سر النصر الحتم بعون الله

تنبيه مدير الصفحة:

هذه محاولة يمكن اعتبارها شرحا لتصريح شهير صدر عن شاعر ألمانيا الأكبر وفيلسوفها جوتة في حوار مع أحد زواره في بيته بتاريخ 11 أفريل 1827. ففي هذا التصريح علل جوته سر المعجزة التاريخية التي ينسبها الفكر الألماني إلى الحضارة الإسلامية بقيادة عربية في عصر بناء دولتهم.
والمعلوم أن للألمان شديد الإعجاب بما حققته حضارتنا في كل المجالات. ويمكن أن نرد تعليل جوته إلى فهمه لسر الجهاد وسر الاجتهاد في أمة الإسلام:
1-يقول جوته في سر الجهاد: يقين الإيمان بالقضاء والقدر.
“فكأساس للدين يثبت المسلمون شبابهم أولا على القناعة بأن الإنسان لا يمكن أن يصيبه إلا ما كتب الله له ومن ثم فهم بعد ذلك يكونون مجهزين ومطمئنين ولا يكادون يحتاجون إلى شيء آخر…فالرصاصة التي لم يكتب عليها اسمي لن تصيبي يقول الجندي في المعركة وكيف كان يمكنه أن يحافظ على الشجاعة والحماسة من دون هذه العناية.”
2-ويقول في سر الاجتهاد: شك العلم للفصل بين الحقيقة والمظهر.
“ثم مباشرة بعد ذلك يبدأ تعليمهم الفلسفة (وهو الأسلوب القرآني الذي يناقش الراي والرأي المقابل) بالنظرية القائلة إنه ما من شيء يوجد إلا ويمكن أن نقول عكسه وبذلك فهم يدربون عقل الشباب بفضل ما يجعلونه عليه من تمارينهم متمثلة في البحث عن الرأي المناقض لكل دعوى موضوعة وهو ما ينبغي أن يمكنهم من حذق كبير في الفكر والقول…
3-ليختم بالقول: ” وهكذا ترون هذه العقيدة (يقصد الإسلام) لا ينقصها شيء وأننا مع كل ما عندنا من أنساق لم نضف شيئا يذكر وأنه لا يمكن لأحد أن يتجاوزها إلى شيء آخر”.
حوارات مع جوته في السنوات الأخيرة من حياته مع مدخل نشر أ. بوتلار ت.ب. نشرة منشن 1976 ص. 246.
J.P.Eckermann, Gespräche mit Goethe in den letzten Jaren seines Lebens -1835 mit eine Einführung Hrsg.von E.Beutler TB Ausgabe München 1976 s.246
ترجمة أبي يعرب المرزوقي.
نأمل أن يصبر القارئ على هذا التحليل لشروط النصر في الاستئناف قياسا على شروطه في النشأة الأولى.

القسم الأول

1-سألنا الأستاذ عن شروط النصر في الحروب وهل هي قابلة للحصر بصورة علمية وهل لها علاقة بما تطلبه الآية 60 من الأنفال أم السلطان للصدفة؟
2-أجاب يمكن أن ننطلق من قولة لجوته (تقديم المحاولة): فالسؤال مضاعف: قسمه الأول مطلق ويتعلق بشروط النصر وقابليتها للمعرفة العلمية. وقسمه الثاني يخص علاقتها بما نبهنا إليه القرآن الكريم.
3-وأنتم تعلمون أني مناهض لموقف القائلين بالإعجاز العلمي ليس موقفا من أصحابه بل عملا بقوله تعالى:”سنريهم آياتنا في أنفسهم وفي الآفاق حتى يتبين لهم أنه الحق”.
4-ومعنى ذلك أن القرآن يحدد محل البحث عن الحقيقة في أي مجال طبيعي أو إنساني فلم يقل إنها موجودة في نصه بل في نوعين من الموجودات: في الطبيعية (الآفاق) وفي التاريخ الإنساني (أنفسهم).
5-وإذن فالجواب عن السؤال الأول لا يكون من خلال شرح الآية 60 من الأنفال إلا بعد قراءة الآيات في الآفاق والأنفس أي علوم الطبيعة وعلوم الإنسان لنؤيدها بالنص بعد ذلك لأن الحروب يتدخل فيها الطبيعي والثقافي.
