-كيف فقدوا قوتهم اللطيفة- -وكيف يستردونها-
الجزء الأول
لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
مقدمة :
مسألة محيرة:
لماذا لا يؤخذ العرب اليوم بعين الاعتبار في كل ما يتعلق بشؤونهم الخاصة بهم فيكونوا منفعلين لا فاعلين رغم ما لديهم موضوعيا؟
كيف نفهم أن يكون غيرهم مهما كان دونهم إمكانات أكثر فاعلية في مجريات الإقليم وهم على كثرتهم وكثرة ما أمدهم به الله من إمكانات يبقون متفرجين؟
هل لهذه الظاهرة أصول قديمة قدم اقتصار دورهم على البنية السطحية للدولة الإسلامية منذ نشأتها والاعتماد عمن سواهم بوصفهم خدما وهم سادة رمزيا؟
هل كون الإسلام خصهم بأن جعل لغتهم وشعبهم أساسي الرسالة على الأقل في البداية هو ما جعلهم يقصرون في القيام بوظائف الدولة التي كانت دولتهم؟
وأخيرا هل انتقال الخلافة إلى مركزي الحضارتين اللتين جاء الإسلام لمنافستهما في نموذج الوجود البشري في المعمورة وعلاقته بما ورائه دور مهم ؟
كيف ضاعت الشرعية الرمزية
لن أتعجل فأقيس الظاهرة على ما يجري حاليا في الخليج خاصة.
فما نوّم حكام العرب في البداية كان الاكتفاء بالشرعية الرمزية. وما ينيمهم حاليا هو الاكتفاء بالشرعية المادية.
خروج الدولة الإسلامية من سلطان العرب إلى سلطان غيرهم ممن اعتبروهم خدما علته نوم نخبة العرب على الشرعية الرمزية التي يستمدونها من الإسلام.
لكن الدول لا يكفي فيها الشرعية الرمزية. فهي بالتدرج تتآكل إذا خلًت من دعائمها أي أهلية تمثيل إرادة الإمة وعقلها وقدرتها وحياتها ووجودها بجدارة.
فلو أرخنا للتعبير عن إرادة الأمة لوجدناه قد أهمل اهمالا شنيعا اي إن تكوين النخبة الحاكمة -باستثناء القرن الأول- لم يعد من مطالب الحكام بحق.
اكتفوا بظاهر السلطة وتركوا حقيقتها لمن تصوروهم خدما من الموالي فإذا بهؤلاء يستولون بالتدريج على السلطان الفعلي وتركوا للعرب الرسوم الشكلية.
ولعل مثالا واحدا يغني عن الإطالة:
فما يسمى بنكبة البرامكة من مهازل تاريخنا الحضاري.
ذلك أن النكبة كانت معكوسة.
فمباشرة بعد الرشيد اغتيل الأمين ونصب المأمون.
ثم حيكت أكاذيب حوله وخاصة هالة اعتباره أب سياسة حركة الترجمة التي تقدمت عليه بأكثر من ثلاثة أرباع القرن بداية من العقد الأخير من القرن الأول (مع تعريب الإدارة والعملة).
ثم بولغ في هذه الأكاذيب فجعلوه قائد العقلانية الاعتزالية التي هي في الحقيقة أكثر العقلانيات تخلفا بل هي مجرد جهاز للقضاء على مقومات أي دين فضلا عن الإسلام.
فالتعطيل ودعوى علم الغيب اللازم لمحاولة تأسيس الدين بالكلام كان بداية الباطنية التي يكون فيها مفهوم الإله متطابقا مع مفهوم العدم.
وقد حاول بتأثير من أخواله وأمه (الفرس) أن يجعل الخلافة ساسانية بأن يؤمم الدين وهو معنى محنة سطو الدولة على الدين المحنة التي لم يوقفها إلا شجاعة بعض الرجال وخاصة ابن حنبل.
وتلك بداية القطيعة النهائية لدور الرمز في حماية منزلة العرب.
فمباشرة افتكت منهم قيادة الجيوش بمجرد أن اصبح الابن الثالث لهارون الرشيد ممثلا لحامية تركية.
فالمعتصم -تركي الأم- أصبح خليفة قويا بحق لكن العامل المؤثر لم يعد الرمز والعروبة بل القوة العسكرية التي تشعر أن الخليفة منها لا من العرب.
ومنذئذ صار الخليفة تعينه الحامية بل هو مجرد رمز بلا سلطان.
