سر فقدان السيادة، تسايد العرب بعضهم على البعض

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله

كثر العرب الكلام على السيادة. لكن حقيقتها الفعلية في دولهم هي في نسبة عكسية مع أوهامهم القولية. ولأقلها صراحة: ليس لأي دولة عربية سيادة.
قد يتسايدون على بعضهم البعض وعلى شعوبهم. لكنهم في واقع الأمر يعلمون أن سيادتهم مقصورة في حدود ما يرسمه حاميهم: فمن ينكر أن كل دولنا محميات؟
لا أريد أن أسمع الاعتراض المعتاد: لم تعد سيادة الدول كما كانت بسبب التداخل والتفاعل والتحالف وهلم جرا لكل ما يلصق بما ترتب على العولمة.
فلست جاهلا إلى حد الجهل عن ما يترتب على هذه الأمور التي آلت عند المحتجين بها إلى محاولة محو الفرق بين تفاعل ذوي السيادة وفعلهم في عديمها.
ولست جاهلا إلى حد عدم التمييز بين تسايد العرب بعضهم على البعض وعلى شعوبهم وموقفهم ممن يعلمون أن سيادتهم أمامهم حبر على ورق لكونهم محميات.
وترومب على غبائه فهو كالطفل يقول حقائق لا ينكرها إلا معاند: قال متكلما على الخليج ويصح على كل دول العرب “من دوننا لا وجود لدولهم” فليدفعوا.
وليس هذا ما يعنيني لأني اعتقد أنه من بديهيات الوضع الحالي. ويكفي مثالا مقارنة دخول الإيطاليين لليبيا في بداية القرن الماضي ودخولهم الحالي.
دخلوها بحرب وقاومها شعب برز فيه أكبر أبطال ليبيا عمر المختار وهو يدخلها اليوم بطلب من حكومتها-التي نصبها الغرب-وبعنتريات أحد عملائه حفتر.
لا تعنيني المهازل العربية الحالية التي جعلت الأمة تنتقل من مقاومة شعبية رغم قلة ذات اليد إلى استدعاء من النخب العملية لكل الحاميات الأجنبية.
تلك هي الظاهرة التي أريد فهمها وفهم عللها: كيف تنتقل أمة عظمى كالعرب رأس حربة الإسلام إلى حرب أهلية دائمة فيحتمون من بعضهم البعض بالأعداء؟
وهم التسايد بعضهم على البعض. تلك علة فقدان شروط السيادة. وذلك ما فهمته أوروبا عندما جعلهم التسايد فيما بينهم يفقدون شروط السيادة فاستتبعوا.
ورغم أن أصغر دولة أوروبية أغنى وأقوى من العرب كلهم في حال عدم اجتماعهم فهموا أن العولمة لا تقتضي فقدان السيادة بل تحقيق شروط المحافظة عليها.
كان يمكن للجزائر أن تكون محرك وحدة المغرب والسعودية محرك وحدة الخليج والعراق محرك وحدة الهلال واليمن محرك وحدة القرنين ومصر محرك وحدة النيل.
إنه حمق القيادات وغباء بطانتهم بهم ونصائح مستشاريهم الأجانب وسوء فهم حقيقة السيادة ما هي وخاصة الاستبداد بالعباد وفساد استغلال البلاد.
أي سيادة لمن لا يحكم إلا برضا الملالي؟ وأي سيادة لمن لا يحكم إلا برضا ناتن ياهو؟ واي سيادة لمن لا يحكم إلا برضا باريس؟ أو أمريكا أو روسيا؟
أي سيادة لمن لا تقوم دولته إلى بالحاميات الأجنبية وحتى بالبلاك ووتر؟ واي سيادة لمن يمد يديه متسولا لدفع أجور مواطنيه عمال لدى سيده الحامي؟
ومما يثبت أن ما ذهب بالسيادة هو عدم فهم شروطها أي القدرة على الرعاية والحماية الذاتيتين ومغالطة الذات عند النظر إلى القوة الزائفة والوهمية.
ذلك أن من ذكرت-الجزائر وحتى القذافي في المغرب والعراق في الهلال والسعودية في الخليج ومصر في النيل واليمن في القرنين-توهموا أنهم قوة عظمى.
فأخافوا من حولهم من الدول العربية الصغيرة التي احتمت بمستعمر الأمس حتى صار الجميع الآن محتميا به أو بأحد ذراعيه في الإقليم: تلك هي حالنا.
والرمز الأكثر دلالة هو محاصرة قطر: فمثل هذا العمل سيزيد الطين بلة لأن كل دول الخليج ستصبح عديمة الثقة بعضها بالبعض فازداد الاحتماء بالغير.
دفعنوا الجامعة بدل تطويرها كما تطورت جامعة الأوروبيين التي أنشئت بعدها ثم أصبح كل نظام عربي يدعي يتسايد على أجواره مع كونه عديم السيادة.
وبذلك فوهم السيادة أفقد كل العرب أدنى حد من السيادة فصرنا ندفع لمستعمرنا أجر استعماره لنا فهل سنفرط في الوطن كله كالأندلس وفلسطين؟
هل يمكن أن يعتقد أحد أن الحامي يأتي خوفا علينا ومحبة فينا أم هو يحقق ما كان يحارب من أجله فصرنا نتحارب من أجل استقدامه مستعمرا حاميا؟
أي جيل هذا من الحكام والنخب في بلاد العرب والكرب والجرب وكل أنواع العجب؟
مشكل هذا الجيل ليس الفساد والاستبداد فهذا موجود في كل الأجيال بل أمران: زوال العقاب الدنيوي بعد زوال العقد في العقاب الأخروي: اللاعقاب.
فحتى الغرب على كثرة المراقبة فيه المستبدون والفسدة. لكنهم استعاضوا عن زوال العقد في العقاب الأخروي بالعقاب الدنيوي. الكل يخضع للقانون.
أما عندنا فقد غاب ما يسميه ابن خلدون بالوازع الذاتي ولا وجود للوازع الأجنبي لأن اللص والمتحيل والمافياوي هو الذي يحكم والقانونان على غيره.
فالذين يدعون الحكم بالشريعة لا يطبقونها إلا على الشعب والفقراء خاصة أما الأمراء وطبالوهم فهم فوق شرع الله. أما العسكر فقانونه قتل من يتكلم.
الأولون يحتجون بولاية الامر ولم يولهم أحد في حين القرآن يعتبر ولاية الامر للامة (أمرهم) ويدار بالشورى (شورى بينهم).والثانون حجتهم الدبابة.
ثم اتحدوا على الشعب لما افاق وطالب بأدنى حقوقه فأصبحت الدبابة حجة الجميع وطبعا أضافوا الطائرات والبراميل والكيمياء والمليشيات والمرتزقة.
يهدمون البلاد ويشردون الشعب باسم حماية السيادة الوطنية من تدخلات أجنبية لم يأت بها غيرهم لحماية كراسيهم ومقاومة بإرهاب صنعوه لتبرير بقائهم.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي