الذراعين فلا إيران تقود المقاومة ولا إسرائيل تقود التحديث بل كلاهما يغزو العرب. وغزوهم للعرب له دافعان: – ذاتي للذراعين – وخدمة للسندين الدوليين روسيا وأمريكا. أما أوروبا فهي لا تبعد كثيرا عن وضع العرب رغم ثرائها وتراثها. فثورة الشعوب العربية اليوم ضد الأنظمة العسكرية القبلية وضد الذراعين وضد السندين هي بداية تحرير الإقليمين رغم عنصرية الأوروبيين وعنجهيتهم. وما يجري اليوم في علاقة الإقليمين تمثله أحسن تمثيل علاقة أوروبا بتركيا: إنها عنصرية وعنجهية دالة على تبعية أوروبية سيثور عليها الشباب. ثورتنا كونية لأنها ثورة الإقليمين المحيطين بالأبيض المتوسط ممثلي وحدة الشرق والغرب بالثقافة الدينية والفلسفية الواحدة رغم صراعهما الطويل. إيران وإسرائيل هما أداتا روسيا وأمريكا للسيطرة على ما لو تمت السيطرة عليه لأصبحت أوروبا مطلقة التبعية في الرعاية بعد تبعيتها في الحماية. ذلك أن الإقليم الشرقي هو مصدر طاقتها وممر انتشارها في العالم. فإذا تمت السيطرة عليه من روسيا وذراعها وامريكا وذراعها انتهى استقلالها النسبي. ولتعلم أوروبا أن وحدتها الجنينية ستتفكك لتصبح مستعمرات يتقاسمها الذراعان والسندان تماما كما يتوزع الإقليم الشرقي حول المتوسط حاليا. وختاما فألمانيا وممثلو الوحدة الاوروبية قد وقعوا في خطأ خطره عليهم أكثر منه علينا عندما أيدوا السيسي والانقلابات على ثروة الشعوب العربية. موقف ألمانيا من تركيا ليس ذاتيا بل هو نيابة عن إسرائيل وإيران. الأولى بابتزاز المحرقة والثانية بدعوى وحدة العنصر. المستهدف نهضة سنة الإقليم. ليس الاتراك بغافلين. ولهذه العلة فهم يعملون بدهاء معاوية ابن سفيان. ما يؤلمني هو غباء أغلب القيادات العربية. آمل أن يتدارك الكويت وقطر الأمر.
الكتيب