وقد يكون من المفيد أن يتم الفصل بين العربي والإسلامي فيتضح مفهوم الأمة الأشمل.
لكن ذلك لم يكن ثمرة سياسة واعية ولم يعوضه دور للعرب في الوظائف الأربع الباقية أي في العقل والقدرة والحياة والوجود.
زال دور الإرادة دون بديل.
لم يبق للعرب إلا ما كان لهم في الجاهلية: الأدب العفوي.
وجل من برز منهم في المجالات الأخرى من خارج الجزيرة العربية.
بداية نكوص إلى البداوة.
فشل استرداد الشرعية الرمزية في النهضة
وكنا نتصور أن محاولة النهوض في القرنين الماضيين قد بدأت تتدارك هذا الخلل على الأقل في ما بقي معربا من حواضر دار الإسلام وشعوبها ويطابق المشرق والمغرب.
لكن ما حدث لم يصل إلى مرحلة تجعل العالم يقيم وزنا للعرب في الإقليم.
وهو ما سأحاول فهمه واصلا إياه بمضمون الحرب الأهلية الباردة بين الأنظمة والشعب في الإقليم.
وقبل ذلك سأقول كلاما أرجو ألا يغضب الأخوة في الخليج لأن القصد ليس الشعوب بل أنظمة الحكم التي تحول دون بناء الدولة بالمعنى الأصيل والحديث.
فشباب الخليج بجنسيه لا تنقصه الكفاءة لتحقيق التعبير عن الإرادة (السياسة) والعقل (العلم) والقدرة (الاقتصاد) والحياة (الثقافة) والوجود (الفكر عامة).
لكني عندما أسمع أن فيه نصف مليون لبناني وملايين العمال في كل مجال أتساءل:
إذن ماذا يفعل ابناء البلد؟
هل كلهم يحكمون ويتسوحون ويتمتعون؟
لا افهم كيف يمكن الجمع بين هذا وبين الكلام على بطالة ساحقة لشباب الخليج بجنسيه؟
فنحن في تونس مثلا لا توجد حاجة لأي فني أجنبي في أي مجال.
لست ضد استيراد العمالة لكني لا أعتقد أن وظيفة الإرادة والعقل والقدرة والحياة والوجود يمكن أن تكون آمنة إذا لم تكن بيد الخلص من أبناء البلد.
فالدولة هي صورة الجماعة -والجماعة هي مادة الدولة- فإذا كانت الصورة مستوردة لم يبق للجماعة ما يعبر عنها من ذاتها إلا الرسوم التافهة والخاوية.
سباتا السنة العربية
ولأختم هذا الاستطراد بالمقابلة بين النومين:
في البدء نام سنة العرب على الرمز حتى افتك منهم.
وفي الغاية ناموا على المادة حتى بدأت تفتك منهم : ثروات الأرض.
فيوم ينتهي بيع المواد الأولية سيزول عامل النوم الثاني.
ولا تصدقوا الكلام على اقتصاد الخدمات في بعض جزر العرب.
فهي تابعة لما يباع.
ستزول بزواله : لن يتسوح أو يتاجر أحد في الصحارى ما لم يكن مضطرا إلى ذلك.
فالمشكل عويص وهو التالي:
كيف يسترد العرب فاعلية الرمز الذي تخلت عنه النخب العربية لإيران وحتى تركيا -الإسلام المناضل باسم قيمه- وفاعلية القوة.
كيف يضيع العرب قوتهم اللطيفة
أصل تعليقي على تخريف هيكل هو الكلام على ما يسميه القوة الناعمة: كان يحارب قوة العرب الناعمة ويمدح قوة إيران الناعمة: تخلي العرب عن الإسلام.
فما يسمى الثورة الإيرانية ليس شيئا آخر غير افتكاك قوة العرب الناعمة.
حصروا الإسلام في العبادات مكتفين بالتحديث السطحي بديلا من قيم الإسلام
بل أكثر من ذلك جعلوا الإسلام ممثلا للرجعية وللتبعية التي قتلت التعبير عن الإرادة والعقل والقدرة والحياة والوجود وأصبح العرب توابع ومحميات.
ما يجري ليست علته إيران وإسرائيل وأعداء العرب عامة بل هو تفريط العرب في كل مقومات القوة العنيفة واللطيفة والغرق في الحياة البهيمية الكسلى.