6-ولنبدأ بتحليل الحرب مم تتألف: فلها مقومات طبيعية هي الكائنات الحية المتحاربة ومقومات ثقافية هي أدوات القتال ومقوم إنساني جامع بينهما هو دوافع المتحاربين ومعتقداتهم.
7-فهذه إذن أربعة مقومات:1-كائن حي (بايولوجيا) 2-أدوات حرب (تكنولوجيا) 3-دوافع المحارب (بسيكولوجيا) 4-معتقداته (أكسيولوجيا). فكيف تتفاعل؟
8-شرط التفاعل هو المقوم الخامس: فلا بد من أربعة مقومات من جنسها تقابلها ليحصل التفاعل بمستويات خمسة مختلفة: 1-في نفس الفرد الواحد 2-وبين فردين 3-وبين فئتين من نفس الجماعة 4-وبين جماعتين 5-وأخيرا بين حلفين.
9-والمستوى الأوسط أي الثالث هو حقيقتها كلها لأن الحرب هي في الجنس البشري وهو نفس الجماعة عضويا حتى وإن تعدد ثقافيا. وإذن فالقانون الذي نتكلم عليه قانون عام: ينطبق على الفرد مع نفسه وعلى ما بين فردين ومابين فئتين في نفس الجماعة أو بين جماعتين أو بين حلفين.
10-وهذا هو الأصل في الحرب بين البشر: خاصية بايولوجية تجري في كل تعينات الحياة ومستوى عنفها بمستوى النوع الحيواني الذي يقوم بها. وأعنفها بين الحضارات لجمعه بين غريزة الحيوان وعقل الإنسان. الحرب من أرقى ظاهرات الحضارة رغم كونها من أدنى ظاهرات الحياة.
11-نلخص: عاملان طبيعيان (البايولوجيا والتكنولوجيا) وعاملان إنسانيان (البسيكولوجيا والأكسيولوجيا) لا بد أن يتضاعف كل واحد منها لكونها مشروطة في كلا الصفين المتصادمين ويوحد بينها تاريخ الإنسان الطبيعي.
12-لماذا “مرتين”؟ هذا مبدأ وجودي: مبدأ الزوجية. فكل الموجودات حتى المتفردة لا بد أن نجد فيها مبدأ الزوجية أو ثنائية القطب شرط التفاعل بالتشاغل والتوالد العضوي والرمزي.
13-وذروة الزوجية نجدها في الحي وهي تصل غاية التفاعل في الكائنات الحية الراقية وارقاها الإنسان: جوهر الحرب يبدوا مبنيا على تناقض بين الخلقي والبايولوجي لكنه في الحقيقة سرهما كليهما (لا أخلاق لمن لا يحمي نفسه).
14-إنها نتيجة الانتخاب الطبيعي البايولوجي. والأديان والفلسفات تحاول تلطيف قانون الانتخاب الطبيعي بملطفات تشريعية هي أساس السياسة والتربية: القانون والأخلاق.
15-لكن الملطفات هي بدورها قد تصبح أدوات في قانون الانتخاب الطبيعي: إذ يمكن أن تعوق التعامل مع الانتخاب الطبيعي وهو معنى الأنفال 60 لتجنب الإعاقة الناتجة من عدم حماية الذات.
16-فالأنفال 60 تعني التحذير من نسيان قانون التاريخ الطبيعي و عدم الاستعداد له لتجنب العجز عن التصدي لمن لا يولي أهمية للملطفات فيهزمك وتكون أنت مسؤولا أكثر منه لأنك تخليت عن أساس الحرية: القدرة على حماية الذات بما يقتضيه العصر.
17-كل الحضارات التي انقرضت كان سبب انقراضها تجاهلها أن الحرب بالمعنى الذي وصفنا جزء لا يتجزأ من تاريخ الإنسان الطبيعي وتاريخه الخلقي فأهملت الأنفال 60. وأصبحت عزلاء وفاقدة لمعاني الإنسانية (بمفهوم العبارة الخلدوني).
18-إذن الأنفال 60 هي مفهوم الردع الذي يلطف من التاريخ الطبيعي للإنسان بمنع العدوان ممن لا يؤمن بقيم القرآن .وإغفالها هو سبب هزائمنا كلها. والقرآن يحمل المسؤولية للجميع لأن الشر لما يحل لا يمكن للقاعدين التنصل من مسؤوليته.
