سكارى الزبيبة من ماضغي الكليشيهات الحداثية

لما يصبح السيسي فيلسوفا في إصلاح الإسلام، ثم يحاكيه مراهقا الثورة المضادة، ثم يحاكيهم بعض حكام العرب ممن تجاوزوا أرذل العمر، ثم تكون جوقتهم النخبوية ممن تسكرهم زبيبة التقريب الجمهوري في الأدبيات الفرنسية والماركسية التي تجاوزها جميع البشر إلا ما عندنا من “بقر”. ويمكن لأي عاقل ان يجزم أن هؤلاء السكارى بزبيبة لا يعنيهم الدين، بدليل أنهم لا يتكلمون إلا في الإسلام، بل ما يعنيهم هو الترشح للنجومية لدى من يعادون استئناف المسلمين لدورهم طمعا في ابقائهم استثناء في القرن الحادي والعشرين حتى يستبيحوا أرضهم وعرضهم وثرواتهم استعدادا لمنافسيهم. لا أحد من المتكلمين في الدين يتكلم فيه كدين، لأنه لو فعل لقارن حتى سبيل الاطلاع بين الأديان المنزلة الثلاثة وبينها وبين الأديان الشرقية القصوى ليعلم مدى جهله. وطبيعي أن يكونوا جميعا أميين في ذلك لأن أكثرهم ادعاء للاختصاصي لم تتجاوز رسالته “عرض تبادل السباب بين المتكلمين”.

ومن العجائب التي تذهلني حقا، هو أن الغالبية الساحقة ممن يسكرون بزبيبة ويدعون الكلام في مسائل ليس لهم أدنى شروط الكلام فيها، هم من أقسام العربية في كل بلاد العرب، ناهيك عمن يدعون الاختصاص في القانون والنقد الأدبي. فهؤلاء توهموا أن جدل بعض متآدبي صالونات اليسار وإيديولوجييه، فلسفة وعلم. والغريب أنهم يدعون أنهم مثقفون ويتحالفون مع العسكر ومع مراهقي الثورة المضادة ومع جوقة السيسي من الكاريكاتورين وخاصة من الدعاة الجدد في الأوطان وفي المهاجر ممن الكل يعلم أن أي أمير يمكن أن يشتري منهم ما يرد مثلهم مثل جواري القصور لا فرق. ويوهمون أنفسهم أنه صاروا علماء ومبدعين. وأذكر أني اضعت وقتي لقراءة بعض ما كتب ناصر حامد أبو زيد حول النص والواقع. فوجدت أن كلامه لا يتجاوز كلام أي عامي يقارن بين أمرين يعتبرهما قابلين للفصل بالصورة التي تجعله يتكلم على: • النص الديني • والنص الفلسفي • والواقع. ودليل عاميته أنه لم يسأل كيف يدرك الواقع خارج هذين الرؤيتين؟ في الحقيقة هو يسمي واقع رؤية ماركس التي هي نص. فيكون من ثم مقارنا بين ثلاثة نصوص: • نصوص الإسلام المرجعية • ونصوص فلاسفة الإسلام • ونص ماركس بفهمه الصبياني. ولكن هبني قبلت أن له إدراكا للواقع خارج هذه النصوص الثلاثة، هل يمكن أن يعطينا نظرية تبين كيف ينتج واقع ما نصا ما؟ أو العكس؟ ولماذا نسي أنه هو بدوره ينطلق من واقعه هو وليس من واقع النص الذي يحاكمه بصورة الواقع الذي كان واقع ماركس لما كتب فكره، أم إنه هو قابل لأن يكون مستقلا من الواقع ومثله ماركس؟ لكن القرآن والسنة لا يمكن أن يكونا مستقلين ولو بعض الاستقلال. هل يقصد بالواقع ثقافته الفلسفية البدائية؟ ما الفرق بينه وبين الفقهاء الذين يتكلمون على فقه الواقع؟ هل الواقع هو ما يسميه العملاء في السياسة “فن الممكن” أو “إكراهات الواقع”؟ ويعنون ما لا يستطيعون له مقاومة لأنهم مدينون له بوجودهم في كراسيهم وبالولاء الضروري للبقاء فيها؟ مناقشة طباليهم لا معنى لها لأن واقعهم هو إرادة سيدهم. لو فرضنا أن ما يسمونه واقعا هو “أوضاع بلادهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وما تطرحهم من مشكلات عينية لا بد من علاجها عينيا بما يبلسم أدواءها التي هي بدورها عينية: هل تساءلوا عن قابليتها للعلاج بالإسقاط القياسي على “واقع” أوروبا في القرون الأربعة الماضية؟ فدرس العربية بالكاد، والأديان من شتائم المتكلمين في القرون الوسطى هاج للغزالي مادحا لطوما الاكويني دون فهم لأي منهما -وهما زعيما اللجنة-حتى لو سلمنا لهما بالعلم اللدني والعبقرية فريدة النوع، لا يكفيان لتغيير أساس شرعية التشريع ذاته، أعني علاقة بمرجعيات حضارته إن كانا يفهمان.

وأخيرا، فإني مع ذلك أشكر السبسي والسيسي ومراهقي الثورة المضادة والنخب العملية والطبالة التي كما بينت، افتضحت افتضاح “الممانعة” والدعاة الجدد لأنهم أعطوا للشعوب التي ثارت من أجل الحرية والكرامة واسترجاع السيادة فرصة جمع ذلك مع استرجاع السيادة الروحية والثقافية. فتصبح الثورة في آن ثورة من أجل قيم الحداثة المتحرر من الايديولوجيا الاستعمارية وقيم الإسلام المتحرر من الصورة النمطية التي يتحجج بها أعداؤه بعد أن استغلوها لما استعلموا نفس الانظمة ونفس النخب في تركيز أنظمتهم على حصر الإسلام في العبادات، ثم صاروا يسعون لاخراجه من حياة الأمة.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي