-كيف فقدوا قوتهم اللطيفة- -وكيف يستردونها-
الجزء الثاني
لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
تمهيد :
فلنسأل مواصلة للكلام على علل “فقدان سنة العرب لسلاحيهم اللطيف والعنيف” الوارد في القسم الأول: عن دور السلاح اللطيف في شرعية حكم النظامين واقتصار السلاح العنيف على فرض شرعية بديلة.
ذكرنا أن سنة العرب يحكمهم نوعان من الأنظمة السياسية : قومي عسكري وإسلامي قبلي.
لكن القومية والإسلامية ليستا إلا مجرد غطاء للعسكرية والقبلية.
لذلك فالعسكرية والقبلية هما السر في فقدان سنة العرب لسلاحيهما اللطيف والعنيف ضمانة لحرية كل أمة ولسيادتها:
فمن اللطيف تستمد حصانتها الروحية
ومن العنيف مناعتها المادية.
والسؤال :
هل غطاء التأصيل القومي واللحمة العكسرية وغطاء التأصيل الديني واللحمة القبلية يمكن أن يعوضا السلاح اللطيف وكيف يفسد السلاح العنيف؟
ابن خلدون واللحمتان
من يجيب بالإيجاب يثبت أنه لم يقرأ التاريخ ولم يفهم ابن خلدون:
فاللحمة العسكرية مهما بدا فيها من انضباط مبنية على التآمر الدائم في قلبها (منطق انقلاب المتآمر الأقوى).
واللحمة القبلية لأنها عصائب متصارعة لا تمثل إلا حربا دائمة تنخر كيان الأمة من الداخل بسبب كونها مبنية على الآصرة الدموية وخاضعة لقانون التاريخ الطبيعي (منطق صراع العصائب).
كلتا اللحمتين العكسرية والقبلية خاضعة لقانون التاريخ الطبيعي أي لقانون الانتخاب الطبيعي الذي يعتمد على صراع بايولوجي أساسه الاقتتال الصامت أو الدامي.
والقرآن الكريم عندما يتكلم على الشعوب والقبائل وصلها بالتعارف الذي يحررها من التناكر.
والرسول لما جعل جيش الأمة كل شباب الأمة حررها من الدولة في الدولة.
ولهذا نبه ابن خلدون إلى أمرين:
الأول أن الأمم كثيرة العصائب قلما تستقر فيها الدول
والثاني أن الشعوب التي تعتمد على حامية ولا تحمي نفسها بنفسها تنتهي إلى العبودية.
ولا يعني ذلك أن الاختصاص ليس ضروريا لكنه من جنس الاختصاص في المعرفة :
المعلمون مختصون لكن الجميع يتعلم ويحصل على الكفاءة المعرفية.
ومثلها الكفاءة الدفاعية.
علاقة نوعي الأنظمة بالدين والقومية
الأنظمة القبلية عسكرية متنكرة.
والأنظمة العسكرية قبلية متنكرة.
هما من نفس الطبيعة.
والفرق الوحيد هو أن ما تبدأ به الأولى تنتهي إليه الثانية.
أعني أن القبلية تتعسكر والعسكرية تصبح بالتدريج قبلية على أساس غير الدم (وإن كان فيها شيء منه) وهي العصبية الثانية بلغة ابن خلدون: أي عصبية الولاء لمصلحة الحامية التي استبدت بالحكم.
لكن القبلية لأنها بدأت بروابط الدم -النسب- لا بد لها من غطاء.
وذلك هو دور الدين الذي يقتصر عندها على العبادات ومن ثم لا بد ان يكون ما عداها جاهليا بتجريد الدين مما سوى العبادات من حقوق سياسية واجتماعية.
والعسكرية لأنها بدأت بروابط النظام -الانضباط- لابد لها من غطاء.
وذلك هو دور القومية التي تقتصر على الشعارات والأقوال دون الأفعال ومن ثم فلا بد من تجريدها مما سواها.
غطاء الدين يقتصر على التعبد وغطاء القومية يقتصرعلى الشعار
ويحتاج الأول إلى قوة القبيلة
والثاني إلى قوة الطائفة للهيمنة على الدولة وقوتها.
علاقة نوعي الأنظمة بدور الدين السياسي
وبذلك فقد شخصنا الداء الذي ينخر الكيان في بلاد السنة العربية من المحيط إلى الخليج.
وتلك هي علة رفض النظامين لما يسمونه بالإسلام السياسي.