19-الحرب هي إذن: 1-حي ضد حي. 2-بتقنية ضد تقنية. 3-وبنفسية ضد نفسية. 4-وبـمعتقدات ضد معتقدات. 5-ويجمع ذلك كله صدام دام تتعين فيه لحظة من التاريخ الطبيعي والخلقي للإنسان لكن دور التاريخ الخلقي خالبا ما يغيب (وهو ما تداركته شريعة الإسلام).
20-هذا التعريف على شموله ما يزال غير جامع ولا مانع إذ هو ينطبق في خمس مستويات لا تسمى كلها حربا ومن ثم فهو حد جامع غير مانع: في نفس الفرد وبين فردين وبين فئتين وبين جماعتين وبين حلفين.
21-وما يسميه الناس حربا يقتصر على المستويات الثلاثة الأخيرة: بين فئتين (الـحرب لأهلية) وبين جماعتين (بين دولتين) بين حلفين (قمتها الحرب العالمية). والاستعمال الغالب هو الأوسط لقابلية الآخرين الرد إليه: فالأهلية تكون بداية للانفصال والثانية تكون غاية له.
22-لكن المعنى العميق للصراع العضوي ينطبق في الحقيقة عليها جميعا: على الفرد الواحد (صراع دائم لتلازم الحياة والموت في كل خلايا البدن وجهاز مناعة) وعلى الصراع بين فردين حتى بين رأسي الأسرة الواحدة. وهو شرط بقاء الحياة وتحسين النوع وتجدده. والحد منه بالسياسة والتربية في نفس المستويات الخمسة هو جوهر الأخلاق القرآنية.
23-والسياسة والتربية أو صورة العمران المنتجة لمادته أي الاقتصاد والثقافة هي العناصر الاربعة التي تسمو بالإنسان إلى التاريخ الخلقي بشرط الآنفال 60 وتحاول تلطيف التاريخ الطبيعي ما أمكن التلطيف.
24-وهذه العناصر يسميها القرآن “استعمار الإنسان في الأرض” لكنها تكون من التاريخ الطبيعي إذا لم تتصف بأهلية الاستخلاف: عدم الإخلاد إليها التي هو منها (هود 60). ومنها استمد ابن خلدون معنى العمران البشري والاجتماع الإنساني عنوانا للمقدمة.
25-وعدم اخلاد الإنسان إلى الأرض لا ينسيه أنه منها (هود 60) ما يقتضي أن يحقق شروط الاستخلاف فيها وهي شروط يجمعها مقوما فلسفة الإسلام وسر قوة أمته ومناعتها: الاجتهاد النظري والجهاد العملي شرطين للنصر الدائم.
26-وإذن فالحرب هي دائما صدام بين هذه المقومات الخمسة في تعين لحظتي تاريخ إما في تطور حضارة واحدة معينة أو في تطور الحضارة الإنسانية ككل. وحتى نكمل التعريف لتحديد مقومات النصر لا بد من تحديد رهانات الحرب بإعتبارها جوهر الانتخاب الطبيعي الإنساني.
27-فالرهانات هي ملكية الأحياز ومن ثم فالحرب صراع على ملكيتها لأنها هي معين الحياة. وقد سبق فتكلمنا على الأحياز:1-حيز المكان وتقاسمه هو جغرافية العالم2-ومنه شرط البقاء العضوي 3-وحيز الزمان وتقاسمه هو تاريخ العالم 4-ومنه شرط البقاء الروحي 5-وأصل الذات أي الوعي الهوية الحضارية وشروط بقائها.
28-ملكية المكان وملكية الزمان شرطان للعيش والبقاء ولا يصل العيش والبقاء ليكون وحدة متصلة إلا وعي الجماعة بهوية حضارية ذات قيم ومعتقدات.
29-وما نلاحظه هو أن الحيوانات أيضا لها على الأقل الحيزين الأولين وتعليلهما هو شرط العيش والبقاء لكنه غير مشفوع بوعي ولعله مشروط بغريزة تعوض الوعي والتخطيط العقلي الذي يجعل الحروب قابلة لأن تكون ذات استراتيجيات وعلم.
30-بعد التغريدة 29 نتوقف فربما يساعد ذلك القارئ على الاستيعاب. وسنستأنف عملية استنتاج شروط النصر الحتم للأمة الإسلامية بقيادة عربية نشأة ثانية آن أوانها بدليل الحروب عليها.

القسم الثاني

31-قد يشفع للتعقيد أهمية القضية: نريد فهم شروط النصر في معركة المصير معركة الاستئناف التي اختلط فيها الداخل بالخارج وليس يسيرا تحديد الوجهة التي علينا اتباعها لتحقيق هذه الشروط.