أقول ذلك وأعلم أنه قد يخلق لي من العداوات ما لا حد له.
لا يهم فالنصال تكسرت على النصال
المهم وصف ما أرى بأمانة وموضوعية:
علاجنا الأخير الكي.
نحن أمة نزعت سلاحيها: اللطيف أو القوة الناعمة والعنيف أو القوة الخشنة.
فصار يتجرأ على أرضنا وعرضنا أي ذراع من أذرع الاستعمار في الإقليم.
ولولا بعض الشباب تجردوا للمقاومة لما بقي ما يمكن العربي من رفع راسه.
والشباب هم الذين هزموا إيران وإسرائيل ومليشياتهما في الشام وفلسطين.
وقد حييت بداية الوعي في السعودية بفضل الملك الصالح والتشبيب.
لكن الربيع لا يكفي لحلوله خطاف واحد. فالشادون إلى الخلف أغلبية والطريق طويلة.
ولولا عاصفة الحزم التي حاولت أن أدلي فيها بدلوي لكانت إيران قد حققت الحركة الأخيرة لطرح الشطرنج الذي يجعلها تفتك كامل الرمز لقوتها الناعمة.
فالهدف كان استكمال الاستحواذ على الإسلام -قوة ناعمة- بأخذ معالمه المشعرية أي الحرمين والمدينة فتصبح هي الممثلة للإسلام ويعود العرب إلى الجاهلية والتبعية لامبراطوريتين محيطتين بالجزيرة :
إيران (بديلا من فارس)
وإسرائيل (بديلا من الروم).
ملاحظة أخيرة:
لا أريد أن يساء فهمي.
لست ضد تبادل العمالة بين العرب -وبينهم لا غير- بل ضد الاستغناء عن العمل والاكتفاء بالعمالة الواردة.
العمالة الواردة ينبغي أن تقتصرعلى سد النقص.
أما إذا صارت بديلا من أهل البلد فهي في الحقيقة قضاء على الدولة فضلا عما ينجر عنها من بطالة وكسل.
إضاعة القوة الرمزية في العصر الحديث
أعود إلى الموضوع:
كيف فقدنا الرمز الذي هو القوة الناعمة؟
القصة بينة لكل ذي بصيرة.
الدولة التي تدعي القومية والدولة القبلية كلتاهما أهملت قوة الأمة اللطيفة.
وهي القوة اللطيفة التي استحوذت عليها إيران بعد الثورة فأصبحت تحارب الأمة بسلاحها وتدعي تمثيل الإسلام الذي تسعى لتخريبه بتحريفه.
وهي تحرفه لتخربه من خلال رده إلى الخرافات والوثنية استغلالا لميل غالبية البشر للمعتقدات الخرافية ودجل الوساطة بين الإنسان والغيب مع ترك الحبل على الغارب في مجال النزوات.
أما علل الإهمال فهي في الحالتين ذات صلة بالشرعية السياسية.
ذلك أن الدول القطرية التي تطلب الشرعية للقومية لا تجدها في ما يتجاوز القطرية من تراث الأمة الإسلامي المشترك.
والدول القطرية التي تطلب الشرعية الدينية تخشى أن يتجاوز الدين رسوم العبادات فيطالب الشعب بشرعية الحكم المستمدة من إرادة الشعب ومن قيم القرآن المدنية الاجتماعية.
فالدولة التي تدعي القومية كانت بحاجة لشرعية تاريخية.
الشرعية التاريخية المشتركة التي هي التاريخ الإسلامي لا تمدها بها.
وإذن فهي حرب على الإسلام.
فصارت الدول القطرية ذات النزعة القومية تبحث عن الشرعية في ماقبل الإسلام وما تظنه بعده أي الحقبة الاستعمارية وحقبتها هي: وذلك فيها جميعا.
والدول القبلية انكمشت على إسلام تقليدي لا يكاد يتجاوز العبادات والعادات القبلية ملغية للوجه السياسي والمدني والاجتماعي من الإسلام.
فكل أنظمة الحياة ليس فيها من الإسلام إلى الاسم دون المسمى لأن التحديث المادي مستورد والتسيير الحديث يكاد يقتصر على ايد أجنبية.
ولهذه العلة أجمع نوعا الأنظمة العربية على محاربة ما يسمونه الإسلام السياسي لأن أصحابه يريدون الجمع بين الأصيل والحديث من القيم في ابعادها السياسية والاجتماعية ليكون الإسلام نظام حياة فيعود سيرته الأولى.