كلا النظامين لا يريد من الدين إلا ما وصفه ماركس أي التوظيف التنويمي وليس التحرير الذي هو وظيفته الحقيقية كما يتبين لكل من قرأ القرآن.
فالإسلام غني عن الوصف “سياسي” لأنه بمجرده يتضمن الأبعاد الخمسة لكل كيان إنساني فردا كان أو جماعة:
الإرادة والعقل والقدرة والحياة والوجود.
والإرادة هي أخلاق للفرد وهي سياسة للجماعة.
والعقل معرفة نظرية وحكمة عملية.
والقدرة إقتصاد وعلم يمده باٍلأدوات والمناهج.
والحياة فن وإبداع يضفي المعنى.
والوجود رؤية للعالم ولمنزلة الإنسان فيه.
ومن ثم فالإسلام ليس للتنويم بل للتحرير ولايمكن أن يقبل بالقبلية والقومية والعسكرية والقشورية غطاء بل هو بالجوهر تحقيق استعمار الإنسان في الارض بوصفه خليفة حر وكريم.
حل ابن خلدون الثوري
ما الحل الذي يقترحه ابن خلدون؟
لا بد من الوصول إلى مرحلة العصبية الخامسة:
بعد عصبية الدم وعصبية الولاء وعصبية القوم وعصبية الأمة
لا بد من عصبية الإنسانية (النساء 1).
ما زلنا في المرحلتين الأوليين: عصبية القبيلة (الدم) وعصبية العكسر (الموالي).
ولم نصل إلى مرحلة القوم (العرب) فضلا عن الأمة (المسلمون) والإنسانية (الإسلام).
وعصبية القوم بمعناها العروبي تتوسط بين الأوليين والأخيرتين لعلة بينة:
فالعرب ليسوا قوما بالمعنى العرقي بل هم منذ النشأة الأولى قوم بمعنى أسمى.
فالعرب بالمعنى العرقي عرب بائدة.
والعرب الذين من الله عليهم بالرسالة هم من اجتمع حول جدهم اسماعيل وأمه هاجر:
هم المهاجرون إلى بيت الله من البداية.
وبيت الله والهجرة مفهومان رمزيان بهما استأنف العرب دورهم التاريخي لما نزل القرآن الكريم:
من بيت الله التي وثنها التخلف ليعودوا إليها فاتحين فيحررونها من الوثنية.
والمرحلة الأولى (عصبية الدم وعصبية الولاء) والثانية متلازمتان الأولى تتطور فتصبح الثانية (القبيلة تتعسكر) والثانية تنكص فتصبح الأولى (العسكر يتطوف) وذلك وضعنا حاليا.
والمرحلتان الأخيرتان (الأمة والإنسانية) هما درجتا الإسلام كما بينت الآية الأولى من سورة النساء:
نفس واحدة (الرحم الكلي) وتعددت الأرحام الجزئية (ما نساءل به بعد الله).
الدلالة الكونية للرسالة الإسلامية
فالأمة هي بداية التحرر من الرحم الجزئي والسمو إلى الرحم الكلي لأنها تحررمن القبلية والعسكرية والقومية العرقية والأممية العقدية إلى كونية الإنسان عين مخاطب القرآن.
تلك هي الغاية في تحقيق اللحمة الكونية وهي التي ينبغي أن تكون مضمون مرحلة الاستئناف الإسلامي الحالي حتى تتجاوز سنة العرب مآزقها فتكون أهلا لحمل رسالة الإسلام الكونية.
وتلك هي شروط استرداد القوة اللطيفة ودور الرمز في إعادة بناء قاطرة الأمة: فسنة العرب لا معنى لها إذا لم تكن قاطرة الأمة لأداء دورها الكوني.
ورغم تقاعس الأنظمة بصنفيها فإن الشباب المقاوم بجنسيه مدرك جلي الإدراك لهذا الشرط حتى وإن لم يكن بوعي شفاف:
كل قيادات المقاومة حاليا عربية.
وكل الشباب المسلم الذي يتطوع في المقاومة يراها كذلك من الشيشان إلى مندناو إلى البلقان إلى كل أصقاع دار الإسلام.
وهي ظاهرة غير مفهومة لكنها ذات دلالة بحق.
فهي ليست بنت الصدف بل هي من الآيات التي ينبغي تدبرها حتى نعلم أن الفهم الأوفى لجوهر الرسالة هو هذه العلاقة بين الأمة الإسلامية والكونية الإنسانية.