32-عرفنا مقومات الفعل الحربي العشرة : خمسة لكل صف ورهاناتها الخمسة (الأحياز). والمطلوب الآن بيان دور كل واحد منها ودور علم كل صف بما لدى عدوه مما يفضله به أو يساويه أو مما هو دون ذلك.
33-أول علم كل صف بالصف الثاني هو تحديد الأعداء وترتيبها في سلم لدرجات العداوة: فهل سنة العرب اليوم-وهم عماد الإسلام-لهم علم بالعدو وهل رتبو الأعداء في سلم يحدد استراتيجيا المواجهة. فالعدو متعدد وهو داخلـي وخارجـي ولعله دار بالرهانـات أكثر منها.
34-ودلالة درايته بالرهانات أكثر منها علامات تحفزه وتقاعسها ومفاعيل استراتيجيته البعيدة وغياب استراتيجيتها وآثار اختراقه لكل صفوفها وغفلتها فضلا عن عدم المعاملة بالمثل.
35-ولعل أكبر الأدلة على صحة الوصف للمعطيات هو أن أغلب المتصدرين للكلام على استراتيجية السنة متطببون يهدمون أسس قيامها بكاريكاتوري التأصيل والتحديث ومعارك التهديم الذاتي بينهما.
36-بعبارة وجيزة: الحائل الأساسي للشروع في الكلام على استراتيجية الاستئناف هو مفعول بقايا الانحطاطين وتعينهما في ما حددنا من مليشيات طائفية خمسة.
37-ولست اقتصر على ما ظهر منها بإعلان العداوة بل ما خفي بالاندساس في أجهزة دول السنة وخاصة في بطانة أنظمتها وفي إعلامها المهدم للحصانة بتمويل منها علته سوء علاقتها بشعوبها.
38-وهنا يأتي مفهوم “وآخرون لا تعلمونهم”. إنهم الأخطر رغم أن الصنفين الآخرين بينان: أعداؤنا لعلل مادية مصلحية وأعداؤنا لعلل روحية قيمية.
39-ولأبدأ الآن فأصف العوامل العشرة ثم حال الرهانات الخمسة لننتهي إلى العلاج الاستراتيجي الذي يحقق الهدف: النصر الحتم بفضل الله وعونه.
40-هل الحي العضوي مؤهل (الكروس دالة على العكس) ؟ هل التقنية مناسبة (توريدها من العدو يعني تخلفها)؟هل النفسية مستعدة (الخوف والتردد سائدان) ؟ هل الدافع العقدي فاعل (أغلبهم يحاربه لإرضاء العدو) ؟ وأخيرا هل الوعي بالذات وما يتهدد حريتها قائم ومؤثر (هذا هو الغائب الاساسي وتلك هي علة الفرقة والخيانات المتبادلة بين العرب)؟
41-هل حال هذه العوامل الخمسة عند سنة العرب بالقياس إلى جنيساتها عند أعدائها فاضلة أم على الأقل مساوية أم هي في الحقيقة مفضولة بحد كبير؟ الجواب لا يحتاج إلى كبير تأمل.
42-لكن لا بد هنا من احتراز: فإذا تكلمنا على الرسميين يكون الجواب هو أنها مفضولة بما لا يقاس على الأقل في البدني والنفسي والدافع الهووي. لكن إذا تكلمنا على الشباب المقاوم فهي فاضلة بحد مرض إلا في التقني والاستراتيجيا.
43-ولا نحتاج إلى كبير استدلال على هذا التقويم: يكفي مقارنة هزائم الجيوش الرسمية في كل الحروب وصمود المقاومات الشعبية في كل الجبهات منذ أكثر من قرنين.
44-إذن اكتشفنا الداء الأول: الجيوش العربية ليست جيوشا بل هي مافيات حاكمة أو حراس المافيات الحاكمة بتوكيل من المستعمر إلا من رحم ربي في حالة 73 الشاذة.
45-الحل معلوم نظريا لكن لا أحد يعمل به بحق وبجد: التربية العضوية والتربية النفسية والتقدم العلمي والتقني وأحياء الدافع القيمي للهوية الحضارية وتفعيل الرهانات أي ملكية الأحياز.