فإذا أضفنا إلى إهمالهما القوة الناعمة وحربهما الأهلية المتقدمة على الثورة والحرب على ما يسمونه الإسلام السياسي فهمنا الوضع الراهن.
فالحرب الأهلية بين نوعي الأنظمة وخاصة في النصف الثاني من القرن الماضي ثم الحرب الحالية ضد الإسلام السياسي اكتملت بهما الصورة بالتهديم المتبادل بين جميع الأطراف.
فأولا ظل كلاهما في القرن الماضي مجرد أداة في يد القطب الذي يجد فيه الحامي وهو في الحقيقة المستعمر له والمهدم لشروط بقائه وقوته المادية والرمزية بتبعية صارمة.
من ذلك أن كل هزائم العرب في حروبها مع إسرائيل كانت بسبب الاعتماد الغبي على الحليف السوفياتي وعلى توريد الأسلحة بدل الإقدام على صنعها.
أسرارهم الحربية وتسليحهم كانت كلها في متناول العدو بتوسط الحليف المزعوم.
لم يتغير شيء حتى اٍلآن بعد قرن من التحديث المزعوم ودعاوى التحرر.
وهم الآن في حرب الكل على الكل فبلغ الاقتتال الداخلي ما مكن منا كل الأعداء.
فهي حرب بين هذه الصفوف الثلاثة ثم في كل واحد منها :
بين حركات الإسلام السياسي
وفي أنظمة الإسلام التقليدي
وفي الدول القومية العسكرية.
لكن واجب الإنصاف يقتضي أن أعترف بأمرين:
الأول أن نشر الإسلام والقرآن في العالم لم يفرط فيه رجال السعودية رسميين كانوا أو خاصين. وهذا مهم.
الثاني بقاء المعالم المشعرية وبعض المراكز العلمية -على تخلفها العلمي والمنهجي- حافظ على جذوة الإيمان وروح الجهاد لدى الشباب.
وهذا من نعم الله.
أعلم أن الكثير من النخب التي هي مليشيات إيرانية وإسرائيلية يعتبرون مثل هذين الأمرين من علامات التخلف لأنهم يجهلون المفعول الرمزي ولا يعلمون أنهم ضحايا رموز أعداء الأمة.
ولعل ابرز تناقض دال على حمق هذه النخب أنهم يحالفون نظام الملالي ونظام إسرائيل وكلاهما ديني محرف يعود إلى التدين التوراتي والتشيع الصفوي ويحاربون السنة.
لا يدرون أن السنة أقرب ما يكون لأحدث الأنظمة السياسية في العالم لأنها لا تضفي القدسية إلا على القانون وتؤسس لدولته المتعالية على الحكام.
فأغلب علمانيينا وليبراليينا يحالفون بقايا الباطنية وبقايا الصليبية حربا على الإسلام السني بدعوى الحداثة وهم أجهل الناس بالقانون الدستوري.
لكن ما الحيلة مع المستعمرين ذهنيا والمستعدين لبيع أنفسهم كجل المتصدرين للإعلام والفكر الذي تموله الدول السنية ليكون حربا على الإسلام والأمة.
تلك هي علل ما يسود على سنة العرب حاليا من فوضى روحية ومادية ومن حرب أهلية بعضها حام وبعضها بارد لكنها هي سر ضعفهم واحتقار غيرهم لهم بحيث إنه لا أحد يسمع لهم رأيا حتى بات الروس والأمريكان يحسمون كل قضاياهم.
فالكف الواحدة لا تصفق والسعودية تكاد تكون وحيدة لأن جل من يدعي مساندتها لا تتجاوز مساندته لها الكلام إذا ما استثنينا قطر والسند التركي المتخوف بسبب وضعه الداخلي.
وليس في كلامي هذا تثبيط بل هو وضع السبابة على الأدواء شرطا في الشروع في العلاج وليس أفضل من العلاج الحامي:
فخلال بروز كل الأعراض يمكن أن نصل إلى التشخيص الصحيح
ومن ثم إلى العلاج الصارم في خضم المعركة
والتدارك ممكن لأن للأمة من الإمكانات ما يجعلها قادرة بإذن الله وعونه على تحقيق المطلوب.
-كيف فقدوا قوتهم اللطيفة- -وكيف يستردونها-
الجزء الأول
يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/