فالعروبة التي اختارالله لسانها لسانا لخطابة الكوني ليست قومية عرقية بل هي قومية يعرفها التاريخ بأنها تتألف ممن اجتمع مهاجرين إلى بيت الله والرمز الديني هو الهجرة والرمز التاريخي هو زمزم (وجعلنا من الماء كل شيء حي).
وذلك هو معنى اللقاء بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ ممثلا لجوهر الرسالة القرآنية جمعا بين الأخروي والدنيوي.
فرمز البيت والحج هما المحددان للعروبة:
البيت هو القيم الخلقية والسياسية التي ينتظم بها الكيان البشري فردا وجماعة
والحج هو هذه النقلة من الاقتصار على الدنيوي إلى اضفاء المعنى عليه بدلالات الأخروي.
ومعنى ذلك أن الرسالة الإسلامية هي تحقيق هذين الهدفين:
كيف يصبح استعمار الإنسان (الدنيوي) في الارض استخلافا (قيم الأخروي) أي حرية وكرامة
وكيف يحقق الإنسان ذلك فعلا.
لو أجبنا بالسلب لقلنا:
كيف نتحرر من القبلية ومن العسكرية ومن الدين والقومية الموظفين غطاء لهما في حين أن جوهرهما في الإسلام هو كشفهما والتحرر منهما.
القصد بفقدان السلاحين
ذلك ما أضيفه اليوم لكلامي على فقدان الأمة لسلاحيها في مبحث الأمس وكيفية استردادهما حتى يكون الشباب بجنسيه مدركا لطبيعة الرسالة في الاستئناف وشروط تحقيقها.
ففقد السلاح العنيف يتبع فقدان السلاح اللطيف.
فالسلاح العنيف يتحول من حماية الجماعة من العدوان الخارجي إلى حماية الأنظمة من رفض الجماعة لاستبدادها وفسادها واحتمائها بالخارج.
فبدلا من احتماء الأنظمة بالجماعة تحمي الاستبداد والفساد بدل خدمة العباد تحميهما بالاستضعاف والاستتباع:
البلاد العربية كلها محميات للعدو الذي يحمي الأنظمة ضد الشعب الذي يطلب حقوقه.
وعندئذ فلا غرابة أن يصبح العرب في وضع بيوت العنكبوت وهاء: اي قرد يمكن أن يتحكم في مصائرهم بمساندة الاستعمار الحامي للأنظمة بشروطه عليهم.
وهو اليوم قد ولى أمرهم لإيران وإسرائيل وينوي جعلهما شرطييه في الإقليم (إسرائيل الشرطي وإيران مساعده).
ولولا فزة الشباب بجنسية وبعض رجولة في نظام أو نظامين عربيين لتم له ذلك.
وما أكتب ما أكتب إلا لأني أرى هذا الوضع يتأرجح بين القبول به ورفضه مع نوسان الغلبة لهذا أو لذاك.
والحمد لله أن الثورة حسمت الأمر: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر.
والشعب قد اراد الحياة.
والقدر بصدد الاستجابة.
هزم الشباب إيران ومليشياتها وهو قاب قوسين أو أدنى من هزيمة بقية السوفيات.
والعزة لله ولجنده.
وأخيرا فإن تعريتي للمذابح -كما يقول المثل التونسي- فيها خطر كبير على ذاتي المتواضعة.
لكني لا أخشى إلا الله ولا أحتاج لأحد عداه.
والله المستعان.
فمن يطلب الحقيقة قلما يبقي صديقا في مناخ روحي يمثله وضع الاستبداد والفساد المستند إلى الاستضعاف والاستتباع.
فالشرط التخلي عن الحساب السياسي.
بعبارة وجيزة:
ينبغي ان يلزم المرء بيته وأن ييأس من كل وجهة عربية حالية لأنها جميعا غارقة في منطق الاستبداد والفساد المتكئ على الاستضعاف والاستتباع ولا تقبل إلا بالطبالة وترفض الرجالة.
ولما كان هذا دأبي منذ وعيت بنفسي فإني لم أنتسب إلى اي شلة من النخب العربية وبقيت خارج التصنيف.
فالإسلامي يعتبرني علمانيا
والعلماني يعتبرني إسلاميا.
صحيح ان هذه الوضعية ليست مريحة دنيويا.
لكنها عين النعيم روحيا:
فلولاها ما تفرغت لما اعتبر نفسي قد حققت منه النصيب الذي اعتز به واصله دؤوبا.
-كيف فقدوا قوتهم اللطيفة- -وكيف يستردونها-
الجزء الثاني
يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/