46-ملكية الأحياز مع الوعي بما يتهدد الذات ذلك هو التحقيق الفعلي لمفهوم استعمار الإنسان في الأرض واستخلافه فيها: المسلم هو المستعمَر مرتين ولا خلافة له فيها.
47-البداية الضرورية التي بدأت الأنظمة تدرك الحاجة إليها لأنها صارت مهددة في وجودها بعد أن تخلى عنها الحامي: اصلاح دول السنة لكي يكون مواطنوها أرباب الأحياز وليس عبيدا فيها لأرباب محليين تابعين لأرباب أجانب يحمونه ضد شعوبهم.
48-وإذن فمعركة التحرر من الاستبداد والفساد الداخليين باتت مقرونة بمعركة التحرير من الاستبداد والفساد الخارجيين: تجاوز علة الحرب الأهلية. وهذا هو مضمون الثورة العربية الحالية.
49-وإذن فاللحظة التاريخية فرضت على مـمولـي الثورة المضادة أن يدركوا أن ما تطلبه الثورة أصبح شرط بقائهم.فإذا فهمت الأنظمة المهددة في وجودها أن بقاءها مشروط بتحقيق أهداف الثورة فستكون سنة العرب أكبر قوة في المنطقة يهابها العالم بحق.
50-والعلة البينة هي أنها تكون قد جمعت الشرطين: القوة الروحية التي يمثلها تراثها (هنا الحرمان) والقوة المادية التي تمثلها ثرواتها (هنا ثروة الخليج وإن كانت مؤقتة).وبذلك تكون الغاية بقوة البداية.
51-فلو كان العرب في النشأة الأولى عبيدا ليس لهم سلطان على ذواتهم وأحيازهم -استقلا الجزيرة العربية-هل كان بوسعهم فتح العالم والتغلب على إمبراطوريتين عريقتين؟
52-لو كانت الرسالة لا تحقق دولة حامية (وظائف الحماية الخمسة) وراعية (وظائف الرعاية الخمسة) ما الذي كان يمكن أن يحفزهم للموت من أجلها؟
53-فالحماية صنفان داخلي (القضاء والأمن) وخارجي (الدبلوماسية والدفاع) وأصلهما وجهازهما العصبي (الاستعلام والإعلام السياسي) في خدمة الأمة: وذلك هو جوهر دولة الإسلام.
54-والرعاية صنفان تكويني (التربية والمجتمع) وتمويني (الثقافة والاقتصاد) وأصلهما وجهازهما العصبي (الاستعلام والإعلام العلمي) في خدمة الأمة وتلك هي ثورة السياسة القرآنية التي يشير إليها جوته.
55-عندئذ يكون بدن المقاتل (شباب بجنسيه ممشوق البدن وليس مترهل الكروش) ونفسه (نفسية الأبطال) مؤهلين وتكون عدته التقنية والاستراتيجية مستعدة (لم يتغلبوا على امبراطوريتين من دون التفوق التقني في الحرب) ويكون دافعه المصلحي دنيويا وأخرويا من أقوى دوافع الجهاد.
56-وظيفة الحروب أنها اختبار للتفاضل بين مقومات الحيوية في الأمم المتنافسة على قسمة المكان وثمراته المادية والزمان وثمراته الروحية: العضوية والنفسية والعلمية والتقنية والخلقية والروحية. االنصر ليس صدفة.
57-وهنا لا بد من تصحيح فهم خاطيء لعقيدة صحيحة: “وما النصر إلا من عند الله” لا تعني ما يروج له بل هي تعني أن النصر يتحقق بالشروط التي أمر الله بتحقيقها للوصول إليه.
58-فالحصر “إلا من عند الله” يعني حصر الأسباب في ما حددته سنن الله في التغيير والاستبدال بشروطه المادية والروحية وخاصة بأخلاق الجهاد ومنهج الاجتهاد: ففهم القضاء والقدر للتوكل وليس للاتكال والاجتهاد فرض عين مثل الجهاد.
59-وهنا نعود إلى الآية 60 من الأنفال: تكوين القوة عامة (أي العضوية والعلمية والتقنية والاقتصادية) والقوة العسكرية (ورمزها رباط الخيل) والعلم بالأعداء (اشارة إلى ما لا نعلمه منهم).
60-ولنختم بالفائدة: يتبين لنا أن القرآن هو الحق بما يتجلى من آيات الله في الآفاق والأنفس لا العكس. القرآن يوجهنا لخلقه طريقا إلى سنننه. والله ورسوله أعلم.


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي